فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الخلع وكيف الطلاق فيه

باب الْخُلْعِ، وَكَيْفَ الطَّلاَقُ فِيهِ؟
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَن لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ.
وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا.
.

     وَقَالَ  طَاوُسٌ: { إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لاَ يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ: لاَ أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ.

( باب الخلع) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من الخلع بفتح الخاء وهو النزع سمي به لأن كلاًّ من الزوجين لباس الآخر في المعنى.
قال تعالى: { هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187] فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنويّ.
( وكيف الطلاق فيه) أي حكمه هل يقع بمجرده أو بذكر الطلاق باللفظ أو بالنية خلاف وتعريف الخلع فراق زوج يصح طلاقه لزوجته بعوض يحصل لجهة الزوج بلفظ طلاق وخلع والمراد ما يشملهما وغيرهما من ألفاظ الطلاق والخلع صريحًا وكناية كالفراق والإبانة والمفاداة وخرج بجهة الزوج تعليق طلاقها بالبراءة عما لها على غيره فيقع الطلاق في ذلك رجعيًّا فإن وقع بلفظ الخلع ولم ينوِ به طلاقًا فالأظهر أنه طلاق ينقص العدد، وكذا إن وقع بلفظ الطلاق مقرونًا بالنية، وقد نص في الإملاء أنه من صرائح الطلاق، وفي قول إنه فسخ وليس بطلاق لأنه فراق حصل بمعاوضة فأشبه ما لو اشترى زوجته، ونص عليه في القديم وصح عن ابن عباس فيما أخرجه عبد الرزاق وهو مشهور مذهب الإمام أحمد لحديث الدارقطني عن طاوس عن ابن عباس الخلع فرقة وليس بطلاق أما إذا نوى به الطلاق فهو طلاق قطعًا عملًا بنيته فإن لم ينوِ به طلاقًا لا تقع به فرقة أصلًا كما نص عليه في الأم وقوّاه السبكي، فإن وقع الخلع بمسمى صحيح لزم أو بمسمى فاسد كخمر وجب مهر المثل.

( وقول الله تعالى) : بالجر عطفًا على الخلع المضاف إليه الباب ولأبي ذر: وقوله عز وجل: ( { ولا يحل لكم} ) أيها الأزواج أو الحكام لأنهم الآمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون ( { أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا} ) مما أعطيتموهن من المهور ( { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} ) [البقرة: 229] أي إلا أن يعلم الزوجان ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من مواجب الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها وسياق الآية إلى حدود الله لأبي ذر ولغيره إلى قوله شيئًا ثم قال: إلى قوله: { الظالمون} [البقرة: 229] وتمام المراد من الآية في قوله: { فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] أي لا جناح على الرجل فيما أخذ ولا عليها فيما افتدت به نفسها واختلعت من بذل ما أوتيت من المهر وفيه مشروعية الخلع وقد أجمع عليه العلماء خلافًا لبكر بن عبد الله المزني التابعي، فإنه قال بعدم حل أخذ شيء من الزوجة
عوضًا عن فراقها محتجًّا بقوله تعالى: { فلا تأخذوا منه شيئًا} [النساء: 20] فأورد عليه { فلا جناح عليهما فيما افتدت} [البقرة: 229] فأجاب بأنها منسوخة بآية النساء وأجيب بقوله تعالى في سورة النساء أيضًا { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه} [النساء: 4] وبقوله تعالى فيها: { فلا جناح عليهما أن يصلحا} [النساء: 128] الآية، وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الأُخريين، وقد تمسك بالشرط من قوله تعالى: { فإن خفتم} من منع الخلع إلا إن حصل الشقاق بين الزوجين معًا والجمهور على الجواز على الصداق وغيره، ولو كان أكثر منه لكن تكره الزيادة عليه كما في الإحياء، وعند الدارقطني عن عطاء أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما أعطاها ويصح في حالتي الشقاق والوفاق فذكر الخوف في قوله: { إلا أن يخافا} جري على الغالب ولا يكره عند الشقاق أو عند كراهتها له لسوء خلقه أو دينه أو عند خوف تقصير منها في حقه أو عند حلفه بالطلاق الثلاث من مدخول بها على فعل ما لا بدّ له من فعله وإن أكرهها بالضرب ونحوه على الخلع فاختلعت لم يصح للإكراه ووقع الطلاق، رجعيًّا إن لم يسمّ المال فإن سماه أو قال طلقتك بكذا وضربها لتقبل فقبلت، لم يقع الطلاق لأنها لم تقبل مختارة والله أعلم.

