فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] {والمجاهدون في سبيل الله} [النساء: 95]

باب { لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} { وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]
هذا ( باب) بالتنوين في قوله تعالى: ( { لا يستوي القاعدون من المؤمنين} { والمجاهدون في سبيل الله} ) [النساء: 95] كذا في الفرع وأصله وغيرهما بإسقاط { غير أولي الضرر} وثبت ذلك في بعضها، ولأبي ذر { من المؤمنين} الآية وسقط ما بعد ذلك.


[ قــ :4339 ... غــ : 4592 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُ رَأَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْلَى عَلَيْهِ { لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} { وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهْوَ يُمِلُّهَا عَلَىَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ أَعْمَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { غَيْرَ أُولِى الضَّرَرِ} .

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي المدني ( قال: حدّثني) بالإفراد ( إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف التابعي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( سهل بن سعد الساعدي) الصحابي ( أنه رأى مروان بن الحكم) بن أبي العاص التابعي ( في المسجد) قال: ( فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا) بفتح الراء ( أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أملى عليه { لا يستوي القاعدون من المؤمنين} { والمجاهدون في سبيل الله} ) بدون { غير أولي الضرر} ( فجاءه) عليه الصلاة والسلام ( ابن أم مكتوم) عبد الله أو عمرو واسم أبيه زائدة ( وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يملها) بضم التحتية وكسر الميم وتشديد اللام أي يلقي الآية ( عليّ قال) : ولأبي ذر فقال: ( يا رسول الله والله لو
أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى، فأنزل الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفخذه على فخذي فثقلت عليّ)
فخذه من ثقل الوحي ( حتى خفت أن ترضّ) بضم الفوقية وفتح الراء وتشديد الضاد المعجمة في الفرع كأصله بفتح التاء وضم الراء أي تدق ( فخذي ثم سري) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة انكشف ( عنه) وأزيل يقال سروت الثوب وسريته إذا خلعته والتشديد فيه للمبالغة أي أزيل عنه ما نزل به من برحاء الوحي ( فأنزل الله { غير أولي الضرر} ) بالحركات الثلاث في غير بالنصب نافع وابن عامر والكسائي على الاستثناء أو على الحال، وبالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم على الصفة للقاعدون لأن القاعدون غير معين فهو مثل قوله:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني.

قال الزجاج: غير صفة للقاعدين وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة.
المعنى: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر أي الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين، وبالجر في الشاذ على الصفة للمؤمنين أو البدل منه.

وهذا الحديث سبق في الجهاد.




[ قــ :4340 ... غــ : 4593 ]
- حَدَّثَنَي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ { لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا فَكَتَبَهَا فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَشَكَا ضَرَارَتَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ} .

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن البراء) بن عازم ( رضي الله تعالى عنه) أنه ( قال: لما نزلت { لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيدًا) هو ابن ثابت كاتب الوحي فأمره بكتابتها ( فكتبها فجاء ابن أم مكتوم) الأعمى ( فشكا) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ضرارته) بفتح الضاد المعجمة أي عماه.
قال الراغب: الضرر اسم عام لكل ما يضر بالإنسان في بدنه ونفسه وعلى سبيل الكناية عبر عن الأعمى بالضرير ( فأنزل الله { غير أولي الضرر} ) .

وسبق هذا الحديث في الجهاد.




[ قــ :4341 ... غــ : 4594 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ادْعُوا فُلاَنًا» فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوِ الْكَتِفُ فَقَالَ: «اكْتُبْ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَخَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا {لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي ( عن إسرائيل) بن يونس ( عن) جده ( أبي
إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه ( قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ادعوا فلانًا) أي زيد بن ثابت فدعوه ( فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف) شك من الراوي ( فقال: اكتب ولا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله} وخلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن أم مكتوم) ويجمع بين قوله هنا أن ابن أم مكتوم كان خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين قوله في رواية شعبة السابقة دعا زيدًا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم بأنه قام من مقامه خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى جاء مواجهه فخاطبه ( فقال: يا رسول الله أنا ضرير) أي لا أستطيع الجهاد ( فنزلت مكانها) أي في مكان الكتابة في الحال قيل قبل أن يجف القلم ( {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله}) لم يقتصر الراوي هنا على ذكر الكلمة الزائدة وهي غير أولي الضرر كما في السابقة، فيحتمل أن يكون الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها، فحكى الراوي صورة الحال أو نزل بقوله ( غير أولي الضرر) فقط وأعاد الراوي الآية من أوّلها حتى يتصل المستثنى بالمستثنى منه قاله ابن التين، وأيد الأخير الحافظ ابن حجر برواية خارجة بن زيد عن أبيه عند أحمد فإن فيها: ثم سري عنه فقال: اقرأ فقرأت عليه ( {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}) فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( {غير أولي الضرر}) قال زيد فألحقتها فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف، وعند الطبراني والبزار وصححه ابن حبان من حديث الفلتان بالفاء واللام والفوقية المفتوحات ابن عاصم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للكاتب: اكتب غير أولي الضرر.




