فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هجرة الحبشة

باب هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ
.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ».

فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ.

فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( باب هجرة) المسلمين من مكة إلى أرض ( الحبشة) بإشارته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أقبل كفار قريش على من آمن يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن دينهم وكانت الهجرة مرتين الأولى في رجب سنة خمس من المبعث وكان عدد من هاجر اثني عشر رجلاً وأربع نسوة خرجوا مشاة إلى البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار.

وذكر ابن إسحاق أن السبب في ذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع أن يكفهم أن بالحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا.
قال: فكان أوّل من خرج منهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله.

وأخرج يعقوب بن سفيان بسند موصول إلى أنس قال: أبطأ على رسول الله خبرهما فقدمت امرأة فقالت له: قد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار فقال: صحبهم الله إن عثمان لأوّل من هاجر بأهله بعد لوط.

قلت: وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان، وقد سرد ابن إسحاق أسماءهم.
فأما الرجال فهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوّام، وأبو حذيفة بن عتبة، ومصعب بن عمير، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة، وسهيل ابن بيضاء، وأبو سبرة، وأبو رهم العامري.
قال: ويقال بدله حاطب بن عمرو العامري.
وأما النسوة فهي: رقية بنت النبي، وسهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة، وأم سلمة بنت أبي أمية امرأة أبي سلمة، وليلة بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة.
ووافقه الواقدي في سردهم وزاد اثنين: عبد الله بن مسعود، وحاطب بن عمرو مع أنه ذكر في أول كلامه أنهم كانوا أحد عشر رجلاً، فالصواب ما قال ابن إسحاق بأنه إنما كان في الهجرة الثانية.

ويؤيده ما روى أحمد بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: بعثنا النبي عليه السلام إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلاً فيهم: عبد الله بن مسعود، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى فذكر الحديث انظر الفتح.
ثم رجعوا عندما بلغهم عن المشركين سجودهم معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند قراءة سورة النجم فلقوا من المشركين أشد مما عهدوا فهاجروا ثانية، وكانوا ثلاثة وثمانين رجلاً إن كان فيهم عمار وثماني عشره امرأة وسقط باب لأبي ذر.

( وقالت عائشة) -رضي الله عنها- مما وصله المؤلّف مطوّلاً في باب الهجرة إلى المدينة ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أريت) بضم الهمزة ( دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين) تثنية لابة وهي الحرة ذات الحجارة السود وهذه طابة ( فهاجر من هاجر) من المسلمين ( قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها ( ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة) وهذا وقع بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة ( فيه) أي في هذا الباب ( عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري مما يأتي آخر الباب إن شاء الله تعالى موصولاً ( و) عن ( أسماء) بنت عميس الخثعمية وهي أخت أم المؤمنين ميمونة لأمها كما سيأتي في غزوة حنين إن شاء الله تعالى ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .


[ قــ :3693 ... غــ : 3872 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ "أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالاَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَانْتَصَبْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهْيَ نَصِيحَةٌ.
فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ.
فَانْصَرَفْتُ.
فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلاَةَ جَلَسْتُ إِلَى الْمِسْوَرِ وَإِلَى ابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِي.

قُلْتُ لِعُثْمَانَ.

     وَقَالَ  لِي.
فَقَالاَ: قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْكَ.
فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ، فَقَالاَ لِي: قَدِ ابْتَلاَكَ اللَّهُ.
فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ الَّتِي ذَكَرْتَ آنِفًا؟ قَالَ: فَتَشَهَّدْتُ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآمَنْتَ بِهِ،
وَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ.
وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ.
فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي، أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ خَلَصَ إِلَىَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا خَلَصَ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا.
قَالَ: فَتَشَهَّدَ عُثْمَانُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ -كَمَا قُلْتَ- وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَايَعْتُهُ.
وَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ، وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ.
ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ.
ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ.
ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ.
قَالَ: فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَهُ، وَكَانَ هُوَ يَجْلِدُهُ".

وَقَالَ يُونُسُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: "أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ".

