فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم

باب الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ».
وَالتَّثَبُّتِ فِيهِ.

( باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض) الشائع الذائع ( والموت القديم) الذي تطاول عليه الزمان ( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أرضعتني وأبا سلمة، بالنصب عطفًا على المفعول وفتح اللام ابن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة أم المؤمنين وتوفي سنة أربع فتزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم سلمة ( ثويبة) بالمثلثة والموحدة مصغرًا مولاة أبي لهب.

وهذا طرف من حديث وصله في الرضاع ( والتثبيت فيه) أي في أمر الرضاع وهذا من بقية الترجمة.


[ قــ :2529 ... غــ : 2644 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اسْتَأْذَنَ عَلَىَّ أَفْلَحُ فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَقَالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ؟ فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي.
فَقَالَتْ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رسول
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ".
[الحديث 2644 - أطرافه في: 4796، 5103، 5111، 5229، 6156] .

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( أخبرنا الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا ( عن عراك بن مالك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء ( عن عروة بن الزبير) بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت استأذن علي أفلح) بتشديد الياء أي طلب الإذن في الدخول عليّ بعد نزول الحجاب، وأفلح هو أبو الجعد أخو أبي القعيس بضم القاف وفتح العين المهملة واسم أبي القيس ما قال الدارقطني وائل الأشعري ( فلم آذن له) بالمد في الدخول عليّ ( فقال) أي أفلح ( أتحتجبين منّي وأنا عمك: فقلت وكيف ذلك قال) : ولأبي ذر فقال: ( أرضعتك امرأة أخي) وائل ( بلبن أخي فقالت) عائشة ( سألت عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لغير الكشميهني قوله عن ذلك ( فقال) :
( صدق أفلح ائذني له) زاد مسلم من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، واستشكل كونه عليه الصلاة والسلام عمل بمجرد دعوى أفلح من غير بيّنة.
وأجيب: باحتمال اطلاعه عليه الصلاة والسلام على ذلك، وفيه أن لبن الفحل يحرّم وأن زوج المرضعة بمنزلة الوالد للرضيع وأخاه بمنزلة العم له.

ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالها.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح والتفسير وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.




[ قــ :530 ... غــ : 645 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: لاَ تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِة مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ ابِنةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ".
[الحديث 645 - طرفه في: 5100] .

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي بالفاء البصري قال: ( حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة ( عن جابر بن زيد) التابعي الأزدي ثم الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء أبو الشعثاء البصري ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لما قال عليّ -رضي الله عنه- ( في بنت حمزة) بن عبد المطلب عمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخيه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب ألا تتزوجها ( لا تحل لي) وكان اسمها أمامة أو عمارة أو غير ذلك.

( يحرم من الرضاع) ولأبي ذر: من الرضاعة ( ما يحرم من النسب) يستثنى من هذا العموم أربع نسوة يحرمن في النسب مطلقًا وفي الرضاع قد لا يحرمن، ويأتي ذكرهنّ إن شاء الله في النكاح، وكما أن الرضاع يحرّم ما يحرم من النسب يبيح ما يبيحه بالإجماع فيما يتعلق بالنكاح وتوابعه وانتشار
الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة لا باقي الأحكام من التوارث وغيره مما يأتي إن شاء الله تعالى في محله ( هي) أي بنت حمزة أمامة ( بنت) ولأبي ذر: ابنة ( أخي) حمزة ( من الرضاعة) .

وهذا الحديث أخرجه أيضًا المؤلّف ومسلم والنسائي وابن ماجه في النكاح.




