فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ذكر الملائكة

باب ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ.

     وَقَالَ  أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: { لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} الْمَلاَئِكَةُ
( باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم) الملائكة: جمع ملأك على الأصل كالشمائل جمع شمأل والتاء لتأنيث الجمع وتركت الهمزة في المفرد للاستثقال وهو مقلوب مألك من الألوكة وهي الرسالة لأنهم وسائط بين الله وبين الناس فهم رسل الله أو كالرسل إليهم، واختلف العقلاء في حقيقتهم بعد اتفاقهم على أنهم ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المسلمين إلى أنهم أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك، وقالت طائفة من النصارى: هي النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للأبدان، وزعم الحكماء أنها جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة منقسمة إلى قسمين: قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره كما وصفهم في محكم التنزيل فقال: { يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20] وهم العليون والملائكة المقربون.
وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض
على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الإلهي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات أمرًا فمنهم سماوية ومنهم أرضية، فهم بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام: فمنهم حملة العرش، ومنهم كروبيون الذين هم حول العرش وهم أشراف الملائكة مع حملة العرش وهم الملائكة المقربون، ومنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل.
وقد ذكر الله تعالى أنهم يستغفرون بظهر الغيب، ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة لا يفترون فمنهم الراكع دائمًا والقائم دائمًا والساجد دائمًا، ومنهم الذين يتعاقبون زمرة بعد زمرة إلى البيت المعمور كل يوم سبعون ألفًا يعودون إليه، ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرامة لأهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها من ملابس ومساكن ومآكل ومشارب وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة، ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم فإذا جاء قدر الله خلوا عنه، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد لا يفارقون الإنسان إلا عند الجنابة والغائط والغسل.

وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لجبريل عليه السلام: "على أي شيء أنت"؟ قال: على الريح والجنود.
قال: "وعلى أي شيء ميكائيل"؟ قال: على النبات والقطر.
وفي حديث أنس عند الطبراني مرفوعًا: "إن ميكائيل ما ضحك منذ خلقت النار".
وورد أن له أعوانًا يفعلون ما يأمرهم به فيصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله تعالى.

وروينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقرّها في الأرض، واتفق على عصمة الرسل منهم كعصمة رسل البشر وأنهم معهم كهم مع أممهم في التبليغ وغيره واختلف في غير الرسل منهم، فذهب بعضهم إلى القول بعدم عصمتهم لقصة هاروت وماروت وما روي عنهما من شرب الخمر والزنا والقتل مما رواه أحمد مرفوعًا وصححه ابن حبان، ومفهوم آية { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى} [البقرة: 34] الآية.
إذ مفهومها أن إبليس كان منهم وإلا لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه منهم قال في الأنوار: ولا يرد على ذلك قوله تعالى: { إلا إبليس كان من الجن} [الكهف: 50] لجواز أن يقال كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعًا، ولأن ابن عباس روى أن من الملائكة ضربًا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس، وحاصله أن من الملائكة من ليس بمعصوم وإن كان الغالب فيهم العصمة، كما أن من الإنس معصومين وإن كان الغالب فيهم عدمها، ولعل ضربًا من الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات وإنما يخالفهم بالعوارض والصفات كالبررة والفسقة من الإنس والجن والذي عليه المحققون عصمة الملائكة مطلقًا.

وأجابوا: بأن إبليس كان جنيًّا نشأ بين أظهر الملائكة وكان مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه، أو أن الجن كانوا مأمورين مع الملائكة، لكن استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم فإنه إذا علم أن الأكابر مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به علم أن الأصاغر أيضًا مأمورون به.

وأما قصة هاروت وماروت فرواها الإمام أحمد وابن حبان.
ولفظ أحمد: حدّثنا يحيى بن أبي بكر، حدّثنا زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن آدم لما أهبط إلى الأرض قالت الملائكة أي رب { أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] الآية.
قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم.
قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها.
فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدًا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها.
فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتله أبدًا.
فذهبت ثم رجعت بقدح خمر فسألاها نفسها.
فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي، فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا ابيتماه عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما فخيّرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورجاله كلهم من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير هذا وهو الأنصاري السلمي الحذاء.
وذكره ابن حبان في كتاب الجرح والتعديل ولم يحك فيه شيئًا فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وروي له متابع من وجه آخر عند ابن مردويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن رواه عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون به من الذنوب فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت الحديث.

ورواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به عن كعب الأحبار قال الحافظ ابن كثير:
فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل وقيل: إنهما كانا قبيلين من الجن قاله ابن حزم وهذا غريب وبعيد عن اللفظ، وعند ابن الجوزي في زاد المسير أنهما هَمّا بالمعصية ولم يفعلاها، ومنهم من قرأ الملكين بكسر اللام وقال إنهما علجان من أهل فارس قاله الضحاك.

وروى الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن ابن عباس وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما وقع الناس من بعد آدم عليه السلام فيما وقعوا فيه من المعاصي الحديث وفيه قال: وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن الزهرة.

( وقال أنس) فيما وصله المؤلّف في الهجرة ( قال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام ( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن جبريل عليه السلام عدوّ اليهود من الملائكة) روي أنه إنما كان عدوًّا لهم لأنه كان يطلع الرسول عليه السلام على أسرارهم وأنه صاحب كل خسف وعذاب.

( وقال ابن عباس) فيما وصله الطبراني ( لنحن الصافون) أي ( الملائكة) .


[ قــ :3060 ... غــ : 3207 ]
- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ.
.

     وَقَالَ  لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ -وَذَكَرَ يعنِي رَجُلاً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلأن حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا.
وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ، حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ؛ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ.
قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى، فَقَالاَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ.
قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْتُ يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بك مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قيلَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ جِبْرِيلُ: قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ.
فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا الْغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي.
فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ.
وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرٍ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ، فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ.
فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ،.
وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ.
ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَىَّ خَمْسُونَ صَلاَةً.
قَالَ:
أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ.
فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْسًا: فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا.
فَقَالَ مِثْلَهُ: قُلْتُ: فَسَلَّمْتُ.
فَنُودِيَ: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي.
وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا".

وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ».
[الحديث 3207 - أطرافه في: 3393، 3430، 3887] .

وبه قال: ( حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون المهملة وفتح الموحدة القيسي البصري ويقال له هداب قال: ( حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة ( عن قتادة) بن دعامة ( وقال لي خليفة) أي ابن خياط العصفري مذاكرة ولفظ المتن الخليفة، وفي نسخة ح لتحويل السند ( وقال لي خليفة) :
( حدّثنا يزيد بن زريع) بزاي مضمومة فراء مفتوحة مصغرًا العيشي البصري قال: ( حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة واسمه مهران اليشكري ( وهشام) هو الدستوائي ( قالا: حدّثنا قتادة) قال: ( حدّثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة) الأنصاري ( رضي الله عنهما) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( بينا) بغير ميم ( أنا عند البيت) الحرام ( بين النائم واليقظان) .
هو محمول على ابتداء الحال ثم استمر يقظان في القصة كلها، وأما ما وقع في رواية شريك في التوحيد في آخر الحديث فلما استيقظ، فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال وإلاّ حمل على أن المراد باستيقظت أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي، وقال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين رواية شريك أنه كان نائمًا زيادة مجهولة ثم قال وشريك ليس بالحافظ ( - وذكر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يعني رجلاً بين الرجلين-) وهذا مختصر أوضحته رواية مسلم من طريق سعيد عن قتادة بلفظ: إذ سمعت قائلاً يقول أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت فانطلقوا بي، وقد ثبت أن المراد بالرجلين حمزة وجعفر فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان نائمًا بينهما.
وقال الكرماني: ثلاثة رجال وهم الملائكة تصوّروا بصورة الإنسان فلينظر، وسقط لغير الأصيلي وأبي الوقت قوله يعني رجلاً ( فأتيت بطست) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والطست بفتح الطاء وسكون السين المهملتين مؤنث ( من ذهب ملئ حكمة وإيمانًا) بضم الميم وكسر اللام فهمزة مبنيًا للمفعول في الماضي كذا في الفرع، وضبط الدمياطي، والتذكير باعتبار الإناء.
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ملآن بفتح الميم وسكون اللام وزيادة نون بعد الهمزة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ملأى بفتح الميم وسكون اللام وفتح الهمزة ولعله من باب التمثيل أو مثلت له المعاني كما مثلت له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها.

