فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا بقي في حثالة من الناس

باب إِذَا بَقِىَ فِى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( إذا بقي) المسلم ( في حثالة من الناس) بضم الحاء المهملة بعدها مثلثة خفيفة فألف غلام فهاء تأنيث الذين لا خير فيهم وجواب إذا محذوف أي ماذا يصنع.


[ قــ :6710 ... غــ : 7086 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ حَدَّثَنَا «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِى جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ».
وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ فَيُقَالُ: إِنَّ فِى بَنِى فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَىَّ زَمَانٌ وَلاَ أُبَالِى أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمُ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ،.
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: ( أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا ( سفيان) الثوري قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي ( عن زيد بن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء الجهني قال: ( حدّثنا حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- ( قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثين) في ذكر الأمانة ورفعها ( رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدّثنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن الأمانة) المذكورة في قوله تعالى: { إنّا عرضنا الأمانة} [الأحزاب: 72] وهي عين الإيمان أو كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف أو المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده أو العهد الذي أخذه عليهم ( نزلت في جذر قلوب الرجال) بفتح الجيم وكسرها لغتان وسكون الذال المعجمة بعدها راء في أصل قلوبهم ( ثم علموا من القرآن) بفتح العين وكسر اللام مخففة بعد نزولها في أصل قلوبهم ( ثم علموا من السُّنّة) كذا بإعادة ثم يعني أن الأمانة لهم بحسب الفطرة ثم بطريق الكسب من الشريعة وفيه إشارة إلى أنهم كانوا يتعلمون القرآن قبل أن يتعلموا السُّنّة.
( وحدّثنا) صلوات الله وسلامه عليه ( عن رفعها) عن ذهابها أصلاً حتى لا يبقى من يوصف بالأمانة، وهذا هو الحديث الثاني الذي ذكر حذيفة أنه ينتظره ( قال) :
( ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) بضم الفوقية وسكون القاف وفتح الموحدة ( فيظل أثرها) بالظاء المعجمة ( مثل أثر الوكت) بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مثناة فوقية سواد في اللون يقال: وكت البسر إذا بدت فيه نقطة الإرطاب ( ثم ينام النومة فتقبض) أي الأمانة من قلبه ( فيبقى فيها) وسقط قوله فيها لابن عساكر ( أثرها مثل أثر المجل) بفتح الميم وسكون الجيم وقد تفتح بعدها لام غلظ الجلد من أثر العمل ( كجمر) بالجيم المفقوحة والميم الساكنة ( دحرجته على
رجلك فنفط)
بكسر الفاء بعد النون المفتوحة ( فتراه منتبرًا) بضم الميم وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الموحدة منتفخًا ( وليس فيه شيء) وقال: فنفط بالتذكير ولم يقل فنفطت باعتبار العضو ( ويصبح الناس يتبايعون) السلع ونحوها بأن يشتريها أحدهم من الآخر ( فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة) لأن من كان موصوفًا بالأمانة سلبها حتى صار خائنًا ( فيقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا ويقال للرجل ما أعقله) بالعين المهملة والقاف ( وما أظرفه) بالظاء المعجمة ( وما أجلده) بالجيم ( وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) وإنما ذكر الإيمان لأن الأمانة لازمة له لا أن الأمانة هي الإيمان.
قال حذيفة -رضي الله عنه- ( ولقد أتى عليّ) بتشديد الياء ( زمان) كنت أعلم فيه أن الأمانة موجودة في الناس ( ولا أبالي أيكم بايعت) أي بعت واشتريت غير مبالٍ بحاله ( لئن) بفتح اللام وكسر الهمزة ( كان مسلمًا رده عليّ الإسلام) بتشديد التحتية من عليّ ولأبي ذر من الكشميهني إسلامه فلا يخونني بل يحمله إسلامه على أداء الأمانة فأنا واثق بأمانته ( وإن كان نصرانيّا) أو يهوديًّا ( ردّه عليَّ ساعيه) الذي أقيم عليه فهو يقوم بولايته ويستخرج منه حقي ( وأما اليوم) فقد ذهبت الأمانة وظهرت الخيانة فلست أثق بأحد في بيع ولا شراء ( فما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا) .
أي أفرادًا من الناس قلائل ممن أثق بهم فكان يثق بالمسلم لذاته وبالكافر لوجود ساعيه وهو الحاكم الذي يحكم عليه وكانوا لا يستعملون في كل عمل قلّ أو جلّ إلا المسلم فكان واثقًا بإنصافه وتخليصه حقه من الكافر إن خانه بخلاف الوقت الأخير وفيه إشارة إلى أن حال الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان، وكانت وفاة حذيفة أول سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل فأدرك بعض الزمن الذي وقع فيه التغيير.

وهذا الحديث سبق بعينه سندًا أو متنًا في باب رفع الأمانة من كتاب الرقاق.