فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب المسك

باب الْمِسْكِ
( باب) حكم ( المسك) بكسر الميم الطيب المعروف القطعة منه مسكة والجمع كعنب وحقيقة المسك دم يجتمع في سرّة الغزال في وقت معلوم من السنة بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء، وهذا السرر جعلها الله تعالى معدنًا للمسك فإذا حصل ذلك الورم مرضت له الظباء إلى أن يتكامل، ويقال: إن أهل التبت يضربون لها أوتاد في البرية تحتك بها لتسقط عندها، وفي مشكل الوسيط لابن الصلاح عن ابن عقيل البغدادي أن النافجة في جوف الظبية كالأنفجة في الجدي وأنه سافر إلى بلاد المشرق حتى حمل هذه الدابة إلى بلاد المغرب لخلف جرى فيها، وعن علي بن مهدي الطبري أحد أئمة أصحابنا أنها تلقيها من جوفها كما تلقي البيضة الدجاجة والمشهور أنها ليست مودعة في جوف الظبية بل هي خارجة ملتحمة في سرّتها، ونقل عن القفال الشاشي أنها تندبغ بما فيها من المسك فتطهر كطهارة المدبوغات وذكر القزويني أن دابة المسك تخرج من الماء كالظباء في وقت معلوم والناس يصيدون منها شيئًا كثيرًا فتذبح فيوجد في سرتها دم وهو المسك لا يوجد له هناك رائحة حتى يحمل إلى غير ذلك الموضع من البلاد.
وقال في القاموس: المسك مقوّ للقلب مشجع للسوداويين نافع للخفقان والرياح الغليظة في الأمعاء والسموم والسدد، وفي مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "المسك أطيب الطيب".


[ قــ :5237 ... غــ : 5533 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد ولغير أبي الوقت وابن عساكر عن عبد الواحد قال: ( حدّثنا عمارة بن القعقاع) بضم العين وتخفيف الميم ( عن أبي زرعة) هرم ( بن عمرو بن جرير) بفتح الجيم ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما من مكلوم يكلم) بضم أوله وفتح اللام أي مجروح يجرح ( في الله) ولأبي ذر عن
الكشميهني في سبيل الله ( إلا جاء يوم القيامة وكلمه) بفتح الكاف وسكون اللام وجرحه ( يدمى) بفتح أوله وثالثه من باب علم يعلم أي يسيل منه الدم ( اللون لون دم والريح ريح مسك) تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه أي كريح مسك وليس مسكًا حقيقة بخلاف اللون لون دم فإنه لا حاجة فيه لتقدير كاف التشبيه لأنه دم حقيقة.

والحاصل أنه يراد إظهار شرف الشهيد بدلالة جرحه على شهادته مع تغير وصف دمه فإن الدم وضع ريحه أن يكون كريهًا وتغيره أيضًا من النجاسة إلى الطهارة، وفي قوله في الله إشارة إلى أنه لا يدخل من قاتل دون ماله لأنه يقصد صون ماله بداعية طبعه.

وأجيب: بأنه يمكن الإخلاص مع إرادة صون المال بأن لا يمحض القصد بالصون بل يقاتله على ارتكاب المعصية ممتثلًا أمر الشارع بالدفع.

وموضع الترجمة منه قوله: ريح مسك، وقال ابن المنير: وجه استدلال البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك وقوع تشبيه دم الشهيد لأنه في سياق التكريم والتعظيم، فلو كان نجسًا لكان من الخبائث ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام، وقال الكرماني: وجه مناسبة الباب بالكتاب كون المسك فضلة الظبي وهو مما يصاد.

وهذا الحديث سبق في الجهاد.




[ قــ :538 ... غــ : 5534 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً.
وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمدّ ابن كريب الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا ابن عبد الله ( عن) جدّه ( أبي بردة) بضم الباء الموحدة وسكون الراء ( عن) أبيه ( أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( مَثل جليس الصالح) بإضافة الموصوف إلى صفته ولأبي ذر وابن عساكر الجليس الصالح ( و) الجليس ( السوء) بفتح السين المهملة ( كحامل المسك ونافخ الكير) بكسر الكاف وسكون التحتية قال في القاموس: زق ينفخ فيه الحداد ( فحامل المسك إما أن يحذيك) بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر الذال المعجمة وبعد التحتية المفتوحة كاف يعطيك ويتحفك منه بشيء هبة ( وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق) بضم أوله من أحرق ( ثيابك) بناره ( وإما أن تجد) منه ( ريحًا خبيثة) .

وهذا الحديث مضى في باب العطار من البيوع.