( وأجاز عمر) -رضي الله عنه- ( الخلع دون) حضور ( السلطان) الإمام الأعظم أو نائبه أو بغير إذنه وصله ابن أبي شيبة في مصنفه، ولفظه كما قرأته فيه: أُتي بشر بن مروان في خلع كان بين رجل وامرأته فلم يجزه فقال له عبد الله بن شهاب الخولاني شهدت عمر بن الخطاب أُتي بخلع كان بين رجل وامرأته فأجازه، قال في الفتح: وأراد البخاري بإيراد ذلك الإشارة إلى ما أخرجه سعيد بن منصور عن الحسن البصري قال: لا يجوز الخلع دون السلطان ولفظ ابن أبي شيبة قال هو عند السلطان واستدلّ له أبو عبيد بقوله تعالى: { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله} [البقرة: 229] وبقوله تعالى: { وإن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] قال: فجعل الخوف لغير الزوجين ولم يقل فإن خافا قال: فالمراد الولاية وردّه النحّاس بأنه قول لا يساعده الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى، وإذا كان الطلاق جائزًا دون الحاكم فكذلك الخلع وأما الآية فجرت على الغالب كما مرّ.

( وأجاز عثمان) -رضي الله عنه- ( الخلع) ببذل كل ما تملك ( دون عقاص رأسها) بكسر العين وفتح القاف آخره صاد مهملة الخيط الذي تعقص به أطراف رأسها.

وهذا وصله أبو القاسم بن بشران في أماليه عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان، وأخرجه البيهقي وقال في آخره: فدفعت إليه كل شيء حتى غلقت الباب بيني وبينه وعند ابن سعد فقال عثمان: يعني لزوج الربيع خذ كل شيء حتى عقاص رأسها.

( وقال طاوس) فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس وقلت له:
ما كان أبوك يقول في الفداء؟ قال: كان يقول ما قال الله تعالى: ( { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} ) أي ( فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة) قال ابن طاوس: ( ولم يقل) أي طاوس ( قول السفهاء) : القائلين أنه ( لا يحلّ) الخلع ( حتى تقول) الزوجة ( لا أغتسل لك من جنابة) تريد منعه من وطئها فتكون حينئذٍ ناشزًا، بل أجازه إذا لم تقم بما افترض عليها لزوجها في العشرة والصحبة ولعله أشار إلى نحو ما روي عن الحسن في الآية، قال ذلك في الخلع إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة رواه ابن أبي شيبة.
وعن الشعبي فيما أخرجه سعيد بن منصور أن امرأة قالت لزوجها: لا أطيع لك أمرًا ولا أبرّ لك قسمًا ولا أغتسل لك من جنابة، قال: إذا كرهته فليأخذ منها وليخلّ عنها.