قَالَ أَبُو عَبد الله: { بَلاءٌ من رَبِّكُمْ} [البقرة: 49] مَا ابتُلِيتُم به من شدَّة.
وفي موضع: البلاءُ الابتلاء والتمحيص، من بَلَوتهُ ومحَّصتهُ أي استخرجتُ ما عندَه.
يبلو: يختبر، مُبتليكم: مُختبِرُكم.
وأما قوله: "بلاء عظيم" النعم، وهي مِن أبلَيْتُه، وتلك من ابتليته.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد عالم اليمن ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: ( حدّثنا) وفي نسخة أخبرني بالإفراد ( عروة بن الزبير أن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ( ابن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف التحتية ( أخبره أن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري الصحابي الصغير ( وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بالغين المعجمة المضمومة والمثلثة الزهري من صلحاء التابعين وأشرافهم ( قالا له) : أي لعبيد الله بن عدي بن الخيار ( ما يمنعك أن تكلم خالك عثمان) بن عفان ليست أمه أختًا له بل من رهطه ( في أخيه) لأمه ( الوليد بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ابن أبي معيط وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ( كان أكثر) ولأبي ذر عن الكشميهني أكبر بالموحدة بدل المثلثة ( الناس فيما فعل) عثمان ( به) بالوليد من تقويته في الأمور وإهماله حدّ شربه المسكر ( قال عبيد الله) بن عدي ( فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة فقلت له: إن لي إليك حاجة وهي نصيحة) لك ( فقال: أيها المرء أعوذ بالله منك) قال ذلك لأنه فهم أنه يكلمه بما فيه إنكار عليه فيضيق صدره لذلك.
قال عبيد الله ( فانصرفت فلما قضيت الصلاة) نصب مفعول ( جلست إلى
المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدّثتهما بالذي قلت لعثمان و)
الذي ( قال لي) عثمان ( فقالا: قد قضيت الذي كان عليك، فبينما) بالميم ( أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان) لم يسم ( فقالا) : المسور وابن عبد يغوث ( لي قد ابتلاك الله) يأتي تفسيره بعد إن شاء الله تعالى من قول المصنف ( فانطلقت حتى دخلت عليه فقال: ما نصيحتك التي ذكرت آنفًا؟) بمدّ الهمزة ( قال: فتشهدت) وسقط لفظ قال: في الفرع وثبت في الأصل ( ثم قلت إن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية في رواية أبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني ممن استجاب لله ورسوله وآمن ( وآمنت به وهاجرت الهجرتين الأوليين) بضم الهمزة وسكون الواو وفتح اللام والتحتية الأولى وتسكين الثانية تثنية أولى على التغليب بالنسبة إلى هجرة الحبشة فإنها كانت أولى وثانية أما إلى المدينة فلم تكن إلا واحدة، وهذا هو المراد من هذا الحديث في هذا الباب كما لا يخفى.

( وصحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأيت هديه) طريقه ( وقد أكثر الناس) الكلام ( في شأن الوليد بن عقبة) بسبب شربه الخمر وسوء سيرته ( فحق عليك أن تقيم عليه الحدّ فقال لى) : أي على عادة العرب ( يا ابن أخي) ولأبي ذر أختي قال الكرماني: هي الصواب لأنه كان خاله ( أدركت) بتاء الخطأ ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: قلت لا) .
أي لم أدركه من يعي عنه وليس مراده نفي الإدراك بالسن لأنه ولد في حياته عليه الصلاة والسلام ( ولكن قد خلص) أي وصل ( إليّ من علمه ما خلص) ما وصل ( إلى العذراء) بالذال المعجمة والمد البكر ( في سترها) بكسر السين أي من شرعه الشائع الذائع الذي ليس يخفى على أحد ( قال: فتشهد عثمان فقال: إن الله قد بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق) سقط لفظ قد والتصلية لأبي ذر ( وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( وآمنت) ولأبي ذر عن الكشميهني ممن استجاب الله ورسوله وآمن ( بما بعث به محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( وهاجرت الهجرتين الأوليين) الحبشة والمدينة ( كما قلت) بتاء الخطاب لعبيد الله ( وصحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعته) من المبايعة ولأبي ذر وتابعته بالفوقية بدل الموحدة من المتابعة ( والله) بالواو ولأبي ذر عن الكشميهني فوالله بالفاء ( ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله، ثم استخلف الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غششته، ثم استخلف) بضم الفوقية مبنيًا للمفعول ( عمر) -رضي الله عنه- ( فوالله ما عصيته ولا غششته) زاد أبو ذر حتى توفاه الله ( ثم استخلفت) بضم الفوقية مبنيًا للمفعول ( أفليس لي عليكم) بهمزة الاستفهام ( مثل) ولأبي ذر من الحق مثل ( الذي كان لهم عليّ) بتشديد الياء وسقطت من الفرع وثبتت في أصله ( قال) عبيد الله: ( بلى.
قال)
عثمان: ( فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم) بسبب تأخير الحد عن الوليد ( فأما ما ذكرت من شأن الوليد بن عقبة) سقط ابن عقبة لأبي ذر ( فسنأخذ فيه إن شاء الله بالحق.
قال)
عبيد الله ( فجلد الوليد أربعين جلدة) بعد أن شهد عليه حمران والصعب بن جثامة أنه قد شرب الخمر ( وأمر عليًّا أن يجلده وكان هو) أي عليّ ( يجلده) ولا تنافي بين قوله هنا أربعين، وقوله في مناقب عثمان ثمانين لأن التخصيص بالعدد لا ينفي الزائد أو كان الجلد بسوط له طرفان.

( وقال يونس) بن يزيد الأيلي مما وصله في مناقب عثمان ( وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم مما وصله ابن عبد البر في تمهيده ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم؟) وهذا التعليق عن يونس وابن أخي الزهري ثابت في رواية المستملي فقط.