( فشق) الملك وفي الفرع بضم الشين للمفعول ( من النحر إلى مراق البطن) بفتح الميم وتخفيف الراء بعدها ألف فقاف مشدّدة وأصله مراقق بقافين فأدغمت الأولى في الثانية وهو ما سفل من البطن ورق من جلده ( ثم غسل البطن) المقدس بضم الغين مبنيًا للمفعول ( بماء زمزم) الذي هو أفضل المياه على ما اختير.
وهذا الشق غير الذي وقع له في زمن حليمة السعدية ( ثم ملئ) القلب ( حكمة، وإيمانًا وأتيت بدابة أبيض) لم يقل بيضاء نظرًا إلى المعنى أي بمركوب أبيض ( دون البغل وفوق الحمار) هو ( البراق) ويجوز جره بدلاً من دابة واشتقاقه من البرق لسرعة مشيه وكان الأنبياء يركبونه، ( فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا) ، لم يذكر مجيئه لبيت المقدس كما في التنزيل { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] وليس صعوده إلى السماء كان على البراق بل نصب له المعراج فرقي عليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولعل الراوي اقتصر أو وقع تعدد المعراج ( قيل: من هذا؟) ولأبي ذر: فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل، لخازن السماء: افتح.
قال: من هذا؟ ( قال) ولأبي ذر: قيل ( جبريل.
قيل: ومن معك؟ قيل)
ولأبي الوقت: قال ( محمد.
قيل: وقد أرسل إليه)
للعروج به إلى السماوات ( قال) جبريل: ( نعم.
قيل: مرحبًا به)
، أي لقي رحبًا وسعة ( ولنعم المجيء جاء) قال المظهري: المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير تقديره جاء فنعم المجيء مجيئه.
وقال في التوضيح: فيه شاهد على جواز الاستغناء بالصلة عن الموصول في ( نعم) إذ التقدير: نعم المجيء الذي جاءه، ( فأتيت على آدم فسلمت عليه.
فقال: مرحبًا بك من ابن ونبيّ، فأتينا السماء الثانية قيل: من هذا؟ قال جبريل: قيل من)
وللأصيلي: ومن ( معك؟ قال: محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لغير أبي ذر ( قيل: أرسل إليه؟ قال) جبريل: ( نعم.
قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى ويحيى)
ابني الخالة ( فقالا.
مرحبًا بك، من أخ ونبي، فأتينا السماء الثالثة قيل: من هذا؟ قيل: جبريل.
قيل: من معك؟ قال: محمد.
قيل)
: ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: ( وقد أرسل إليه؟ قال) جبريل: ( نعم.
قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت يوسف)
ولأبي ذر فأتيت على يوسف ( فسلمت عليه) سقط لأبي ذر لفظ عليه ( قال) : ولأبي ذر.
فقال ( مرحبًا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة قيل: من هذا؟ قيل) ولأبي ذر قال ( جبريل.
قيل: من معك؟ قيل: محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
سقطت التصلية لغير أبي ذر ( قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم.
قيل: مرحبًا به، ولنعم)
ولأبي ذر: ونعم ( المجيء جاء، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال: مرحبًا من) ولابن عساكر وأبي الوقت مرحبًا بك من ( أخ ونبي) خاطبه بلفظ الأخوّة وإن كان المناسب لفظ النبوّة تلطفًا وتأدّبًا والأنبياء أخوة ( فأتينا السماء الخامسة قيل: من هذا؟ قال) : ولأبي ذر قيل ( جبريل.
قيل: ومن معك؟)
بالواو ( قيل: محمد.
قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم.
قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء، فأتينا على هارون فسلمت عليه)
سقط لأبي ذر لفظ عليه ( فقال مرحبًا بك من أخ ونبي، فأتينا على السماء السادسة.
قيل: من هذا؟ قيل: جبريل.
قيل: من معك؟ قيل)
: وفي نسخة قال ( محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر ( قيل: وقد أرسل إليه مرحبًا به) ، سقط قال:
نعم.
قيل: ( ولنعم) ولأبي ذر: نعم ( المجيء جاء، فأتيت على موسى فسلمت فقال) : ولأبي ذر عن الكشميهني فسلمت عليه فقال: ( مرحبًا بك من أخ ونبي.
فلما جاوزت)
بحذف الضمير المنصوب ( بكى) شفقة على قومه حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه الأمة بمتابعة نبيهم ولم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم ( فقيل: ما أبكاك؟ قال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي) .
أشار إلى تعظيم شأن نبينا ومنة الله تعالى عليه حيث أتحفه بتحف الكرامات وخصوص الزلفى والهبات من غير طول عمر أفناه مجتهدًا في الطاعات، والعرب تسمي الرجل المستجمع السن غلامًا ما دامت فيه بقية من القوّة، فالمراد استقصار مدته مع استكثار فضائله واستتمام سواد أمته.
( فأتيا السماء السابعة قيل من هنا قيل: جبريل.
قيل من معك؟ قيل: محمد.
قيل: وقد أرسل إليه مرحبًا به)
، سقط هنا أيضًا قال: نعم قيل: ( ونعم) بغير لام، ولأبي ذر ولنعم ( المجي جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت) زاد أبو ذر عن الكشميهني عليه ( فقال: مرحبًا بك.
من ابن ونبي)
سقط لفظ بك من بعض النسخ كذا وقع هنا أنه رأى إبراهيم في السابعة.
وفي أول كتاب الصلاة في السادسة فإن قيل بتعدد الإسراء فلا إشكال وإلاّ فيحتمل أن يكون رآه في السادسة ثم ارتقى هو أيضًا إلى السابعة.
( فرفع) بضم الراء أي كشف ( لي) وقرب مني ( البيت المعمور) المسمى بالضراح بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء آخره حاء مهملة حيال الكعبة وعمارته بكثرة من يغشاه من الملائكة ( فسألت جبريل) .
أي عنه ( فقال، هذا البيت المعمور.
يصلّي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم)
بنصب آخر على الظرفية أو بالرفع بتقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله ( ورفعت لي سدرة المنتهى) أي كشف لي عنها وقربت مني السدرة التي ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله ( فإذا نبقها) بفتح النون وكسر الموحدة ( كأنه قلال هجر) بكسر القاف جمع قلة وهجر بفتحات لا ينصرف.
وفي الفرع صرفه ( وورقها كأنه آذان الفيول) بضم الفاء جمع قيل الحيوان المشهور أي في الشكل لا في المقدار ( في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل؟) عنها ( فقال: أما الباطنان ففي الجنة) نقل النووي عن مقاتل أن الباطنين السلسبيل والكوثر ( وأما الظاهران النيل والفرات) يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث شاء الله ثم يخرجان من الأرض ويجريان فيها.
( ثم فرضت عليّ خسون صلاة.
فأقبلت حتى جئت موسى.
فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت عليّ خمسون صلاة.
قال: أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة)
.

