فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 38]

باب قَوْلِهِ: { وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}
هذا ( باب) بالتنوين ( قوله: { والشمس تجري لمستقر لها} ) الواو للعطف على الليل واللام في لمستقر بمعنى إلى والمراد بالمستقر إما الزماني وهو منتهى سيرها وسكون حركتها يوم القيامة حين تكور وينتهي هذا العالم إلى غايته، وإما المكاني وهو ما تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب وهي أينما كانت فهي تحت العرش كجميع المخلوقات لأنه سقفها وليس بكرة كما يزعمه كثير من أهل الهيئة بل هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، أو المراد غاية ارتفاعها في كبد السماء فإن حركتها إذ ذاك يوجد فيها إبطاء بحيث يظن أن لها هناك وقفة والثاني أنسب بالحديث المسوف في الباب ( { ذلك} ) إشارة إلى جري الشمس على هذا التقدير أو إلى المستقر ( { تقدير العزيز} ) الغالب بقدرته على كل مقدور ( { العليم} ) [يس: 38] المحيط علمه بكل معلوم وسقط باب لغير أبي ذر والآية لأبي ذر ساقطة.


[ قــ :4542 ... غــ : 4802 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} » [يس: 38] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان ( عن إبراهيم) بن يزيد ( التيمي) الكوفي ( عن أبيه) يزيد ( عن أبي ذر) جندب الغفاري ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد عند غروب الشمس فقال) :
( يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس) ؟ استفهام أُريد به الإعلام ( قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش)
أي تنقاد للباري تعالى انقياد المساجد من المكلفين أو شبّهها بالساجد عند غروبها.
قال ابن كثير: والعرش فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب إلى العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل صارت أبعد ما يكون من العرش فحينئذٍ تسجد وتستأذن في الطلوع أي من المشرق على عادتها فيؤذن لها ( فذلك قوله تعالى: { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} ) .




[ قــ :4543 ... غــ : 4803 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ».

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: ( حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران ( عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك ( عن أبي ذر) الغفاري -رضي الله عنه- أنه ( قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قوله تعالى: { والشمس تجري لمستقر لها} قال) عليه الصلاة والسلام:
( مستقرها تحت العرش) .
قال الخطابي: يحتمل أن يكون على ظاهره من الاستقرار تحت العرش بحيث لا نحيط به نحن ويحتمل أن يكون المعنى إن علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتبت فيه مبادئ أمور العالم ونهايتها وهو اللوح المحفوظ.

والحديث أخرجه المؤلّف في مواضع، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم شيخ المؤلّف فيه ولفظه تذهب حتى تنتهي تحت العرش عند ربها، وزاد ثم تستأذن فيؤذن له ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتستشفع وتطلب فإذا كان كذلك قيل لها اطلعي من مكانك فذلك قوله تعالى: { والشمس تجري لمستقر لها} .


[37] سورة الصَّافَّاتِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ.
{ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} : مِنْ كُلِّ مَكَانٍ.
{ وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} : يُرْمَوْنَ.
{ وَاصِبٌ} : دَائِمٌ.
{ لاَزِبٌ} : لاَزِمٌ.
{ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} : يَعْنِي الْحَقَّ.
الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيْطَانِ.
{ غَوْلٌ} : وَجَعُ بَطْنٍ.
{ يُنْزَفُونَ} : لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ.
{ قَرِينٌ} : شَيْطَانٌ.
{ يُهْرَعُونَ} : كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ.
{ يَزِفُّونَ} : النَّسَلاَنُ فِي الْمَشْيِ.
{ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} : قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ،.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى: { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} : سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ { لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} : الْمَلاَئِكَةُ.
{ صِرَاطِ الْجَحِيمِ} : سَوَاءِ الْجَحِيمِ، وَوَسَطِ الْجَحِيمِ.
{ لَشَوْبًا} : يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ.
{ مَدْحُورًا} : مَطْرُودًا.
{ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ.
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} : يُذْكَرُ بِخَيْرٍ.
{ وَيُقَالُ يَسْتَسْخِرُونَ} : يَسْخَرُونَ.
{ بَعْلًا} : رَبًّا.
{ الأَسْبَابُ} : السَّمَاءُ.

