فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره

باب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ
هذا ( باب) بالتنوين ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) .


[ قــ :5695 ... غــ : 6018 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي وسقط لأبي ذر ابن سعيد قال: ( حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي ( عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد
المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي ( عن أبي صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من كان يؤمن بالله) الذي خلقه إيمانًا كاملاً ( واليوم الآخر) الذي إليه معاده وفيه مجازاته بعمله ( فلا يؤذ جاره) فيه مع سابقه الأمر بحفظ الجار وإيصال الخير إليه وكف أسباب الضرر عنه.
قال في بهجة النفوس: وإذا كان هذا في حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه فينبغي له أن يراعي حق الملكين الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات، فقد جاء أنهما يسران بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السيئات فينبغي مراعاة جانبهما وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعة والمواظبة على اجتناب المعصية فهما أولى برعاية الحق من كثير من الجيران ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) .
قال الداودي فيما نقله عنه في المصابيح يعني يزيد في إكرامه على ما كان يفعل في عياله، وقال في الكواكب: الأمر بالإكرام يختلف بحسب المقامات فربما يكون فرض عين أو فرض كفاية وأقله أنه من باب مكارم الأخلاق ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) ليغنم ( أو ليصمت) بضم الميم وقد تكسر أي ليسكت عن الشر ليسلم إذ آفات اللسان كثيرة فاحفظ لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
قال ابن مسعود: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، ولبعضهما: اللسان حية مسكنها الفم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وابن ماجة في الفتن.




[ قــ :5696 ... غــ : 6019 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَاىَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الحافظ قال: ( حدثنا الليث) بن سعد الإمام ( قال: حدثني) بالإفراد ( سعيد المقبري عن أبي شريح) بضم المعجمة وفتح الراء آخره مهملة خويلد ( العدوي) الخزاعي الكعبي الصحابيّ -رضي الله عنه- ( قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفائدة قوله سمعت وأبصرت التوكيد ( فقال) :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وفي مسلم من حديث أبي هريرة فليحسن إلى جاره ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) نصب مفعول ثان ليكرم لأنه في معنى الإعطاء أو بنزع الخافض أي بجائزته والجائزة العطاء ( قيل: وما جائزته يا رسول الله؟
فقال)
: جائزته ( يوم وليلة) وجاز وقوع الزمان خبرًا عن الجثة إما باعتبار أن له حكم الظرف وإما مضاف مقدر أي زمان جائزته يوم وليلة ( والضيافة ثلاثة أيام) باليوم الأول أو ثلاثة بعده والأول أشبه قال الخطابي: أي يتكلف له يومًا وليلة فيتحفه ويزيده في البر على ما يحضره في سائر الأيام وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما حضر فإذا مضت الثلاثة فقد قضى حقه ( فما كان) من البر ( وراء ذلك) المذكور من الثلاثة ( فهو صدقة عليه) وفي التعبير بالصدقة تنفير عنه لأن كثيرًا من الناس يأنفون غالبًا من أكل الصدقة وفي مسلم الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهو يدل على المغايرة أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يومًا وليلة أو أن قوله وجائزته بيان لحالة أخرى وهو أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه فهذا لا يزاد على الثلاثة وتارة لا يقيم فهذا يعطي ما يجوز به قدر كفايته يومًا وليلة ومنه حديث أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته إلى بقية مباحث هذا في باب إكرام الضيف.
( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) بضم الميم.
وقال الطوفي: بكسرها سمعناه وهو القياس كضرب يضرب يعني أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليتفكّر قبل كلامه فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجرّ إلى محرم ولا مكروه فليتكلم وإن كان مباحًا فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى محرم أو مكروه وقد اشتمل هذا الحديث من الطريقين على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية أما الأوّلان فمن الفعلية وأولهما يرجع إلى الأمر بالتخلي عن الرذيلة والثاني يرجع إلى الأمر بالتحلي بالفضيلة والحاصل أن من كان كامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولاً بالخير أو سكوتًا عن الشر أو فعلاً لما ينفع أو تركًا لما يضر.