فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: «

باب قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، وَقَولُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}
( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ باب لأبي ذر فيكون قول النبي رفعًا على ما لا يخفى ( للحسن بن علي -رضي الله عنهما-) ( ابني هذا سيد) هذا مبتدأ مؤخر وسيد خبر بعد خبر واللام في للحسن بمعنى عن ( ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين) الفئة التي من جهته والتي من جهة معاوية عند اختلافهما على الخلافة.
( وقوله جل ذكره) بالجر عطفًا على المجرور بالإضافة وبالرفع عطفًا على رواية سقوط لفظ باب وسقط قوله جل ذكره في رواية أبي ذر ( { فأصلحوا بينهما} ) [الحجرات: 9] فيه إشارة إلى أن الصلح مندوب إليه.


[ قــ :2584 ... غــ : 2704 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: "اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا.
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ -وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ- أَىْ عَمْرُو، إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ وهَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ -عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ- فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولاَ لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ.
فَأَتَيَاهُ فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا وَقَالاَ لَهُ وطَلَبَا إِلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا.
قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا.
وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ.
قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ.
فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلاَّ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ.
فَصَالَحَهُ.
فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ -وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ- وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ لِي عليُّ بْنِ عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

[الحديث 2704 أطرافه في: 3629، 3746، 7109] .


وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن أبي موسى) إسرائيل بن موسى البصري أنه ( قال: سمعت الحسن) البصري ( يقول استقبل والله الحسن بن علي معاوية) نصب على المفعولية ابن أبي سفيان -رضي الله عنهم- ( بكتائب) بالمثناة الفوقية أي بجيوش ( أمثال الجبال) أي لا يرى طرفها لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفيه ( فقال عمرو بن العاص)
بإثبات الياء محرّضًا لمعاوية على قتال الحسن ( إني لأرى كتائب لا تولي) لا تدبر ( حتى تقتل أقرانها) بفتح الهمزة وجمع قرن بكسر القاف وهو الكفء والنظير في الشجاعة والحرب، ( فقال له معاوية) جوابًا عن مقالته ( وكان والله خير الرجلين) جملة معترضة من قول الحسن البصري أي وكان معاوية خيرًا من عمرو بن العاص لأنه كان يحرض معاوية على القتال ومعاوية يتوقع الصلح وأن الحسن يبايعه ويأخذ منه ما يريد من غير قتال ( أي عمرو) حرف نداء ومنادى مبني على الضم ( إن قتل هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء) الأوّل مرفوع على الفاعلية والثاني منصوب على المفعولية في الموضعين أي إن قتل جيشنا جيشه أو قتل جيشه جيشنا ( من لي) أي من يتكفل لي ( بأمور الناس) هو جواب الشرط في قوله إن قتل يعني أنه المطالب عند الله على كِلا التقديرين ( من لي) ولأبي ذر من لنا ( بنسائهم من لي بضيعتهم) بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية وبالعين المهملة أي عيالهم وقال العيني ويروى بصبيتهم بالصاد المهملة والموحدة قال وعلى هذه الرواية فسّرها الكرماني بقوله والصبية المراد بها الأطفال والضعفاء لأنهم لو تركوا بحالهم لضاعوا لعدم استقلالهم بالمعاش اهـ.

والذي في النسخة التي وقفت عليها من الكرماني والضيعة بالضاد المعجمة.
نعم روى المؤلّف الحديث في الفتن بلفظ قال معاوية: من لذراري المسلمين؟ ومفهوم هذا أن معاوية كان راغبًا في الصلح وترك الحرب ليسلم من تَبِعَة الناس دنيا وأخرى -رضي الله عنه-.

