فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة

باب مَقْدَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ
(باب مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى قباء يوم الاثنين ربيع أول وقيل في ثامنه (و) مقدم أكثر (أصحابه المدينة) قبله.


[ قــ :3741 ... غــ : 3924 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ.
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلاَلٌ -رضي الله عنهم-".

وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أنبأنا) أي أخبرنا (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (سمع البراء -رضي الله عنه- قال: أول من قدم علينا) بالمدينة من المهاجرين (مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين آخره موحدة وعمير بضم العين مصغرًا ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، ونزل على خبيب بن عديّ كما قاله موسى بن عقبة، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أمره بالهجرة والإقامة وتعليم من أسلم من أهل المدينة (وابن أم مكتوم) عمرو الأعمى بعد مصعب (ثم قدم علينا عمار بن ياسر) بالتحتية والسين المهملة بينهما ألف، وقد اختلف في عمار هل هاجر الحبشة أم لا فإن يكن فهو ممن هاجر الهجرتين (وبلال) المؤذن (-رضي الله عنهم-).

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن.




[ قــ :374 ... غــ : 395 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانوا يُقْرِئونَ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ.
ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَىْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( محمد بن بشار) بندار العبدي قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه ( قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: أول من قدم علينا) من المهاجرين المدينة ( مصعب بن عمير و) بعده ( ابن أم مكتوم) عمرو المؤذن واسم أمه عاتكة ( وكانا يقرئان الناس) القرآن بالتثنية فيهما، ولأبي ذر كانوا يقرؤون الناس بلفظ الجمع فيهما بعد ذكر اثنين ( فقدم بلال) ْالمؤذن ابن رباح وأمه حمامة مولى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ( وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- أحد العشرة ( وعمار بن ياسر، وقدم عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( في عشرين من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسمى منهم ابن إسحاق فيما قرأته في عيون الأثر: زيد بن الخطاب، وعمرًا وعبد الله ابني سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، وخنيس بن حذاقة السهمي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم، وخولي بن أبي خولي، ومالك بن أبي خولي، واسم أبي خولي عمرو بن زهير وبني البكير أربعتهم اياسًا وعاقلاً وعامرًا وخالدًا حلفاؤهم من بني سعد بن ليث، وعياش بن أبي ربيعة، ونزل هؤلاء الثلاثة عشر على رفاعة بن عبد المنذر بن زهير في بني عمرو بن عوف بقباء قال في الفتح: فلعل بقية العشرين كانوا من أتباعهم، وزاد ابن عائذ في مغازيه الزبير.

( ثم قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأبو بكر وعامر بن فهيرة ونزلوا على كلثوم بن الهدم فيما قاله ابن شهاب فيما حكاه الحاكم ورجحه.
( فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم) أي كفرحهم فالنصب على نزع الخافض ( برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى جعل الإماء) جمع أمة ( يقلن: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
وعند الحاكم عن أنس -رضي الله عنه-: فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
( فما قدم) عليه الصلاة والسلام ( حتى قرأت) سورة ( سبح اسم ربك الأعلى في سور) أخرى معها ( من المفصل) وأوله: الحجرات كما صححه النووي في دقائق منهاجه وغيرها، وجزم
ابن كثير أن سورة { سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] مكية كلها لحديث الباب.