قال التوربشتي: أي مارستهم ولقيت الشدة فيما يردت منهم من الطاعة والمعالجة مثل المزاولة والمحاولة، ( وإن أمتك لا تطيق) ذلك ولم يقل إنك وأمتك لا يطيقون لأن العجز مقصور على الأمة لا يتعداهم إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو لما رزقه الله من الكمال يطيق أكثر من ذلك، وكيف لا وقد جعلت قرة عينه في الصلاة ( فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيت فيه ربك ( فسله) أي التخفيف ( فرجعت فسألته) أي التخفيف ( فجعلها أربعين) أي صلاة ( ثم) قال موسى ( مثله) أي ما تقدم من المراجعة وسؤال التخفيف ( ثم) جعلها الله تعالى ( ثلاثين) صلاة ( ثم) قال موسى أيضًا
( مثله فجعلها) الله تعالى ( عشرين) صلاة ( ثم) قال موسى ( مثله فجعلها) الله تعالى ( عشرًا، فأتيت موسى فقال: مثله فجعلها خمسًا فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها) سبحانه وتعالى ( خمسًا.
فقال: مثله قلت: سلمت)
بتشديد اللام من التسليم أي سلمت فلم يراجعه تعالى لأني استحييت منه جل وعلا.
وزاد في غير رواية أبي ذر هنا بخير ( فنودي) من قبل الله تعالى ( إني) بكسر الهمزة ( قد أمضيت) أي أنفذت ( فريضتي) بخمس صلوات ( وخففت عن عبادي) من خمسين إلى خمس ( وأجري الحسنة عشرًا) ثواب كل صلاة عشرًا.
وفيه دليل على جواز النسخ قبل الوقوع، وأنكره أبو جعفر النحاس لأن ذلك من البداء وهو محال على الله تعالى، ولأن النسخ وإن جاز قبل العمل عند من يراه فلا يجوز قبل وصوله إلى المخاطبين فهو شفاعة شفعها عليه الصلاة والسلام لا نسخ.