[ قــ :4990 ... غــ : 5273 ]
- حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».
قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ لاَ يُتَابَعُ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
[الحديث 5273 - أطرافه في: 5274، 5275، 5276، 5277] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني ( أزهر بن جميل) بفتح الجيم أبو محمد البصري لم يخرج عنه المؤلّف سوى هذا قال: ( حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد الحميد ( الثقفيّ) بالمثلثة قال: ( حدّثنا خالد) الحذاء ( عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( أن امرأة ثابت بن قيس) الأنصاري جميلة بنت أُبيّ ابن سلول الآتي ذكرها في هذا الباب مع اختلاف يذكر إن شاء الله تعالى، ( أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب) بضم الفوقية وكسرها من العتاب وهو كما في القاموس وغيره الخطاب بالإدلال قال في الفتح: وفي رواية ما أعيب ( عليه) بكسر العين وتحتية ساكنة بعدها ( في خلق) بضم الخاء واللام ( ولا دين) أي لا أريد فراقه لسوء خلقه ولا لنقصان دينه ( ولكني أكره الكفر في الإسلام) أي إن أقمت عنده ربما أقع فيما يقتضي الكفر لا أنه يحملها عليه ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها:
( أتردِّين عليه حديقته) أي بستانه وكان أصدقها إياها ( قالت: نعم) أردها عليه ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : لثابت زوجها ( أقبل الحديقة وطلقها تطليقة) أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب ( قال أبو عبد الله) المؤلّف: ( لا يتابع) أزهر بن جميل ( فيه) أي في الحديث ( عن ابن عباس) لأن غيره أرسله ولم يذكر ابن عباس ومراده كما في الفتح خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة وقوله: قال أبو عبد الله إلى آخره ثابت في رواية المستملي والكشميهني فقط.




[ قــ :4991 ... غــ : 574 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِهَذَا.

     وَقَالَ : «تَرُدِّينَ حَدِيقَتَهُ» قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ يُطَلِّقْهَا.
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ بْنُ
طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلِّقْهَا.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( إسحاق) بن شاهين ( الواسطي) قال: ( حدّثنا خالد) الطحان ( عن خالد الحذاء) بالذال المعجمة المشددة والمد ( عن عكرمة) مرسلًا لم يذكر ابن عباس ( أن) جميلة ( أخت عبد الله بن أبي) رأس المنافقين وظاهره أنها بنت أبي ( بهذا) الحديث ( وقال) لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستفهمًا:
( تردِّين) عليه ( حديقته؟ قالت: نعم) أردّها عليه ( وأمره) عليه الصلاة والسلام ( يطلقها) بالجزم، وأورد المؤلّف هذا المرسل تقوية لقوله لا يتابع فيه عن ابن عباس مع التعريف بأن امرأة ثابت أخت عبد الله بن أبي على ما لا يخفى.

( وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الهروي فيما وصله الإسماعيلي ( عن خالد) الحذاء ( عن عكرمة) مرسلًا أيضًا ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) قال فيه ( طلقها) بالجزم الحديث كما مرّ.




[ قــ :4991 ... غــ : 575 ]
- وَعَنِ ابْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لاَ أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ، وَلاَ خُلُقٍ وَلَكِنِّي لاَ أُطِيقُهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ».
قَالَتْ: نَعَمْ.

( وعن ابن أبي تميمة) أي وقال ابن طهمان، عن أيوب، ولأبي ذر وابن عساكر: وعن أيوب بن أبي تميمة أي السختياني ( عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( أنه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس) الخزرجي ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله أني لا أعتب على ثابت) زوجي ( في دين ولا خلق) ظاهره أنه لم يصنع بها شيئًا يقتضي الشكوى منه بسببه، لكن في رواية النسائي من حديث الربيع بنت معوذ أنه كسر يدها فلعلها أرادت وإن كان سيئ الخلق لكنها ما تعيبه بذلك بل بشيء غيره.
وعند ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن جده أنه كان رجلًا دميمًا وفي رواية معمر بن سليمان عن فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن ابن عباس أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدًا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادًا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا فقال: "أتردين عليه حديقته"؟ قالت: نعم وإن شاء زدته ففرق بينهما، والحاصل أنها لم تشك سوء خلقه ولا دينه بل مما ذكرت من سوء خلقته الموجب لبغضها له بحيث لا تطيق عشرته كما قالت ( ولكني) ولأبي ذر عن المستملي ولكن ( لا أطيقه) لكراهتي له بسبب ما ذكر وعند ابن ماجة لا أطيقه بغضًا ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها: ( فتردين) بالفاء العاطفة على مقدر ( عليه حديقته قالت: نعم) زاد في حديث عمر: فقال ثابت: أيطيب ذلك يا رسول الله؟ قال: ( نعم) ورواية ابن طهمان هذه وصلها الإسماعيلي.