[ قــ :3743 ... غــ : 396 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ.
قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) في الهجرة ( وعك) بضم الواو وكسر العين أي حمّ ( أبو بكر وبلال) -رضي الله عنهما- ( قالت) عائشة: ( فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك؟) أي تجد نفسك ( ويا بلال كيف تجدك؟ قالت) : عائشة -رضي الله عنها- ( فكان أبو بكر) -رضي الله عنه- ( إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح) بفتح الموحدة المشددة ( في أهله والموت أدنى) أقرب إليه ( من شراك نعله) بكسر الشين المعجمة سيورها التي على وجهها، والمعنى أن المرء يصاب بالموت صباحًا أو يقال له: صبحك الله بالخير وقد يفجؤه الموت بقية نهاره ( وكان بلال إذا أقلع) بفتح الهمزة واللام ولأبي ذر أقلع بضم ثم كسر ( عنه الحمى) وسقط لفظ الحمى لأبي ذر ( يرفع عقيرته) بفتح العين المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الراء بعدها فوقية أي صوته بالبكاء ( ويقول: ألا) بتخفيف اللام ( ليت شعري هل أبيتنّ ليلة بواد) هو وادي مكة ( وحولي إذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين حشيش مكة ذو الرائحة الطيبة ( وجليل) بالجيم نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت وهو الثمام ( وهل أردن) بنون التأكيد الخفيفة ( يومًا مياه) بالهاء ( مجنة) بفتح الجيم والنون المشددة وتكسر الجيم اسم موضع على أميال من مكة كان به سوق فى الجاهلية ( هل يبدون) بنوق التأكيد الخفيفة يظهرن ( لي شامة) بالشين المعجمة والميم المخففة ( وطفيل) بطاء مهملة مفتوحة وفاء مكسورة بعدها تحتية ساكنة جبلان بقرب مكة أو عينان.

( قالت عائشة) : -رضي الله عنها- ( فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بشأنهما ( فقال) : عليه الصلاة والسلام ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدّها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وكانت إذ ذاك مسكن اليهود، وهي الآن ميقات مصر وفيه جواز الدعاء على الكفار بالأمراض والهلاك والدعاء للمسلمين بالصحة وإظهار معجزته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإن الجحفة من يومئذ لا يشرب أحد من مائها إلاّ حمّ، وقد مضى الحديث في الحج.




[ قــ :3744 ... غــ : 397 ]
- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ "دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ" ح.
.

     وَقَالَ  بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرَتَيْنِ، وَكنتُ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ".

تَابَعَهُ إِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ: "حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ" مِثْلَهُ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسند قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن رشاد ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( حدّثني) بالتوحيد ( عروة بن الزبير) ثبت ابن الزبير لأبي ذر ( أن عبيد الله) بالتصغير ( ابن عدي) بتشديد التحتية ولأبي ذر زيادة ابن الخيار ( أخبره) فقال: ( دخلت) ولأبي ذر: دخل أي أخبرنه أنه دخل ( على عثمان ح) .

( وقال بشر بن شعيب) : بكسر الموحدة وسكون المعجمة وشعيب مصغر مما وصله أحمد في مسنده ( حدّثني) بالإفراد ( أبي) شعيب ( عن الزهري) أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي بن خيار) ولأبي ذر: ابن الخيار ( أخبره قال: دخلت) ولأبي ذر: دخل ( على عثمان) أي بسبب أخيه لأمه الوليد لما أكثر الناس فيه لشربه الخمر ولم يقم عليه الحدّ فذكرت له ذلك ( فتشهد ثم قال: أما بعد فإن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق وكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث به محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( ثم هاجرت هجرتين) هجرة الحبشة وهجرة المدينة وكان ممن رجع من الحبشة فهاجر من مكة إلى المدينة ومعه زوجتة رقية بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ونلت) بنون مكسورة فلام ساكنة ففوقية، ولأبي ذر عن الكشميهني وكنت ( صهر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته) بفتح الشين الأولى وسكون الثانية ( حتى توفاه الله تعالى) .

( تابعه) أي تابع شعيبًا ( إسحاق) بن يحيى ( الكلبي) الحمصي فيما وصله أبو بكر بن شاذان
فقال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذرّ: حدّثنا ( الزهري مثله) وساقه ابن شاذان بتمامه وفيه أنه جلد الوليد أربعين.

وقد سبق ما في ذلك من المبحث في مناقب عثمان والغرض منه هنا قوله ثم هاجرت الهجرتين.




