فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {وما أنا من المتكلفين} [ص: 86]

باب قَوْلِهِ: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}
( باب قوله) تعالى: ( {وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] فلا أزيد على ما أمرت به ولا أنقص منه.


[ قــ :4549 ... غــ : 4809 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ: عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ
قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنِ الدُّخَانِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا قُرَيْشًا إِلَى الإِسْلاَمِ، فَأَبْطَؤُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ»، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ فَحَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْجُلُودَ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنَ الْجُوعِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10] قَالَ فَدَعَوْا {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 10 - 15] أَفَيُكْشَفُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: فَكُشِفَ، ثُمَّ عَادُوا فِي كُفْرِهِمْ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] .

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لغير أبي ذر ابن سعيد قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن الأعمش) سليمان ( عن أبي الضحى) مقصور مسلم بن صبيح ( عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه ( قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- ( قال: يا أيها الناس من علم شيئًا فليقل به، ومَن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قل ما أسألكم عليه من أجر}) أي جعل على القرآن أو تبليغ الوحي ( {وما أنا من المتكلفين}) وكل من قال شيئًا من تلقاء نفسه فقد تكلف، ( وسأحدثكم عن الدخان) المذكور في قوله تعالى: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] ( إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا قريشًا إلى الإسلام فأبطؤوا عليه فقال) :
( اللهم أعني عليهم بسبع) من السنين ( كسبع يوسف) المذكورة في قوله تعالى: {ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} [يوسف: 48] ( فأخذتهم سنة) قحط ( فحصت) بالحاء والصاد المهملتين أذهبت وأفنت ( كل شيء حتى أكلوا الميتة والجلود) من شدّة الجوع ( حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخانًا) لضعف بصره ( من الجوع.
قال الله عز وجل: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس})
يحيط بهم صفة للدخان ( {هذا عذاب أليم}) في موضع نصب بالقول أي قائلين هذا عذاب أليم ( قال: فدعوا) أي قريش ( {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}) وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم ( {أنى لهم الذكرى}) أي كيف يذكرون ويتعظون ويَفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب ( {وقد جاءهم رسول مبين}) بيّن لهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الادّكار من الآيات والمعجزات ( {ثم تولوا عنه وقالوا معلم}) يعلمه كلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه ( {مجنون إنّا كاشفوا العذاب}) بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كشفًا ( {قليلًا}) أو
زمانًا قليلًا ( {إنكم عائدون}) [الدخان: 10 - 15] إلى الكفر قال ابن مسعود: ( أفيكشف) بهمزة الاستفهام وضم الياء مبنيًّا للمفعول ( {العذاب يوم القيامة}؟ قال) : أي ابن مسعود -رضي الله عنه- ( فكشف) بضم الكاف مبنيًّا للمفعول أي العذاب عنهم، ولأبي ذر: فكشف بفتحها والفاعل محذوف أي فكشف الله عنهم ( ثم عادوا في كفرهم) عقب الكشف ( فأخدهم الله يوم) وقعة ( بدر.
قال الله)
ولأبي ذر وقال الله ( تعالى) ولأبي ذر عز وجل ( {يوم نبطش البطشة الكبرى}) يوم بدر ظرف لفعل دلّ عليه ( {إنّا منتقمون}) [الدخان: 16] لا لمنتقمون فإن أن تحجزه عنه كذا قاله البيضاوي كالزمخشري وقيل بدل من يوم تأتي أو بإضمار اذكر.

وهذا الحديث سبق في سورة الروم.


[39] سورة الزُّمَرِ
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ.
{يَتَّقِي بِوَجْهِهِ}: يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَهْوَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَومَ القِيَامَةِ}.
{ذِي عِوَجٍ}: لَبْسٍ.
{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ}: صَالِحًا؛ مَثَلٌ لآلِهَتِهِمِ الْبَاطِلِ وَالإِلَهِ الْحَقِّ.
{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}: بِالأَوْثَانِ.
{خَوَّلْنَا}: أَعْطَيْنَا.
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}: الْقُرْآنُ.
{وَصَدَّقَ بِهِ}: الْمُؤْمِنُ.
يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ.
{مُتَشَاكِسُونَ}: الرجل الشَّكِسُ الْعَسِرُ لاَ يَرْضَى بِالإِنْصَافِ.
{وَرَجُلًا سِلْمًا}: وَيُقَالُ {سَالِمًا}: صَالِحًا.
{اشْمَأَزَّتْ}: نَفَرَتْ.
{بِمَفَازَتِهِمْ}: مِنَ الْفَوْزِ.
{حَافِّينَ}: أَطَافُوا بِهِ مُطِيفِينَ.
{بِحِفَافَيْهِ}: بِجَوَانِبِهِ.
{مُتَشَابِهًا}: لَيْسَ مِنَ الاِشْتِبَاهِ.
وَلَكِنْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ.

( [39] سورة الزُّمَرِ)
مكية إلا {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53] الآية وآيها خمس أو اثنتان وسبعون، ولأبي ذر سورة الزمر ( بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر.

( وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله ( {يتقي}) ولغير أبي ذر: أفمن يتقي ( {بوجهه}) [الزمر: 24] أي ( يجر على وجهه في النار) يجر بالجيم المفتوحة مبنيًّا للمفعول وللأصيلي كما في الفتح يخر بالخاء المعجمة المكسورة ( وهو قوله تعالى: {أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنًا يوم القيامة}) [فصلت: 40] وقال عطاء يرمى به في النار منكوسًا فأول شيء يمس النار منه وجهه وخبر أفمن يتقي بوجهه محذوف تقديره كمن هو آمن منه.

( {ذي}) ولأبي ذر: غير ذي ( {عوج}) [الزمر: 28] أي ( لبس) بموحدة ساكنة وقال ابن عباس غير مخلوق.

( {ورجلًا سلمًا}) [الزمر: 29] بفتح اللام من غير ألف مصدر وصف، ولأبي ذر وابن
عساكر سالمًا بكسرها مع الألف وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير اسم فاعل من الثلاثي ( لرجل) أي ( صالحًا) كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي وفي رواية الكشميهني خالصًا بدل صالحًا ومراده قوله تعالى: {ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون} [الزمر: 29] أي متنازعون كلٌّ يدّعي أنه عبده فهم يتجاذبونه حوائجهم وهو متحير في أمره كلما أرضى أحدهم غضب الباقون وإذا احتاج إليهم رده كل واحد إلى الآخر فهو في عذاب دائم ورجلًا سالمًا لرجل واحد لا يملكه غيره فهو يخدمه على سبيل الإخلاص وسيده يعينه على مهماته هذا ( مثل لآلهتهم) بمد الهمزة الإله ( الباطل والإله الحق) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي.

( {ويخوفونك}) يعني قريشًا ( {بالذين من دونه}) [الزمر: 36] أي ( بالأوثان) وذلك أنهم قالوا له عليه الصلاة والسلام لتكفنّ عن شتم آلهتنا أو لنأمرنّها فلتخبلنّك فنزلت ويخوّفونك رواه عبد الرزاق وسقط لأبي ذر من قوله مثل إلى هنا.

( {خوّلنا}) في قوله تعالى: {ثم خوّلناه نعمة} [الزمر: 49] أي ( أعطينا) قاله أبو عبيدة.

( {والذي جاء بالصدق}) أي ( القرآن) وفي نسخة القرآن بالرفع بتقدير هو ( {وصدق به}) [الزمر: 33] هو ( المؤمن يجيء يوم القيامة) حال كونه ( يقول) رب ( هذا الذي أعطيتني) يريد القرآن ( عملت بما فيه) رواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن منصور وقيل الذي جاء هو الرسول عليه الصلاة والسلام والمصدق أبو بكر قاله أبو العالية قال في الأنوار وذلك يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز وقوله والذي جاء بالصدق لفظه مفرد ومعناه جمع لأنه أُريد به الجنس فيتناول الرسل والمؤمنين لقوله: {أولئك هم المتقون} [الزمر: 33] فجمع أو الذي صفة لموصوف محذوف بمعنى الجمع أي والفريق أو الفوج ولذلك قال أولئك.

( {متشاكسون} الرجل الشكس}) بكسر الكاف هو ( العسر) الذي ( لا يرضى بالإنصاف) قال الكسائي يقال شكس يشكس شكوسًا وشكسًا إذا عسر وهو رجل شكس أي عسر وشاكس إذا تعاسر ( {ورجلًا سلمًا}) ويقال ( {سالمًا} صالحًا) كذا أثبته هنا في الفرع كأصله وقد سبق.

( {اشمأزت}) في قوله: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} [الزمر: 45] قال مجاهد فيما وصله الطبري أي ( نفرت) وقال أبو زيد الاشمئزاز الذعر اشمأز فلان ذعر ووزنه افعلل كاقشعرّ قال الزمخشري ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه لأن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورًا حتى يظهر ذلك السرور في أسرّة وجهه ويتهلّل والاشمئزاز أن يمتلئ غيظًا وغمًّا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه.

( {بمفازتهم}) مفعلة ( من الفوز) أي ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة.
وقرأ الأخوان وشعبة بمفازاتهم بالجمع لأن النجاة أنواع والمصادر إذا اختلفت أنواعها جمعت.

( {حافين}) في قوله تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} [الزمر: 75] أي ( أطافوا به) حال كونهم ( مطيفين) دائرين ( بحفافيه) بكسر الحاء المهملة مصححًا عليها في الفرع كأصله وكذا قال العيني كفتح الباري والبرماوي والكرماني بكسرها وفاءين مفتوحتين مخففتين بينهما ألف تثنية حفات وفي الناصرية بفتح الحاء أي ( بجوانبه) قال الليث حف القوم بسيدهم يحفون حفًّا إذا طافوا به ولأبي ذر عن المستملي بجانبيه بدل بحفافيه وسقط بجوانبه لأبي ذر.

( {متشابهًا}) في قوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا} [الزمر: 23] ( ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضًا في التصديق) والحسن ليس فيه تناقض ولا اختلاف.