( فبعث إليه) أي بعث معاوية إلى الحسن ( رجلين من قربش من بنى عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة) بالنصب بدلاً من رجلين ابن حبيب بن عبد شمس القرشي من مسلمة الفتح ( وعبد الله بن عامر بن كريز) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية آخره زاي وسقط قوله ابن كريز في رواية الأصيلي ( فقال) معاوية لهما: ( اذهبا إلى هذا الرجل) الحسن ( فأعرضا عليه) الصلح ( وقولا له واطلبا إليه) قال الكرماني أي يكون مطلوبكما مفوّضًا إليه وطلبكما منتهيًا إليه أي التزما مطالبه ( فأتياه فدخلا عليه فتكلما) ولأبوي ذر والوقت وتكلما بالواو بدل الفاء ( وقالا له) ولأبي ذر وحده فقالا له ( وطلبا) بالواو ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي فطلبا ( إليه فقال لهما) أي للرّسولين ولأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي فقال لهم ( الحسن بن علي) أي للرسولين ومن معهما ( إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال) بالخلافة ما صارت لنا به عادة في الإنفاق والإفضال على الأهل والحاشية فإن تخليت من أمر الخلافة قطعت العادة ( وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها) بعين مهملة فألف فمثلثة فمثناة فوقية أي اتسعت في القتل والإفساد فلا تكف إلا بالمال ( قالا) عبد الرحمن وعبد الله ( فإنه) أي معاوية ( يعرض عليك كذا وكذا) أي من المال والأقوات والثياب ( ويطلب إليك ويسألك) وكان الحسن فيما قاله ابن الأثير في الكامل قد كتب إلى معاوية كتابًا وذكر فيه شروطًا وأرسل معاوية رسوليه المذكورين قبل وصول كتاب الحسن إليه ومعهما صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اكتب إليّ في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها بما شئت فهو لك.

( قال) الحسن ( فمن لي) أي فمن يتكفل لي ( بهذا) الذي ذكرتماه؟ ( قالا: نحن) نتكفل ( لك به فما سألهما) الحسن ( شيئًا إلا قالا نحن) نتكفل ( لك به) وسقط من قوله فما سألهما إلى آخره في رواية أبي ذر عن الحموي والكشميهني ( فصالحه) الحسن على ما وقع من الشروط رعاية لمصلحة دينية ومصلحة الأمة، وقيل: إن معاوية أجاز الحسن بثلائمائة ألف ألف ثوب وثلاثين عبدًا ومائة جمل وقرأت في كامل ابن الأثير أن الحسن لما سلم معاوية أمر الخلافة طلب أن يعطيه الشروط التي في الصحيفة التي ختم عليها معاوية فأبى ذلك معاوية وقال قد أعطيتك ما كنت تطلب وكان الذي طلب الحسن منه أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف وخراج دارابجرد من فارس ثم انصرف الحسن إلى المدينة قال الكرماني: وقد كان يومئذٍ الحسن أحقّ الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلّة ولا لذلّة ولا لقلّة فقد بايعه على الموت أربعون ألفًا، وفيه دلالة على جواز النزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على ذلك وإعطائه بعد استيفاء شرائطه بأن يكون المنزول له أولى من النازل وأن يكون المبذول من مال الباذل.

( فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي قال ( الحسن) أي البصري: ( ولقد سمعت أبا بكرة) نفيع بن الحرث الثقفي ( يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى) الواو في قوله والحسن وفي قوله وهو يقبل للحال ( ويقول) :
( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين) تثنية فئة أي فرقتين ( عظيمتين من المسلمين) .

( قال: قال لي علي بن عبد الله) المديني ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال أبو عبد الله أي البخاري قال لي عليّ بن عبد الله: ( إنما ثبت لنا سماع الحسن) البصري ( من أبي بكرة) نفيع المذكور ( بهذا الحديث) لأنه صرّح فيه بالسماع وفي رواية أبي ذر لهذا باللام بدل الموحدة.

وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث عن علي بن المديني عن ابن عيينة في كتاب الفتن ولم يذكر هذه الزيادة وأخرجه أيضًا في علامات النبوّة وفضل الحسن وأبو داود في السنّة والترمذي في المناقب والنسائي فيه وفي الصلاة واليوم والليلة.