[ قــ :3745 ... غــ : 398 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ ح.
وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهْوَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَوَجَدَنِي فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغاءهم، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ وَالسَّلاَمَةِ، وَتَخْلُصَ لأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ.
قَالَ عُمَرُ: لأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر قال: ( حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله قال: ( حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة قال ابن وهب: ( ح) .

( وأخبرني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) مصغرًا ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود ( أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ولأبي ذر أن عبد الله بن عباس ( أخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى أهله وهو) أي والحال أنه نازل ( بمنى في آخر حجة حجها عمر فوجدني) في كتاب المحاربين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت أقرئ رجالاً منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في آخر حجة حجها إذ رجع إليّ فقال: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- هلا فلتة فتمت فغضب عمر -رضي الله عنه- ثم قال: إني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم ( فقال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين إن الموسم) أي موسم الحج ( يجمع رعاع الناس) بفتح الراء والعين المهملة المخففة وبعد الألف عين أخرى إسقاط الناس وسفلتهم زاد أبو ذر وغوغاءهم بمعجمتين واختلاط أصواتهم باللغط ( وإني أرى) بفتح الهمزة في أرى ( أن تمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة) وهذا هو مقصود الترجمة من الحديث ( و) دار ( السنة) ولأبي ذر عن الكشميهني والسلامة بدل قوله والسنة ( وتخلص) بضم اللام والنصب عطفًا على تقدم أي تصل ( لأهل الفقه وأشراف الناس وذوي رأيهم قال) : ولأبي ذر وقال: ( عمر لأقومن في أول مقام) بفتح الميم أي في أول قيام ( أقومه بالمدينة) أذكر فيه الأحكام والحكم.

وهذا الحديث أخرجه في المغازي والاعتصام وأخرجه في المحاربين مطوّلاً.




[ قــ :3746 ... غــ : 399 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ -امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ.
قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا، فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ.
فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لاَ أَدْرِي، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ -وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ- مَا يُفْعَلُ بِي.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ.
قَالَتْ: فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، فَنِمْتُ، فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ذَلِكَ عَمَلُهُ».

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: ( أخبرنا ابن شهاب) الزهري ( عن خارجة بن زيد بن ثابت) بالخاء المعجمة والجيم -رضي الله عنه- وثابت بالمثلثة الأنصاري المدني -رضي الله عنه- ( أن) أمه ( أم العلاء) بفتح العين المهملة ممدودًا بنت الحرث بن ثابت بن خارجة الأنصارية ( امرأة من نسائهم) أي نساء الأنصار ( بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة الجمحي ( طار لهم) أي وقع في سهمهم ( في السكنى حين اقترعت الأنصار) بألف الوصل ولأبي ذر بهامش الفرع وأصله مصححًا عليه قرعت بلا ألف.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- وغيره: كذا وقع ثلاثيًّا والمعروف أقرعت من الرباعي ولعله لم يقف إلا على رواية أبي ذر فقد ثبت بالألف في أصل الفرع والمعنى خرج لهم في القرعة ( على سكنى المهاجرين) لما دخلوا عليهم المدينة مهاجرين ( قالت أم العلاء: فاشتكى عثمان) أي مرض ( عندنا فمرضته حتى توفي) زاد في الجنائز وغسل ( وجعلناه في أثوابه) أي كفّناه فيها ( فدخل علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب) منادى حذفت أداته وبالسين المهملة وهي كنية عثمان بن مظعون ( شهادتي عليك) أي لك ( لقد أكرمك الله) عز وجل أي أقسم بالله لقد أكرمك الله عز وجل ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت ( أن الله) عز وجل ( أكرمه) ( قالت: قلت لا أدري) أفديك ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن؟) يكرمه الله إذا لم يكن هو من المكرمين مع إيمانه وطاعته ( قال) : -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أما هو فقد جاءه والله اليقين) أي الموت ( والله إني لأرجو الخير وما أدري والله وأنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يفعل بي) بضم أوله وفتح ثالثه، وكان هذا قبل نزول: { ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: ] والدليل القطعي أنه خير البرية وأكرمهم ولأبي ذر: ما يفعل به أي بعثمان، وبهذه الرواية يرتفع الأشكال المجاب عنه لكن المحفوظ الرواية الأولى ( قالت) : أم العلاء ( فوالله لا أزكي بعده) أي بعد ابن مظعون ( أحدًا) كذا في الفرع والذي في اليونيية أصله أحدًا بعده بالتقديم والتأخير وزاد في الجنائز أبدًا ( قالت: فأحزنني ذلك) الذي وقع
في شأن ابن مظعون من عدم الجزم له بالخير ( فنمت فأريت) بتقديم الهمزة المضمومة على الراء ( لعثمان بن مظعون) سقط ابن مظعون لأبي ذر ( عينًا) من ماء ( تجري فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بما رأيته ( فقال) : ( ذلك) بكسر الكاف ( عمله) الصالح الذي كان يعمله.