وأجيب: بأن النسخ إنما وقع فيما وجب على الرسول من التبليغ وبأن الشفاعة لا تنفي النسخ فقد تكون سببًا له أو أن هذا كان خبرًا لا تعبدًا فلا يدخله النسخ، ومعناه أنه تعالى أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام أن على أمته خمسين صلاة في اللوح المحفوظ، ولذا قال في الحديث في رواية: هي خمس وهي خمسون والحسنة بعشر أمثالها، فتأوّله عليه السلام على أنها خمسون بالفعل فلم يزل يراجع ربه حتى بيّن له أنها في الثواب لا بالعمل.

( وقال همام) بالإسناد السابق بتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي ( عن قتادة) بن دعامة ( عن الحسن) البصري ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البيت المعمور) يريد أن سعيد بن أبي عروبة وهشامًا الدستوائي أدرجا قصة البيت المعمور في قصة الإسراء، والصواب رواية همام هذه حيث فصلها من قصة الإسراء لكن قال يحيى بن معين لم يصح للحسن سماع من أبي هريرة.




[ قــ :3061 ... غــ : 308 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ.
ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ.
وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
[الحديث 308 - أطرافه في: 333، 6594، 7454] .

وبه قال: ( حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة ابن سليمان البوراني بضم الموحدة وسكون الواو وفتح الراء البجلي الكوفي قال: ( حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء المهملة الساكنة وفتح الواو آخره صاد مهملة سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي مولى بني حنيفة الكوفي ( عن
الأعمش)
سليمان بن مهران ( عن زيد بن وهب) أبي سليمان الهمداني الكوفي أنه قال، ( قال عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه-: ( حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في قوله: ( المصدوق) فيما وعده به ربه تعالى.
قال في شرح المشكاة: الأولى أن تجعل الجملة اعتراضية لا حالية لتعم الأحوال كلها وأن يكون من عادته ودأبه ذلك فما أحسن موقعها ( قال) :
( إن أحدكم يجمع خلقه) بضم الياء وسكون الميم وفتح الميم مبنيًا للمفعول ( في بطن أمه أربعين يومًا) ، أي يضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار ليخمر فيها حتى يتهيأ للخلق، وفي قوله خلقه تعبير بالمصدر عن الجثة وحمل على أنه بمعنى المفعول كقولهم: هذا ضرب الأمير أي مضروبه.

وقال الخطابي: روي عن ابن مسعود في تفسيره أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرًّا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دمًا في الرحم فذلك جمعها.
وهذا رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وقد رجح الطيبي هذا التفسير فقال: والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق فيما يتحدثون به وأكثرهم احتياطًا للتوقي عن خلافه فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم.

قال في الفتح: وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما ظاهره يخالف ذلك ولفظه:
إذا أراد الله خلق عبد جامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبك.

( ثم يكون علقة) دمًا غليظًا جامدًا ( مثل ذلك) الزمان ( ثم يكون مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ ( مثل ذلك) ، الزمان.
واختلف في أوّل ما يتشكل من الجنين فقيل: قلبه لأنه الأساس ومعدن الحركات الغريزية، وقيل: الدماغ لأنه مجمع الحواس ومنه تنبعث، وقيل الكبد لأن فيه النموّ والاغتذاء الذي هو قوام البدن، ورجحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لأن النموّ هو المطلوب أوّلاً ولا حاجة له حينئذٍ إلى حس ولا حركة إرادية وإنما يكون له قوّة الحس والإرادة عند تعلق النفس به بتقديم الكبد ثم القلب ثم الدماغ.

( ثم يبعث الله ملكًا) إليه في الطور الرابع حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه ( فيؤمر) مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر ويؤمر ( بأربع كلمات) يكتبها كما قال ( ويقال له: اكتب عمله ورزقه) غذاءه حلالاً أو حرامًا قليلاً أو كثيرًا أو كل ما ساقه الله تعالى إليه لينتفع به كالعلم وغيره ( وأجله) طويلاً أو قصيرًا ( وشقي أو سعيد) حسب ما اقتضته حكمته وسبقت كلمته، ورفع شقي خبر مبتدأ محذوف وتاليه عطف عليه، وكان حق الكلام أن يقول: يكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد.
والظاهر أن الكتابة هي الكتابة المعهودة في صحيفته، وقد جاء ذلك مصرحًا به في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن أسيد: ثم تطوى
الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص، ووقع في حديث أبي ذر عنه فيقضي الله ما هو قاض فيكتب ما هو لاق بين عينيه.