[ قــ :499 ... غــ : 576 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلاَّ أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( محمد بن عبد الله بن المبارك المخرّمي) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة الحافظ قاضي حلوان قال: ( حدّثنا قراد) بضم القاف وفتح الراء المخففة لقب عبد الرحمن بن غزوان وكنيته ( أبو نوح) من كبار الحفاظ له ما ينكر لكنهم وثقوه وليس له في البخاري سوى هذا الموضع قال: ( حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ( عن أيوب) السختياني ( عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس) بفتح الشين المعجمة والميم المشدّدة وبعد الألف سين مهملة وسقط ابن شماس لابن عساكر ( إلى النبي) ولأبي ذر إلى رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر) إن أقمت عنده لعلها تعني أنها لشدّة كراهتها له تكفر العشرة في تقصيرها لحقه وغير ذلك مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها أو خشيت أن تحملها شدّة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( فتردين عليه حديقته) ولأبي ذر وابن عساكر تردّين استفهام محذوف الأداة وفي حديث عمر: وكان تزوّجها على حديقة نخل ( قالت: نعم فردّتـ) ـها ( عليه وأمره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها ( ففارقها) ولم يكن أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها أمر إيجاب وإلزام بالطلاق بل أمر إرشاد إلى ما هو الأصوب.




[ قــ :499 ... غــ : 577 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ جَمِيلَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان) بن حرب الواشحي قال: ( حدّثنا حماد) هو ابن زيد ( عن أيوب) السختياني ( عن عكرمة) مرسلًا ( أن جميلة، فذكر الحديث) كما مرّ واختلف فيه على أيوب فاتفق ابن طهمان وجرير على الوصل وخالفهما حماد فقال عن أيوب عن عكرمة مرسلًا ولم تسمّ امرأة ثابت إلا في هذه الرواية.
نعم قال في الثانية: "إن أخت عبد الله بن أبي، ويؤيده ما عند ابن ماجة والبيهقي من رواية قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول جاءت الحديث، واختلف في سلول هل هي أم أبي أو امرأته! وعند النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوّذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال ابن سعد أيضًا: جميلة بنت عبد الله بن أبي، وعند الدارقطني والبيهقي بسند قوي عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي ابن سلول الحديث، فيحتمل أن يكون اسمها زينب ولقبها جميلة وإن لم يعمل
بهذا الاحتمال فالموصول المعتضد يقول أهل النسب أن اسمها جميلة أصح، وبه جزم الدمياطي، وقال: إنها كانت أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي شقيقته، أمهما خولة بنت المنذر بن حرام قال: وما وقع في البخاري من أنها بنت أبي وهم.

وأجيب: بأن الذي وقع في البخاري أنها أخت عبد الله بن أبي وهي أخت عبد الله بلا شك من نسب أخوها في هذه الرواية إلى جدّه كما نسبت هي في رواية قتادة إلى جدّتها سلول، وروي في اسم امرأة ثابت أنها مريم المغالية، رواه النسائي وابن ماجة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة نسبة إلى مغالة امرأة من الخزرج ولدت لعمرو بن مالك بن النجار ولده عديًّا فبنو عدي بن النجار يعرفون كلهم ببني مغالة، وقيل اسمها حبيبة بنت سهل أخرجه مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه ابنا خزيمة وحبان فيحمل على التعدّد وأنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين، وعند البزار من حديث عمر أن أول مختلعة في الإسلام حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس ومقتضاه أن ثابتًا تزوّج حبيبة قبل جميلة.

وذكر أبو بكر بن دريد في أماليه أن أوّل خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ثم موحدة زوّج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى أبيها فقال: لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها، قال: فزعم العلماء أن هذا كان أوّل خلع في العرب انتهى ملخصًا من الفتح.