فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر

أبواب التقصير
( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( أبواب التقصير) كذا للمستملي، وسقطت البسملة لأبي ذر، ولأبي الوقت: أبواب تقصير الصلاة.


باب مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ، وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ
( باب ما جاء في التقصير) مصدر قصر بالتشديد أي: تقصير الفرض الرباعي إلى ركعتين في كل سفر طويل مباح، طاعة كان كسفر الحج أو غيرها، ولو مكروهًا.
كسفر تجارة تخفيفًا على المسافر لما يلحقه من تعب السفر.

والأصل فيه، مع ما سيأتي إن شاء الله تعالى، قوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] .

قال يعلى بن أمية: قلت لعمر: إنما قال الله تعالى: { إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "صدقة تصدّق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته" رواه مسلم؛ فلا قصر في الصبح والمغرب، ولا في سفر معصية، خلافًا لأبي حنيفة حيث أجازه في كل سفر.

وفي شرح المسند لابن الأثير: كان قصر الصلاة في السنة الرابعة من الهجرة، وفي تفسير الثعلبي، قال ابن عباس: أوّل صلاة قصرت، صلاة العصر، قصرها رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعسفان في غزوة أنمار.

( وكم يقيم حتى يقصر؟) وفي نسخة اليونينية: يقصر بالتشديد، أي: وكم يومًا يمكث المسافر

لأجل القصر، فكم، هنا استفهامية بمعنى: أي عدد، ولا يكون تمييزه، إلا مفردًا خلافًا للكوفيين.
ويكون منصوبًا.

ولفظة: حتى، هنا للتعليل لأنها تأتي في كلام العرب لأحد ثلاثة معان: انتهاء الغاية، وهو الغالب.
والتعليل، وبمعنى إلا الاستثنائية.
وهذا أقلها.

ولفظه: يقيم، معناها: يمكث؛ وجواب: كم، محذوف تقديره: تسعة عشر يومًا، كما في حديث الباب، قاله العيني.


[ قــ :1044 ... غــ : 1080 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا".
[الحديث 1080 - طرفاه 4298، 4299] .

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي ( قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن عاصم) هو: ابن سليمان الأحول ( وحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن السلمي، كلاهما ( عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال) :
( أقام النبي) ولأبي ذر: رسول الله ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في فتح مكة ( تسعة عشر) بتقديم الفوقية على السين، أي: يومًا بليلته حال كونه ( يقصر) الصلاة الرباعية، لأنه كان مترددًا متى تهيأ له فراغ حاجته، وهو انجلاء حرب هوازن، ارتحل.

ويقصر بضم الصاد، وضبطها المنذري بضم الياء وتشديد الصاد، من: التقصير.

وقد أخرج الحديث: أبو داود من هذا الوجه، بلفظ: سبعة عشر، بتقديم السين على الموحدة، وله أيضًا، من حديث عمران بن حصين: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة، لا يصلّي إلاّ ركعتين.

قال في المجموع: في سنده من لا يحتج به، لكن رجحه الشافعي على حديث ابن عباس: تسعة عشر.

ولأبي داود، أيضًا عن ابن عباس: "أقام -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بمكة عام الفتح، خمسة عشر يقصر الصلاة".

وضعفها النووي في الخلاصة.

قال ابن حجر: وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك، عن عبيد الله كذلك وإذا ثبت أنها صحيحة، فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر، فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر.
اهـ.


وقال البيهقي: أصح الروايات فيه رواية ابن عباس، وهي التي ذكرها البخاري، ومن ثم اختارها ابن الصلاح، والسبكي.
ويمكن الجمع، كما قاله البيهقي، بأن راوي: تسعة عشر، عدّ يومي الدخول والخروج، وراوي: سبعة عشر لم يعدهما، وراوي: ثماني عشرة عد أحدهما، وهذا الجمع يشكل على قولهم: يقصر ثمانية عشر غير يومي الدخول والخروج.
اهـ.

قال ابن عباس: ( فنحن إذا سافرنا) فأقمنا ( تسعة عشر) يومًا ( قصرنا) الصلاة الرباعية، وذلك عند توقع الحاجة يومًا فيومًا ( وإن زدنا) في الإقامة على تسعة عشر يومًا ( أتممنا) الصلاة أربعًا.

ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي ومدني، وفيه ثلاثة من التابعين: عاصم، وحصين، وعكرمة، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي، وأبو داود والترمذي وابن ماجة: في الصلاة.




[ قــ :1045 ... غــ : 1081 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ.
قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا".
[الحديث 1081 - طرفه في: 497] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المنقري المقعد ( قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري ( قال: حدّثنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي ( قال سمعت أنسًا) رضي الله عنه ( يقول) :
( خرجنا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من المدينة) يوم السبت، بين الظهر والعصر، لخمس ليال بقين من ذي القعدة ( إلى مكة) أي: إلى الحج، كما في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق، عند مسلم ( فكان) عليه الصلاة والسلام ( يصلّي) الفرائض ( ركعتين ركعتين) أي إلا المغرب، رواه البيهقي.
( حتى رجعنا إلى المدينة) .

قال يحيى؛ ( قلت) لأنس: ( أقمتم) بحذف همزة الاستفهام ( بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها) أي: وبضواحيها ( عشرًا) أي: عشرة أيام، وإنما حذف التاء من العشرة، مع أن اليوم مذكر، لأن المميز إذا لم يذكر جاز في العدد التذكير والتأنيث.

واستشكل إقامته، عليه الصلاة والسلام، المدة المذكورة، يقصر الصلاة، مع ما تقرر أنه لو نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع عينه، انقطع سفره بوصوله ذلك الموضع، بخلاف ما لو نوى دونها، وإن زاد عليه لحديث: "يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا" وكان يحرم على المهاجرين الإقامة بمكة ومساكنة الكفار.

رواهما الشيخان.


فالترخيص في الثلاث يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة، ولا ريب أنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع كان جازمًا بالإقامة بمكة المدة المذكورة.

وأجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام، قدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأقام بها غير يومي الدخول والخروج إلى منى، ثم بات بمنى، ثم سار إلى عرفات، ورجع فبات بمزدلفة، ثم سار إلى منى، فقضى نسكه، ثم إلى مكة، فطاف، ثم رجع إلى منى، فأقام بها ثلاثًا يقصر، ثم نفر منها بعد الزوال في ثالث أيام التشريق، فنزل بالمحصب، وطاف في ليلته للوداع، ثم رحل من مكة قبل صلاة الصبح، فلم يقم بها أربعًا في مكان واحد.

وقال أبو حنيفة: يجوز القصر ما لم ينو الإقامة خمسة عشر يومًا.

ورواة هذا الحديث الأربعة كلهم بصريون، وفيه: التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأخرجه النسائي فيها والحج.