وسبق هذا الحديث في باب الدخول على الميت من كتاب الجنائز.




[ قــ :3747 ... غــ : 3930 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ".

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالتوحيد ( عبيد الله) بالتصغير ( ابن سعيد) بكسر العين ابن يحيى أبو قدامة اليشكري السرخسي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام -رضي الله عنه- ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان يوم بعاث) بضم الموحدة وبالمثلثة مصروف على أنه اسم قوم ولأبي ذر غير مصروف على أنه اسم بقعة للتأنيث والعلمية ( يومًا قدمه الله عز وجل لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجله تمهيدًا له لأنه كان به وقعة بين الأوس والخزرج وقتل فيه خلق كثير من رؤسائهم ( فقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة وقد افترق ملؤهم) أي جماعتهم ولأبي ذر: ملوهم صورة الهمز واو ( وقتلت سراتهم) بسين مهملة مفتوحة بغير واو بعد الراء أي أشرافهم ( في) أي لأجل ( دخولهم) أي دخول من بقي من الأنصار ( في الإسلام) فلو كان رؤساؤهم أحياء انقادوا للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيًّا للرئاسة والجار والمجرور يتعلق بقوله قدمه الله عز وجل.

وهذا الحديث قد سبق في مناقب الأنصار -رضي الله عنهم-.




[ قــ :3748 ... غــ : 3931 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ -أَوْ أَضْحًى- وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَعَازَفَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ -مَرَّتَيْنِ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد وصحح عليه في الفرع وأصله ( محمد بن المثنى) بالمثلثة والنون المشددة العنزي الزمن قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن هشام عن أبيه) عروة ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( أن أبا بكر) الصديق - رضي الله تعالى عنه - ( دخل عليها والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها يوم فطر أو أضحى) بفتح الهمزة وتنوين الحاء الشك من الراوي والواو في قوله والنبي للحال ( و) الحال أن ( عندها قينتان) بفتح القاف تثنية قينة أي جارية وضبب على النون الأخيرة من قينتان في اليونينية وفرعها، ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: قينتا ( تغنيان) أي تنشدان.
زاد في الصلاة وليستا بمغنيتين والمراد تنزيه منزله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أن يكون فيه غناء من مغنيتين مشهورتين ( بما تقاذفت) بالقاف والذال المعجمة أي بما ترامت به ( الأنصار)
ولأبي ذر تعازفت بالعين المهملة والزاي بدل تقاذفت من عزف اللهو أي بما ضربوا عليه من المعازف من الأشعار التي قالها الأنصار ( يوم بعاث) في هجاء بعضهم بعضًا ( فقال: أبو بكر) - رضي الله تعالى عنه - ( مزمار الشيطان) استفهام محذوف الأداة في بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك ( مرتين فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( دعهما) اتركهما ( يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا وإن عيدنا هذا اليوم) .

