فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم} [البقرة: 225]

باب { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225] .

هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى في سورة البقرة ( { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} ) ما يجري على اللسان من غير قصد للحلف نحو لا والله وبلى والله ( { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} ) يعاقبلم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد إلى الكذب في اليمين وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله وهو اليمين الغموس، وتمسك الشافعي -رحمه الله- بهذا النص على وجوب الكفارة في اليمين الغموس لأن كسب القلب العزم والقصد فذكر المؤاخذة بكسب القلب.
وقال: في آية المائدة { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89] وعقد اليمين محتمل لأن يكون المراد منه عقد القلب به ولأن يكون المراد به العقد الذي يضاده الحل فلما ذكر هنا قوله { بما كسبت قلوبكم} علمنا أن المراد من ذلك العقد هو عقد القلب، وأيضًا ذكر المؤاخذة هنا ولم يبين تلك المؤاخذة ما هي وبينها في آية المائدة بقوله ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فكفارته فبين أن المؤاخذة هي الكفارة فكل مؤاخذة من هاتين الآيتين مجملة من وجه مبينة من وجه آخر فصارت كل واحدة منهما مفسرة للأخرى من وجه وحصل من كل واحدة منهما أن كل يمين ذكرت على سبيل الجدّ وربط القلب بها، فالكفارة فيها ويمين الغموس كذلك كانت الكفارة واجبة فيها ( { والله غفور حليم} ) [البقرة: 225] حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم، وسقط لأبي ذر من قوله ( ولكن) الخ وقال الآية:

[ قــ :6314 ... غــ : 6663 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} [البقرة: 225] قَالَ: قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِى قَوْلِهِ لاَ وَاللَّهِ بَلَى وَاللَّهِ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع ( محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن هشام) أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت في قوله تعالى ( { لا يؤاخذكم الله باللغو} ) [البقرة: 225] زاد أبو ذر فى أيمانكم ( قال: قالت أنزلت في قوله لا والله وبلى والله) وبه تمسك الشافعي أيضًا لكونها شهدت التنزيل فهي أعلم من غيرها بالمراد وقد جزمت بأنها نزلت في قول لا والله وبلى والله، وقد صرح برفعه عن عائشة في حديثها المروي في سنن أبي داود من طريق إبراهيم الصائغ عن
عطاء عنها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لغو اليمين هو كلام الرجل في يمين كلا والله وبلى والله".
وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه.