فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس

باب كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ
هذا ( باب) بالتنوين ( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا لم يقاتل أول النهار أخّر القتال حتى تزول الشمس) لأن رياح النصر تهب حينئذ غالبًا ويتمكن من القتال بتبريد حدّة السلاح وزيادة النشاط لأن الزوال وقت هبوب الصبا التي اختصّ عليه الصلاة والسلام بالنظر بها.


[ قــ :2833 ... غــ : 2965 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- فَقَرَأْتُهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين ابن المهلب الأزدي البغدادي قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد ( هو الفزاري) بفتح الفاء والزاي ( عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بالشين المعجمة آخره إمام المغازي ( عن سالم أبي النضر) بالضاد المعجمة ابن أبي أمية ( مولى عمر بن عبيد الله) مصغرًا ابن معمر التيمي ( وكان) سالم ( كاتبًا له) أي لعمر بن عبيد الله كما قاله البرماوي كالكرماني، لكن خطأه العيني كالحافظ ابن حجر ولم يذكر له دليلاً وفيه نظر كما لا يخفى ويؤيد ما قاله الكرماني قوله في باب: لا تمنوا لقاء العدوّ.

حدّثني سالم أبو النضر كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله فهو صريح في أن سالمًا كاتب عمر بن عبيد الله لا كاتب عبد الله بن أبي أوفى، وكيف يرجع الضمير على متأخر رتبة والأصل خلافه ( قال: كتب إليه) أي إلى عمر بن عبيد الله ( عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء ( -رضي الله عنهما- فقرأته أن) بفتح الهمزة وكسرها ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أيامه) أي غزواته ( التي لقي فيها) العدوّ أو الحرب واللفظ يحتملهما ( انتظر) خبر أن ( حتى مالت الشمس) أي زالت.




[ قــ :833 ... غــ : 966 ]
- ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ،
فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".

( ثم قام في الناس) خطيبًا ( قال) :
( يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو) ، لأن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر ويؤيده قوله ( وسلوا الله العافية) أي من هذه المحذورات المتضمنة للقاء العدوّ ثم أمرنا بالصبر عند وقوع الحقيقة فقال ( فإذا لقيتموهم فاصبروا) فإن النصر مع الصبر ( واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) أي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله وهو من المجاز البليغ لأن ظل الشيء لما كان ملازمًا له، وكان ثواب الجهاد الجنة كان ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك، ومثله: الجنة تحت أقدام الأمهات أو هو كناية عن الحض على مقاربة العدوّ واستعمال السيوف والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين.
قال ابن الجوزي: إذا تدانى الخصمان صار كلٌّ منهما تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال.

( ثم قال) عليه الصلاة والسلام ( اللهم) يا ( منزل الكتاب) القرآن الموعود فيه بالنصر على الكفار قال تعالى: { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} [التوبة: 14] .
والمراد الجنس فيشمل سائر الكتب المنزلة على الأنبياء فيكون المراد شدة الطلب للنصر كنصره هذا الكتاب بخذلان من يكفر به ويجحد ( و) يا ( مجري السحاب) بقدرته إشارة إلى سرعة إجراء ما يقدره فإنه قدر جريان السحاب على أسرع حال وكأنه يسأل بذلك سرعة النصر والظفر ( و) يا ( هازم الأحزاب) وحده لا غيره ( اهزمهم وانصرنا عليهم) فأنت المنفرد بالفعل من غير حول منّا ولا قوّة أو أن المراد التوسّل إليه بنعمه وأشار بالأولى إلى نعمة الدين بإنزال الكتاب وبالثانية إلى نعمة الدنيا وحياة النفوس بإجراء السحاب الذي جعله سببًا في نزول الغيث والأرزاق وبالثالثة إلى أنه حصل حفظ النعمتين فكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم نعمتك الأخروية والدنيوية وحفظهما فأبقهما، وقد وقع هذا السجع اتفاقًا من غير قصد.

وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في باب: لا تمنوا لقاء العدو.