( قال أبو عبد الله) البخاري في قوله ابتلاك الله ( { بلاء من ربكم} ) [البقرة: 49] أي ( ما ابتليتم به من شدّة.
وفي موضع)
آخر ( البلاء) هو ( الابتلاء والتمحيص) بالحاء والصاد المهملتين ( من بلوته) بالواو ( ومحصته أي استخرجت ما عنده) ويشهد له قوله ( يبلو) أي ( يختبر) و ( مبتليكم) أي ( مختبركم) ثم استطرد فقال: ( وأما قوله بلاء) من ربكم ( عظيم) فالمراد به ( النعم) بكسر النون ( وهي من أبليته) إذا أنعمت عليه ( وتلك) أي الأولى ( من ابتليته) وهذا كله ثابت في رواية المستملي وحده.




[ قــ :3694 ... غــ : 3873 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها--: «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وبه قال: ( حدّثني) بالتوحيد ( محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن هشام) أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان ( وأم سلمة) هند ولأبي ذر تقديم أم سلمة على أم حبيبة ( ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة) بنون الجمع على أن أقل الجمع اثنان أو معهما غيرهما من النسوة.
وكانت أم سلمة هاجرت الأولى مع زوجها أبي سلمة بن عبد الأسد، وأم حبيبة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك ( فيها تصاوير فذكرتا) ذلك ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( إن أولئك) بكسر الكاف ( إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فبنوا ( على قبره مسجدًا وصوّروا فيه تيك) بفوقية مكسورة فتحتية ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تلك ( الصور) باللام بدل التحتية ( أولئك) بكسر الكاف ( شرار الخلق عند الله يوم القيامة) .

وهذا الحديث سبق في الجنائز في باب بناء المساجد على القبر.




[ قــ :3695 ... غــ : 3874 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ السَّعِيدِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قَالَتْ: «قَدِمْتُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةٌ، فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمِيصَةً لَهَا أَعْلاَمٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ الأَعْلاَمَ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: سَنَاهْ سَنَاهْ.
قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: يَعْنِي حَسَنٌ حَسَنٌ».

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا إسحاق بن سعيد السعيدي) بكسر العين ( عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ( عن أم خالد) اسمها أمة بفتح الهمزة والميم المخففة وبالهاء وخالد هو ابن الزبير بن العوّام ( بنت خالد) أي ابن سعيد بن العاص أنها ( قالت: قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية فكساني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خميصة) بفتح الخاء المعجمة وبالصاد المهملة كساء من خز ( لها أعلام فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح الأعلام بيده) الكريمة ( ويقول) : ( سناه سناه) مرتين بفتح السين والنون وبعد الألف هاء ساكنة فيهما ( قال: الحميدي) عبد الله الراوي ( يعني) هو أي الثوب ( حسن حسن) .




[ قــ :3696 ... غــ : 3875 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُصَلِّي فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا، قَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً.
فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيمَ: كَيْفَ تَصْنَعُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَرُدُّ فِي نَفْسِي».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني مولاهم البصري ختن أبي عوانة قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن سليمان) بن مهران الأعمش ( عن إبراهيم) النخعي ( عن علقمة) بن قيس النخعي ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كنا نسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يصلّي فيرد علينا) السلام ( فلما رجعنا من عند النجاشي) ملك الحبشة من الهجرة الثانية إلى المدينة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجهز إلى بدر ( سلمنا عليه) وهو في الصلاة ( فلم يردّ علينا) السلام ( فقلنا: يا رسول الله إنا كنا نسلم عليك) وأنت في الصلاة ( فترد علينا) السلام ( قال) :
( إن في الصلاة شغلاً) بالله عز وجل لا يمكن معه غيره.
قال سليمان الأعمش ( فقلت لإبراهيم) النخعي ( كيف تصنع أنت) إذا سلم عليك إنسان وأنت في الصلاة ( قال: أردّ) عليه ( في نفسي) .

وهذا الحديث قد سبق في أواخر الصلاة في باب لا يرد السلام في الصلاة.




[ قــ :3697 ... غــ : 3876 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-: «بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَكُمْ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين المهملة والمدّ أبو كريب الهمداني الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: ( حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا ( عن) جدّه ( أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر ( عن) أبيه ( أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: بلغنا مخرج النبي) مصدر ميمي أي خروج
النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مبعثه أو خروجه إلى المدينة ( ونحن باليمن فركبنا سفينة) لنصل إلى مكة ( فألقتنا سفينتنا) بسبب هيجان البحر والريح ( إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب) -رضي الله عنه- ( فأقمنا معه) بالحبشة ( حتى قدمنا) المدينة ( فوافقنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين افتتح خيبر) سنة ست أو سبع ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان) هجرة من مكة إلى الحبشة، وهجرة من الحبشة إلى المدينة.
وفي رواية مسلم فأسهم لنا وما قسم لأحد غاب عن خيبر منها شيئًا إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، وسقطت أداة النداء من قوله يا أهل السفينة.

وحديث الباب أخرجه المؤلّف مقطعًا في الخمس والمغازي ومسلم في الفضائل.