( [37] سورة الصَّافَّاتِ)
مكية وآيها إحدى أو اثنتان وثمانون، ولأبي ذر: سورة والصافات بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر.

( وقال مجاهد) في قوله تعالى بسورة سبأ: ( { ويقذفون} ) بفتح أوله وكسر ثالثه ( { بالغيب من مكان بعيد} ) [سبأ: 53] أي ( من كل مكان) ، وعند ابن أبي حاتم عنه من مكان بعيد يقولون هو ساحر هو كاهن هو شاعر، وقال مجاهد أيضًا في قوله: ( { ويقذفون من كل جانب} ) [الصافات: 8] بالصافات أي ( يرمون) وفي نسخة من كل جانب دحورًا يرمون أي يرمون من كل جانب من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده ودحروا علة الطرد أي للدحور فنصبه على أنه مفعول له.

ولهم عذاب ( { واصب} ) [الصافات: 9] أي ( دائم) وقيل شديد.

( { لازب} ) في قوله: { إنّا خلقناهم من طين لازب} [الصافات: 11] معناه ( لازم) بالميم بدل الموحدة ومنه قول النابغة:
ولا تحسبون الشر ضربة لازب
بالموحدة أي لازم بالميم فهما بمعنى لأنه يلزم اليد أي يلصق بها وقيل بالموحدة اللزج وأكثر أهل اللغة على أن الباء في لازب بدل من الميم وهذا كله ساقط في رواية أبي ذر ( تأتوننا عن اليمين يعني الحق) أي الصراط الحق فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق، ولأبي ذر عن الكشميهني يعني الجن بالجيم والنون المشدّدة والمراد به بيان المقول لهم
وهم الشياطين وبالأول تفسير لفظ اليمين واليمين هنا استعارة عن الخيرات والسعادات لأن الجانب الأيمن أفضل من الأيسر إجماعًا، وعن اليمين حال من فاعل تأتوننا، والمراد بها الجارحة عبّر بها عن القوّة وإما الحلف لأن المتعاقدين بالحلف يمسح كلٌّ منهما يمين الآخر فالتقدير على الأول تأتوننا أقوياء وعلى الثاني مقسمين حالفين ( الكفار تقوله للشيطان) وفي نسخة للشياطين بالجمع وقد كانوا يحلفون لهم أنهم على الحق.

( { غول} ) أي ( وجع البطن) وبه قال قتادة، وقال الليث: صداع { ولا هم عنها} ( { ينزفون} ) [الصافات: 47] أي ( لا تذهب عقولهم) وينزفون بضم أوّله وفتح الزاي من نزف الرجل ثلاثيًّا مبنيًّا للمفعول بمعنى سكر وذهب عقله وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي من أنزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر.

( { قرين} ) [الصافات: 51] أي ( شيطان) أي في الدنيا ينكر البعث ويوبخني على التصديق بالبعث والقيامة وسقط لأبي ذر من قوله ( غول) إلى هنا.

( { يهرعون} ) في قوله: { فهم على آثارهم يهرعون} [الصافات: 70] ( كهيئة الهرولة) والمعنى أنهم يتبعون آباءهم اتباعًا في سرعة كأنهم مزجون على الإسراع على أثرهم فكأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث.

( { يزفون} ) في قوله: { فأقبلوا إليه يزفون} [الصافات: 94] هو ( النسلان) بفتحتين الإسراع ( في المشي) مع تقارب الخطا وهو دون السعي.