ومطابقة هذا الحديث للترجمة، قال العيني -رحمه الله تعالى-: من حيث إنه مطابق للحديث السابق في ذكر يوم بعاث والمطابق للمطابق مطابق.
قال: ولم أر أحدًا ذكر له مطابقة كذا قال فليتأمل.




[ قــ :3749 ... غــ : 393 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ح.
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ، فِي حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ.
قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا.
فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا، فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ.
قَالَ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قَالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، قَالَ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً.
قَالَ: جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُمْ يَقُولُونَ:
اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَة ... فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَة"
وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد ( ح) .

( وحدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني بالإفراد ( إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: ( أخبرنا عبد الصمد) بن الوارث العنبري مولاهم التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون المضمومة البصري ( قال: سمعت أبي) عبد الوارث ( يحدث فقال: حدّثنا أبو التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة ( يزيد بن حميد) بضم الحاء مصغرًا ( الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لما) بتشديد الميم ( قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) مهاجرًا ( نزل في علو المدينة) بضم العين المهملة وسكون اللام
في قباء وكان ذلك إشارة إلى علوّه وعلوّ دينه ( في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف) بفتح العين المهملة فيهما ابن مالك الأوسي ابن حارثة ( قال) : أنس ( فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار) أي جماعتهم ( قال: فجاؤوا) حال كونهم ( متقلدي سيوفهم) بالجر لإضافة متقلدي إليه ( قال: وكأني أنظر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على راحلته) أي ناقته القصواء ( وأبو بكر) الصديق - رضي الله تعالى عنه - ( ردفه) بكسر الراء وسكون الدال المهملة والجملة اسمية حالية ولأبي ذر ردفه بالرفع ولغيره بالنصب ( وملأ بني النجار) يمشون ( حوله حتى) نزل و ( ألقى) رحله ( بفناء) بكسر الفاء دار ( أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - وهو ما امتدّ من جوانبها ( قال) أنس - رضي الله تعالى عنه -: ( فكان) عليه الصلاة والسلام ( يصلّي حيث أدركته الصلاة ويصلّي في مرابض الغنم) أي مأواها ( قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاؤوا فقال) لهم:
( يا بني النجار ثامنوني) بالمثلثة أي ساوموني ( حائطكم هذا) أي بستانكم وفي الصلاة بحائطكم بحرف الجر ( فقالوا) : ولأبي ذر: قالو ( لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى) أي منه ( قال) : أنس - رضي الله تعالى عنه - ( فكان فيه) أي في البستان ( ما أقول لكم كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء مصححًا عليها في الفرع كأصله ( وكان فيه نخل فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقبور المشركين فنبشت وبالخرب) بكسر ثم فتح مصححًا عليه أيضًا ( فسوّيت وبالنخل فقطع) وهو محمول على أنه غير مثمر وجاز قطعه للحاجة ( قال) : أنس - رضي الله تعالى عنه - ( فصفوا النخل قبلة المسجد) أي في جهتها ( قال: وجعلوا عضادتيه) بكسر العين المهملة وفتح الضاد المعجمة أي عضادتي الباب وهما خشبتان من جانبيه ( حجارة قال: جعلوا) بغير واو وسقط لأبي ذر لفظ قال.
كذا في الفرع والذي في اليونينية قال قال مرتين والثانية ساقطة لأبي ذر أي قال أنس -رضي الله عنه-: جعلوا ( ينقلون ذاك) بغير لام ولأبي ذر ذلك ( الصخر وهم يرتجزون) تنشيطًا لنفوسهم ليسهل عليهم العمل ( ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يرتجز ( معهم) وهم ( يقولون) : ( اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة) وسقطت لفظة أنه لأبي ذر ( فانصر الأنصار) الأوس والخزرج ( والمهاجرة) بكسر الجيم الذين هاجروا إلى المدينة.

وهذا الحديث قد سبق في باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية من كتاب الصلاة.