[ قــ :434 ... غــ : 4595 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ { لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف ( أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( أخبرهم ح) لتحويل السند قال المؤلّف:
( وحدّثني) بالإفراد ( إسحاق) هو ابن منصور لا ابن راهويه قال: ( أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: ( أخبرنا ابن جريج) عبد الملك قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عبد الكريم) الجزري بالجيم والزاي والراء ( أن مقسمًا) بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة ابن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم ويقال نجدة بفتح النون وبدال ( مولى عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن عبد المطلب ( أخبره أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبره) عن قوله تعالى: ( { لا يستوي القاعدون من المؤمنين} ) أي ( عن) غزوة ( بدر والخارجون إلى بدر) انفرد بإخراجه المؤلّف دون مسلم.

وأخرجه الترمذي من طريق حجاج عن ابن جريج عن عبد الكريم وزاد لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة؟ فنزلت: ( { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} ) و { فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة} فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر، وقال: حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس، ومن قوله: { درجة} الخ مدرج من قول ابن جريج كما بيّنه الطبري، وقال بدل قوله في رواية الترمذي عبد الله بن جحش أبو أحمد بن جحش وهو الصواب واسم أبي أحمد هذا عبد بغير إضافة وهو مشهور بكنيته، والمعنى لا مساواة بين القاعدين من غير عذر وبين المجاهدين وإن كان هذا معلومًا، لكن فائدته كما في الكشاف التذكير بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد والتحريك إلى الجهاد، وقوله: إن جملة فضل الله المجاهدين موضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين، والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر مع قوله بعد والمفضلون درجة واحدة هم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء والمفضلون درجات الذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لأن الغزو فرض كفاية.

تعقبه في التقريب فقال: فيه نظر لأنه فسر القاعدين بغير أولي الضرر وإنما يستقيم على تفسيره بالأضراء كما في المعالم وقال غيره: ولقائل أن يقول فعلى هذا لم يبق للاستثناء معنى، لأن التقدير وفضل الله المجاهدين على القاعدين إلا أولي الضرر فإنهم ليسوا بمفضلين.

لكن قال في فتوح الغيب: إن قوله فضل الله المجاهدين جملة موضحة الخ المراد منه وما عطف عليه من قوله وفضل الله الثاني كلاهما بيان للجملة الأولى ولا بد من التطابق بين البيان والمبين والمذكور في البيان شيئان وليس في المبين سوى ذكر غير أولي الضرر فالواجب أن يقدر ما يوافقه في قوله: لا يستوي القاعدين أي أولو الضرر غير أولي الضرر وهو من أسلوب الجمع التقديري لدلالة التفضيل على المفضل.

وقال الراغب: إن قيل لِمَ كرر الفضل وأوجب في الأول درجة وفي الثاني درجات وقيدها بقوله منه وأردفها بالمغفرة والرحمة؟ قيل: عنى بالدرجة ما يؤتيه في الدنيا مرة من الغنيمة ومن السرور بالظفر وجميل الذكر وبالدرجات ما يتخوّلهم في الآخرة ونبه بالإفراد في الأول وبالجمع في الثاني على أن ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير، وقيدها بقوله منه لتعظيمها، وأردفها بالمغفرة والرحمة إيذانًا بالوصول إلى الدرجات بعد الخلاص من التبعات.

قال في فتوح الغيب: والذي تقتضيه البلاغة هذا وبيانه أن قوله فضل الله المجاهدين جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه والقاعدون على التقييد السابق من أن المراد به غير الأضراء فحسب، وإنما كرر فضل الله المجاهدين ليناط به من الزيادة ما لم ينط به أولًا فالفضل الأول الظفر والغنيمة والذكر الجميل في الدنيا والثاني المقامات السنية والدرجات العالية والفوز بالرضوان في العقبى، ثم
قال: هذا تفسير متين موافق للنظم لا تعقيد فيه غير محتاج إلى جعل المجاهدين صنفين كما ينبئ عنه ظاهر الكشاف، ويطابقه سبب النزول ويلائم حديث أنس مرفوعًا: "لقد خلفتم في المدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم" قاله حين رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة، والحديثان يؤذنان بالمساواة بين المجاهدين والأضراء وعليه دلالة مفهوم الصفة والاستثناء في غير أولي الضرر، وكلام الزجاج إلا أولو الضرر فإنهم يساوون المجاهدين يعني في أصل الثواب لا في المضاعفة لأنها تتعلق بالفعل.