( { وبين الجنة نسبًا} ) في قوله تعالى: { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا} [الصافات: 158] ( قال كفار قريش: الملائكة بنات الله) فقال أبو بكر الصديق فمن أمهاتهم؟ فقالوا: ( وأمهاتهم بنات سروات الجن) بفتح السين والراء أي بنات خوّاصهم، وعن ابن عباس هم حيّ من الملائكة يقال لهم الجن منهم إبليس، وقيل هم خزان الجنة.

قال الإمام فخر الدين: وهذا القول عندي مشكل لأن الله تعالى أبطل قولهم إن الملائكة بنات الله ثم عطف عليه قوله: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا والعطف يقتضي كون المعطوف مغايرًا للمعطوف عليه فوجب أن يكون المراد من الآية غير ما ذكر، وأما قول مجاهد الملائكة بنات الله الخ فبعيد لأن المصاهرة لا تسمى نسبًا.
وحكى ابن جرير الطبري عن العوفي عن ابن عباس قال: زعم أعداء الله أن الله تعالى هو وإبليس أخوان.
ذكره ابن كثير، وزاد الإمام فخر الدين: فالله هو الحر الكريم وإبليس هو الأخ الشريد ونسبه لقول بعض الزنادقة وقال: إنه أقرب الأقاويل في هذه الآية.

( وقال الله تعالى: { ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون} ) [الصافات: 158] أي ( ستحضرون) أيها القائلون هذا القول ( للحساب) بضم المثناة الفوقية وفتح الضاد المعجمة وسقط
من قوله ( يزفون) إلى قوله ( للحساب) لأبي ذر.

( وقال ابن عباس) فيما وصله ابن جرير في قوله: ( { لنحن الصافون} ) [الصافات: 165] ( الملائكة) والمفعول محذوف أي الصافون أجنحتنا أو أقدامنا، ويحتمل أن لا يراد المفعول أي نحن من أهل هذا الفعل فعلى الأوّل يفيد الحصر أي أنهم الصافون في مواقف العبودية لا غيرهم وقال الكلبي صفوف الملائكة كصفوف الناس في الأرض.

( { صراط الجحيم} ) في قوله تعالى: { فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 3] أي ( سواء الجحيم ووسط الجحيم) بسكون السين وفي اليونينية بفتحها.

( { لشوبا} ) أي ( يخلط طعامهم ويساط) أي يخل ( بالحميم) الماء الحار التشديد فإذا شربوه قطع أمعاءهم.

( { مدحورًا} ) بسورة الأعراف أي ( مطرودًا) لأن الدحر هو الطرد وسقط من قوله صراط إلى هنا لأبي ذر.

( بيض مكنون) قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم ( اللؤلؤ المكنون) أي المصون.
قال الشماخ:
ولو أني أشاء كننت نفسي ... إلى بياض بهكنة شموع
والشموع: اللعوب والبهكنة الممتلئة.
وقال غير ابن عباس: المراد بيض النعام وهو بياض مشوب ببعض صفرة وهو أحسن ألوان الأبدان.
وقال ذو الرمة:
بياض في ترح صفراء في غنج ... كأنها فضة قد مسها ذهب
( { وتركنا عليه في الآخرين} ) [الصافات: 78] أي ( يذكر بخير) وثناء حسن فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم الدين وسقط لأبي ذر من قوله وتركنا عليه الخ.

( { ويقال يستسخرون} ) أي ( يسخرون) ومراده قوله تعالى: { وإذا رأوا آية يستسخرون} [الصافات: 14] قال ابن عباس: آية يعني انشقاق القمر، وقيل: يستدعي بعضهم من السخرية وسقط ويقال لغير أبي ذر.

( { بعلًا} ) في قوله: { أتدعون بعلًا} [الصافات: 15] أي ( ربًّا) بلغة اليمن سمع ابن عباس رجلًا ينشد ضالة فقال آخر أنا بعلها فقال الله أكبر وتلا الآية.

( { الأسباب} ) هي ( السماء) قاله ابن عباس فيما وصله الطبري وثبت هنا الأسباب السماء لأبي ذر عن الكشميهني.