( ثم) بعد كتابة الملك هذه الأربعة ( ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته ثم إن حكمة تحوّل الإنسان في بطن أمه حالة بعد حالة مع أن الله تعالى قادر على أن يخلقه في أقل من لمحة أن في التحويل فوائد: منها أنه لو خلقه دفعة واحدة لشق على الأم فجعله أوّلاً نطفة لتعتاد بها مدة ثم علقة كذلك وهلمّ جرًا، ومنها إظهار قدرته تعالى حيث قلبه من تلك الأطوار إلى كونه إنسانًا حسن الصورة متحليًا بالعقل، ومنها التنبيه والإرشاد على كمال قدرته على الحشر والنشر لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين ثم من علقة ثم من مضغة قادر على إعادته وحشره للحساب والجزاء؛ قاله المظهري.

فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون نصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل أو رفع وهو الذي في الفرع على أن حتى ابتدائية.
وفي كتاب القدر من طريق أبي الوليد الطيالسي عن شعبة عن الأعمش وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون ( بينه وبين الجنة إلاّ ذراع) ، أي ما يبقى بينه وبين أن يصل إلى الجنة إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع فهو تمثيل بقرب حاله من الموت وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة ( فيسبق عليه كتابه) الذي كتبه الملك وهو في بطن أمه والفاء للتعقيب الدال على حصول السبق بغير مهملة ( فيعمل) عند ذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني: يعمل ( بعمل أهل النار) أي فيدخلها ( ويعمل) أي بعمل أهل النار ( حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة) .
أي فيدخلها وفيه أن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد والقدر ومسلم في القدر وكذا أبو داود والترمذي وابن ماجه، وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى.
بعون الله وقوّته.




[ قــ :306 ... غــ : 309 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَتَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ.
فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ.
ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ».
[الحديث 309 - طرفاه في: 6040، 7485] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام البيكندي كما ضبطه ابن ماكولا وغيره قال: ( أخبرنا مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد الحراني قال: ( أخبرنا ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: أخبرني) بالإفراد ( موسى بن عقبة) الإمام في المغازي ( عن نافع) أنه ( قال: قال أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وتابعه أبو عاصم)
الضحاك بن مخلد النبيل شيخ المؤلّف مما ساقه في الأدب عن عمرو بن عليّ عنه ( عن ابن جريج) عبد الملك أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إذا أحب الله العبد نادى جبريل) نصب على المفعولية ( إن الله يحب فلانًا فأحببه) بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة وأخرى ساكنة على الفك ( فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه) بتشديد الموحدة ( فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في) أهل ( الأرض) .
ممن يعرفه من المسلمين.
وزاد روح بن عبادة عن ابن جريج عند الإسماعيلي: وإذا أبغض عبدًا نادى جبريل عليه السلام: إني أبغض فلانًا فأبغضه قال فيبغضه جبريل.
ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغض في الأرض.

وفيه: إن محبوب القلوب محبوب الله ومبغوضها مبغوض الله، ومتن الحديث الذي ساقه المؤلّف بلفظ الرواية الثانية المعلقة، وفيه مباحث تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في كتاب الأدب.




[ قــ :3063 ... غــ : 310 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ -وَهْوَ السَّحَابُ- فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ».
[الحديث 310 - أطرافه في: 388، 576، 613، 7561] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد) قيل هو ابن يحيى الذهلي.
وقال أبو ذر الهروي هو البخاري ورجحه الحافظ ابن حجر بأن أبا نعيم والإسماعيلي لم يجداه من غير رواية البخاري ولو كان عند غير البخاري لما ضاق عليهما مخرجه، وتعقبه العيني بأن عدم وجدانهما للحديث لا يستلزم أن يكون محمد هنا هو البخاري وهذا ظاهر لا يخفى ولم تجر عادة البخاري بأن يذكر اسمه قبل ذكر شيخه قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم قال: ( أخبرنا الليث) بن سعد الإمام قال: ( حدّثنا ابن أبي جعفر) عبيد الله واسم أبي جعفر يسار القرشي ( عن محمد بن عبد الرحمن) الأسود ( عن عروة بن الزبير) بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر قوله زوج النبي الخ ( أنها) قالت ( سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إنَّ الملائكة تنزل في العنان) بفتح العين المهملة والنون المخففة ( وهو السحاب) زنة ومعنى وهو تفسير الراوي للعنان أدرجه في الحديث فالسحاب مجاز عن السماء كما أن السماء مجاز عن السحاب في قوله تعالى: { وأنزلنا من السماء ماء طهورًا} [الفرقان: 48] في وجه ( فتذكر)
الملائكة ( الأمر) الذي ( قضي في السماء) وأصل ذلك أن الملائكة تسمع في السماء ما قضى الله تعالى في كل يوم من الحوادث فيحدث بعضهم بعضًا ( فتستردّ الشياطين السمع) أي تختلسه منهم والقاف مخففة ( فتسمعه فتوحيه إلى الكهان) ، بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن من يخبر بالمغيبات المستقبلة ( فيكذبون معها) أي مع الكلمة المسموعة من الشياطين ( مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة وفي اليونينية بكسرها ( من عند أنفسهم) .




