فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من أشعر وقلد بذي الحليفة، ثم أحرم

باب مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ.

     وَقَالَ  نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا أَهْدَى مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ، وَوَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَةً
( باب من أشعر وقلد) هديه ( بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة ( ثم أحرم) بعد الإشعار والتقليد.

( وقال نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب مما وصله مالك في موطئه: ( كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا أهدى من المدينة قلده) أي الهدي بأن يعلق في عنقه نعلين من النعال التي تلبس في الإحرام ( وأشعره بذي الحليفة) من الإشعار بكسر الهمزة وهو لغة الإعلام وشرعًا ما هو مذكور

في قوله ( يطعن) بضم العين أي يضرب ( في شق) بكسر الشين المعجمة أي ناحية صفحة ( سنامه) بفتح السين المهملة أي سنام الهدي ( الأيمن) نعت لشق.
وقال مالك: في الأيسر وهو الذي في الموطأ.
نعم روى البيهقي عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يبالي في أي الشقين أشعر في الأيسر أو في الأيمن.
قال: وإنما يقول الشافعي بما روي في ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشير إلى حديث ابن عباس: أشعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الشق الأيمن ( بالشفرة) بفتح الشين المعجمة السكين العريضة بحيث يكشط جلدها حتى يظهر الدم ( ووجهها) أي البدنة ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( القبلة) أي في حالتي التقليد والإشعار حال كونها ( باركة) ويلطخها بالدم لتعرف إذا ضلت وتتميز إذا اختلطت بغيرها فإن لم يكن لها سنام أشعر موضعه هذا مذهب الشافعية وهو ظاهر المدونة، وفي كتاب محمد: لا تشعر لأنه تعذيب فيقتصر فيه على ما ورد.
وقال أبو حنيفة: الإشعار مكروه وخالفه صاحباه: فقالا: إنه سنّة، واحتج لأبي حنيفة بأنه مثلة وهي منهي غنها وعن تعذيب الحيوان.

وأجيب: بأن أخبار النهي عن ذلك عامة وأخبار الإشعار خاصة فقدمت.
وقال الخطابي: أشعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدنه آخر حياته ونهيه عن المثلة كان أول مقدمه المدينة مع أنه ليس من المثلة بل من باب آخر اهـ.

أي: بل هو كالختان والفصد وشق أذن الحيوان ليكون علامة وغير ذلك كالختان، وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة -رحمه الله- في إطلاقه كراهة الإشعار فقال ابن حزم في المحلى: هذه طامة من طوام العالم أن يكون مثلة شيء فعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أف لكل عقلٍ يتعقب حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذه قولة لأبي حنيفة لا نعلم له فيها متقدمًا من السلف ولا موافقًا من فقهاء عصره إلا من قلدها اهـ.

وقد ذكر الترمذي عن أبي السائب قال: كنا عند وكيع فقال له رجل روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإشعار مثلة فقال له وكيع: أقول لك أشعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتقول قال إبراهيم ما أحقك أن تحبس اهـ.

وهذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أنه ليس لأبي حنيفة سلف في ذلك، وقد أجاب الطحاوي مختصرًا لأبي حنيفة فقال: لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار بل ما يفعل منه على وجه يخاف منه هلاك البدن كسراية الجرح لا سيما مع الطعن بالشفرة فأراد سدّ الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، وأما من كان عارفًا بالسنة في ذلك فلا.
وقد ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه فدلّ على أنه ليس بنسك اهـ.