[ قــ :531 ... غــ : 646 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرَاهُ فُلاَنًا، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ -فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ.
قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُرَاهُ فُلاَنًا، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلاَنٌ حَيًّا -لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- دَخَلَ عَلَىَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ يَحْرُمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلاَدَةِ".
[الحديث 646 - طرفاه في: 3105، 5099] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن عبد الله بن أبي بكر) اسم جده محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني ( عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ( أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها) في بيتها ( وأنها سمعت صوت رجل) قال ابن حجر: لم أعرف اسمه ( يستأذن في بيت حفصة) بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين والجملة في موضع جر صفة لرجل ( قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقلت يا رسول الله أراه) بضم الهمزة أي أظنه ( فلانًا لعم حفصة) أم المؤمنين ( من الرضاعة فقالت عائشة: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك) الذي فيه حفصة ( قالت) عائشة ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أراه) بضم الهمزة أظنه ( فلانًا لعم) أي عم ( حفصة من الرضاعة) لم يسم عم حفصة هذا وسقط قوله قالت عائشة فقلت يا رسول الله أراه إلخ في الأصل المقروء على الميدومي، وثبت في عدة من الفروع المقابلة بأصل اليونينية وكذا رأيته فيها وسقوطه أولى كما لا يخفى ( فقالت عائشة) له عليه الصلاة والسلام ( لو كان فلان حيًّا لعمها) اللام بمعنى عن أبي عن عمها ( من الرضاعة دخل عليّ) بتشديد الياء أي هل كان يجوز أن يدخل عليّ؟ قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم عم حفصة ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة، وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة وقد عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تأذن له بعد أن امتنعت فالمذكور هنا عم آخر أخو أبيها أبي بكر من الرضاع أرضعتهما امرأة واحدة، وقيل هما واحد.
وغلطه النووي بأن عمها في حديث أبي القعيس كان حيًّا والآخر كان ميتًا وإنما ذكرت عائشة ذلك في العم الثاني لأنها جوّزت تبدل الحكم فسألت مرة أخرى.

( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في جوابها ( نعم) أي يجوز دخوله عليك ثم علّل جواز ذلك بقوله ( إن الرضاعة تحرم) بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله ولأبي ذر عن الكشميهني يحرم منها بفتح المثناة التحتية وضم الراء مخفّفًا ( ما يحرم) بفتح أوله مخفّفًا ( من الولادة) أي مثل ما يحرم من الولادة فهو على حذف مضاف وتعبيره بقوله ما يحرم من الولادة وفي الرواية الأخرى من النسب.
قال القرطبي: دليل على جواز الرواية بالمعنى أو قال عليه الصلاة والسلام اللفظين في وقتين وقطع بالأخير في الفتح معلّلاً بأن الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي.

وهذا الحديث أخرجه في الخمس أيضًا والنكاح ومسلم والنسائي في النكاح.




[ قــ :53 ... غــ : 647 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ قَالَ: يَا عَائِشَةُ انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ".
تَابَعَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ.
[الحديث 647 - طرفه في: 510] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري وثقه أحمد، وروى له المؤلّف ثلاثة أحاديث في العلم والبيوع والتفسير توبع عليها قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري ( عن أشعث بن أبي الشعثاء) بالشين المعجمة والمثلثة والعين المهملة فيهما والأخير ممدود ( عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن الأسود ( عن مسروق) هو ابن الأجدع ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعندي رجل) الواو للحال وأخو عائشة هذا لا أعرف اسمه، وقول الجلال البلقيني فيما نقله عنه في المصابيح أنه وجد بخط مغلطاي على حاشية أسد الغابة ما يدل على أنه عبد الله بن يزيد تعقبه في مقدمة فتح الباري بأنه غلط لأنه تابعي انتهى.

يعني وهذا صحابي لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآه بلا ريب عند عائشة، نعم عبد الله التابعي هذا المذكور أخوها من الرضاعة كما صرّح به في رواية مسلم في الجنائز وكثير بن عبد الله الكوفي أخوها أيضًا كما عند المؤلّف في الأدب المفرد وسنن أبي داود وسبق التنبيه على ذلك في باب الغسل بالصاع.

( قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر: فقال ( يا عائشة من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة.
قال: يا عائشة انظرن)
بهمزة وصل وضم الظاء المعجمة من النظر بمعنى التفكّر والتأمّل ( من إخوانكن) استفهام ( فإنما الرضاعة) الفاء تعليلية لقوله انظرن من إخوانكن أي ليس كل من أرضع لبن أمهاتكنّ يصير أخاكن بل شرطه أن يكون ( من المجاعة) بفتح الميم من الجوع أي أن الرضاعة المعتبرة في المحرمية شرعًا ما كان فيه تقوية للبدن واستقلال بسد الجوع، وذلك إنما يكون في حال الطفولية قبل الحولين كما سيأتي إن شاء الله تعالى تقريره في بابه بعون الله وقوّته.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
( تابعه) أي تابع محمد بن كثير ( ابن مهدي) عبد الرحمن بفتح الميم في روايته الحديث فيما وصله مسلم وأبو يعلى ( عن سفيان) الثوري ثم إن المطابقة بين الترجمة والأحاديث المسوقة في بابها مستفادة منها فأما النسب فمن أحاديث الرضاعة فإنه من لازمه وأما الرضاعة فبالاستفاضة وأما الموت القديم فبالإحقاق قاله ابن المنير والله أعلم.