[ قــ :3064 ... غــ : 311 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلاَئِكَةُ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي ونسبه إلى جده واسم أبيه عبد الله قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال ( حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( والأغرّ) بفتح الهمزة والغين المعجمة آخره راء مشدّدة سلمان الجهني مولاهم المدني، وللكشميهني: والأعرج أي عبد الرحمن بن هرمز بدل الأغرّ.
قال في الفتح: والأغر أرجح لأنه مشهور من روايته.
نعم أخرجه النسائي من وجه آخر عن الزهري عن الأعرج وحده، ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة) ولأبي ذر: ملائكة ( يكتبون) الداخل ( الأوّل فالأوّل) الفاء لترتيب النزول من الأعلى إلى الأدنى وللتعاقب الذي ينتهي إلى أعداد كثيرة ( فإذا جلس الإمام) على المنبر ( طووا الصحف) التي كتبوا فيها المبادرين إلى الجمعة ( وجاؤوا يستمعون الذكر) أي الخطبة.

وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الجمعة بأتم من هذا.




[ قــ :3065 ... غــ : 31 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: "مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: نَعَمْ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سعيد بن المسيب) أنه ( قال: مرّ عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ( في المسجد) النبوي المدني ( وحسان) بن ثابت
الأنصاري والواو للحال ( ينشد) بضم أوّله وكسر ثالثه الشعر في المسجد فأنكر عليه عمر ( فقال) حسان: ( كنت أنشد فيه) أي في المسجد ( وفيه من هو خير منك) يعني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ثم التفت إلى أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة الاستفهام الاستخباري ( يقول) : يا حسان.

( أجب عني) أي قل جواب هجاء المشركين عن جهتي ( اللهمّ أيّده بروح القدس) جبريل وإضافة الروح إلى القدس وهو الطهر كقولهم: حاتم الجود.

وهذا موضع الترجمة.
وإنما دعا له بذلك لأن عند أخذه في الطعن والهجو في المشركين وأنسابهم مظنة الفحش من الكلام وبذاءة اللسان، وقد يؤدّي ذلك إلى أن يتكلم عليه فيحتاج الى التأييد من الله بأن يقدّسه من ذلك بروح القدس وهو جبريل.

( قال) أبو هريرة: ( نعم) سمعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول ذلك.

وسياق البخاري لهذا الحديث كما نبه عليه الإسماعيلي يقتضي أنه مرسل سعيد بن المسيب، فإنه لم يحضر مراجعة عمر -رضي الله عنه- وحسان، لكن عند الإسماعيلي من رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ما يقتضي أن أبا هريرة حدث سعيدًا بذلك بعد وقوعه.

وهذا الحديث قد سبق في باب الشعر في المسجد من أوائل الصلاة.




[ قــ :3066 ... غــ : 313 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَسَّانَ: اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ».
[الحديث 313 - أطرافه في: 413، 414، 6153] .

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ( عن البراء) بن عازب ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحسان) بن ثابت -رضي الله عنه-:
( أهجهم) بضم الهمزة والجيم أمر من هجا يهجو هجوًا وهو نقيض المدح وفي الفرع اهجهم بهمزة وصل ( أو هاجهم) من المهاجاة والشك من الراوي أي جازهم بهجوهم ( وجبريل معك) .