1694 و 1695 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالاَ "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ".
[الحديث


[ قــ :1621 ... غــ : 1694 ]
-
أطرافه في: 1811، 2712، 2731، 4158، 4178، 4181]
[الحديث 1695 - أطرافه في: 2711، 2732، 4157، 4179، 4180] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أحمد بن محمد) هو فيما قاله الدارقطني ابن شبويه، وقال الحاكم أبو عبد الله هو المروزي المعروف بمرويه ورجح المزي هذا الثاني قال: ( أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن) ابن شهاب ( الزهري عن عروة بن الزبير) بن العوام ( عن المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو ( ابن مخرمة) بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء أمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، وكان مولده بعد الهجرة بسنتين، وقدم المدينة بعد الفتح سنة ثلاث ابن ست سنين.
قال البغوي: حفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحاديث وحديثه عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خطبة عليّ بنت أبي جهل في الصحيحين وغيرهما وقع في بعض طرقه عند مسلم: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا محتلم، وهذا يدل على أنه ولد قبل الهجرة لكنهم أطبقوا على أنه ولد بعدها، وقد تأول بعضهم أن قوله محتلم من الحلم بالكسر لا من الحلم بالضم يريد أنه كان عاقلاً ضابطًا لما يتحمله، وتوفى في حصار ابن الزبير الأول أصابه حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلّي فأقام خمسة أيام ومات يوم أتي بنعي يزيد بن معاوية سنة أربع وستين لا في سنة ثلاث وسبعين، لأن ذلك الحصار كان من الحجاج، وفيه قتل ابن الزبير ولم يبق السور إلى هذا الزمان.
( ومروان) بن الحكم ابن أبي العاص القرشي الأموي ابن عم عثمان وكاتبه في خلافته ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع، وقال ابن أبي داود: كان في الفتح مميزًا وفي حجة الوداع، لكن لا أدري أسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا أم لا.
قال في الإصابة: ولم أر من جزم بصحبته فكأنه لم يكن حينئذٍ مميزًا ومن بعد الفتح أخرج أبوه إلى الطائف وهو معه فلم يثبت له أزيد من الرؤية وأرسل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقرنه البخاري بالسور بن مخرمة في روايته عن الزهري عنهما في قصة الحديبية وفي بعض طرقه عنده أنهما رويا عن بعض الصحابة وفي أكثرها أرسلاً الحديث، وولي مروان الخلافة سنة أربع وستين ومات في رمضان سنة خمس وله ثلاث أو إحدى وستون سنة.
قال في التقريب: ولم يثبت له صحبة ( قالا) : أي: المسور ومروان:
( خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة) زاد أبوا الوقت وذر عن الحموي والمستملي: زمن الحديبية ( في بضع عشرة مائة من أصحابه) بكسر الموحدة وقد تفتح ما بين الثلاث إلى التسع ( حتى إذا كانوا بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة المشهور ( قلد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهدي وأشعره) وعند الدارقطني أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساق يوم الحديبية سبعين بدنة عن سبعمائة رجل ( وأحرم بالعمرة) ويؤخذ منه أن السنة لمريد النسك أن يشعر ويقلد بدنه عند الإحرام من الميقات، وهل الأفضل تقديم الإشعار أو التقليد؟ قال في الروضة: صح في الأول خبر في صحيح مسلم، وصح في الثاني عن فعل ابن عمر وهو المنصوص، وزاد في المجموع أن الماوردي حكى الأول عن أصحابنا كلهم ولم يذكر فيه خلافًا.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الشروط والمغازي، وأبو داود في الحج، والنسائي في السنن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول وهو من المراسيل على ما مرّ.




[ قــ :16 ... غــ : 1696 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "فَتَلْتُ قَلاَئِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَىْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ".
[الحديث 1696 - أطرافه في: 1698، 1699، 1700، 1701، 170، 1703، 1704، 1705، 317، 5566] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا أفلح) بن حميد الأنصاري ( عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عن) عمته ( عائشة -رضي الله عنها- قالت) :
( فتلت) بالفاء ( قلائد بدن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي) بفتح الدال وتشديد الياء ( ثم قلدها) عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة ( وأشعرها وأهداها) قالت عائشة: ( فما) بالفاء قبل ما، ولأبوي الوقت وذر: وما ( حرم) بفتح الحاء وضم الراء ( عليه شيء كان أحل له) قبل ذلك من محظورات الإحرام.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.