بالتأييد والمعونة وفيه جواز هجو الكفار وأذاهم ما لم يكن لهم أمان لأن الله تعالى قد أمر بالجهاد فيهم والإغلاظ عليهم لأن في الإغلاظ بيانًا لبغضهم والانتصار منهم بهجاء المسلمين ولا يجوز ابتداء لقوله تعالى: { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام: 108] .

( تنبيه) قوله: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحسان يفهم أنه من مسند البراء بن عازب، وعند الترمذي أنه من رواية البراء عن حسان كما أفاده في الفتح.




[ قــ :3067 ... غــ : 314 ]
- حَدَّثَنَا مَوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ.
ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ.
زَادَ مُوسَى: مَوْكِبَ جِبْرِيلَ".

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن حازم الأزدي البصري ( ح) للتحويل.

( وحدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: ( أخبرنا وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي) جرير بن حازم ( قال: سمعت حميد بن هلال) أي ابن هبيرة العدوي البصري ( عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه ( قال: كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم) بكسر سين سكة وفتح الغين المعجمة وسكون النون من غنم أي زقاق بني غنم.
قال الحافظ ابن حجر: بطن من الخزرج وهم من ولد غنم بن مالك بن النجار منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون.
( زاد موسى) بن إسماعيل التبوذكي في روايته فيما وصله في المغازي عنه ( موكب جبريل) عليه السلام برفع موكب في الفرع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل ويجوز نصبه بتقدير انظر موكب وجره بدلاً من لفظ غبار والموكب نوع من السير وجماعة الفرسان أو جماعة ركاب يسيرون برفق.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي.




[ قــ :3068 ... غــ : 315 ]
- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ الْحَرثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلكَ.
يَأْتِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَهْوَ أَشَدُّهُ عَلَىَّ، وَيَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ".

وبه قال: ( حدّثنا فروة) بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو ابن أبي المغراء الكندي الكوفي قال: ( حدّثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وكسر الهاء قاضي الموصل ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن الحرث بن هشام) المخزومي -رضي الله عنه- ( سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يحتمل أن يكون الحرث أخبر عائشة بذلك فيكون مرسلاً أو حضرت هي ذلك فيكون من مسندها، لكن قد أخرج ابن منده الحديث من طريق عبد الله بن الحرث عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحرث بن هشام قال: سألت ( كيف يأتيك الوحي؟) أي حامله فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز أو صفة الوحي نفسه فإسناد الإتيان حقيقة ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( كل ذاك) بغير لام ( يأتي الملك) جبريل عليه السلام ولأبي ذر عن الكشميهني يأتيني الملك ( أحيانًا) أي أوقاتًا ( في مثل صلصلة الجرس) أي مشابها صوت الجلجل الذي يعلق برؤوس الدواب ( فيفصم) بفتح التحتية وسكون الفاء وكسر الصاد المهملة من باب ضرب يضرب أي يقلع
( عني) ما يغشاني ( وقد وعيت) بفتح العين أي فهمت وحفظت ( ما قال) ، الملك ( وهو أشده عليّ، ويتمثل) أي يتصور ( لي الملك) جبريل ( أحيانًا رجلاً) كدحية أو غيره تانيسًا والقدر الزائد من خلقته لا يفنى بل يخفى على الرائي فقط ( فيكلمني فأعي ما يقول) .
أي الذي يقوله، وقد مرّ هذا الحديث أوّل الكتاب.




[ قــ :3069 ... غــ : 316 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ أَىْ فُلُ هَلُمَّ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ.
فقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا أدم) بن أبي أياس قال: ( حدّثنا شيبان) قال: ( حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( من أنفق زوجين) أي درهمين أو دينارين ( في سبيل الله دعته خزنة الجنة) .
الملائكة ( أي فل) بضم الفاء واللام وتفتح حذفت منه الألف والنون لغير ترخيم أي فلان ( هلمّ) أي اقرب وتعال وهو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز وفعل يؤنث ويجمع عند تميم وأصله عند البصريين هالمّ من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام فإنها الأصل وعند الكوفيين هل أم فحذفت الهمزة بالفاء حركتها على اللام.
( فقال أبو بكر) الصدّيق -رضي الله عنه-: ( ذاك الذي لا توى) بفتح الفوقية والواو ولا هلاك ولا ضياع ولا بأس ( عليه) أن يدخل بابًا ويترك آخر ( قال) ولأبي ذر: فقال ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : أي لأبي بكر ( أرجو أن تكون منهم) .
وهذا الحديث سبق في الجهاد.