فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك} [الشعراء: 215] ألن جانبك


[ قــ :4510 ... غــ : 4770 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» لِبُطُونِ قُرَيْشٍ.
حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِى تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا.
قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 1 - 2] .

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي قال: ( حدّثنا أبي) حفص قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني الجملي بالجيم والميم المفتوحتين ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: لما نزلت: { وأنذر عشيرتك الأقربين} ) زاد في سورة تبت: ورهطك منهم المخلصين وهو من عطف الخاص على العام وكان قرآنًا فنسخت تلاوته ( صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر) بكسر الفاء وسكون الهاء ( يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا
فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال)
أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( أرأيتكم) أي أخبروني ( لو أخبرتكم أن خيلًا) أي عسكرًا ( بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي) بتشديد الدال المكسورة والتحتية المفتوحة وأصله مصدقين لي فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت النون وأدغمت ياء الجمع في ياء المتكلم ومراده بذلك تقريرهم بأنهم يعلمون صدقه إذا أخبر عن شيء غائب ( قالوا: نعم) نصدقك ( ما جربنا عليك إلا صدقًا قال) عليه الصلاة والسلام: ( فإني نذير) أي منذر ( لكم بين يدي عذاب شديد) أي قدامه ( فقال أبو لهب) : لعنه الله ( تبًّا لك سائر اليوم) أي بقية وتبًّا نصب على المصدر بإضمار فعل أي ألزمك الله تبًّا ( ألهذا جمعتنا؟) بهمزة الاستفهام الإنكاري ( فنزلت: { تبت} ) أي هلكت أو خسرت ( { يدا أبي لهب} ) نفسه ( { وتب} ) أخبار بعد الدعاء ( { ما أغنى عنه ماله وما كسب} ) وكسبه بنوه.

وهذا الحديث من مراسيل الصحابة لأن ابن عباس إنما أسلم بالمدينة وهذه القصة كانت بمكة وكان ابن عباس إما لم يولد وإما طفلًا، وذكره المؤلّف في باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية من كتاب الأنبياء.




[ قــ :4511 ... غــ : 4771 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 14] قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.
يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.
وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا».
تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على الصفا (حين أنزل الله: ({ وأنذر عشيرتك الأقربين} قال):
(يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم) بتخليصها من العذاب بالطاعة لأنها ثمن النجاة (لا أغني عنكم من الله شيئًا) لا أدفع.
قال الله تعالى: { هل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء أو لا أنفعكم} [إبراهيم: 1] (يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا ويا صفية) وللأصيلي يا صفية (عمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا أغني عنك من الله شيئًا) ترقى في القرب من العم إلى الأمة في الأشخاص كما ترقى من قريش
إلى بني عبد مناف في القبيلة (ويا فاطمة بنت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا) ويجوز في ابن عبد المطلب وعمة وبنت النصب والرفع باعتبار اللفظ والمحل.
(تابعه) أي تابع أبا اليمان (أصبغ) بن الفرج شيخ المؤلّف (عن ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري.

وسبق في الوصايا القول في وجه هذه المتابعة.


[7] سورة النَّمْل
{ الْخَبْءُ} مَا خَبَأْتَ.
{ لاَ قِبَلَ} : لاَ طَاقَةَ { الصَّرْحُ} : كُلُّ مِلاَطٍ اتُّخِذَ مِنَ الْقَوَارِيرِ، وَالصَّرْحُ الْقَصْرُ وَجَمَاعَتُهُ صُرُوحٌ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: { وَلَهَا عَرْشٌ} : سَرِيرٌ { كَرِيمٌ} : حُسْنُ الصَّنْعَةِ وَغَلاَءُ الثَّمَنِ { مُسْلِمِينَ} طَائِعِينَ { رَدِفَ} اقْتَرَبَ { جَامِدَةً} قَائِمَةً { أَوْزِعْنِي} اجْعَلْنِي.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: { نَكِّرُوا} غَيِّرُوا.
{ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ { الصَّرْحُ} بِرْكَةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ أَلْبَسَهَا إِيَّاهُ.

([7] سورة النَّمْل)
مكية وهي ثلاث أو أربع وتسعون آية، ولأبي ذر: سورة النمل بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر وللنسفي تقديمها.

({ الخبء} ) لغير أبي ذر: والخبء بزيادة واو ومراده قوله تعالى: { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء} [النمل: 5] هو (ما خبأت) يقال خبأت الشيء أخبؤه خبأ أي سترته ثم أطلق على الشيء المخبوء ونحوه هذا خلق الله، وقيل: الخبء في السماوات المطر وفي الأرض النبات، وقيل الغيب وهو يدل على كمال القدرة وسمي الخبوء بالمصدر ليتناول جميع الأموال والأرزاق.

({ لا قبل} ) في قوله: { فلنأتينهم بجنود لا قبل} أي (لا طاقة) ({ لهم} ) بمقاومتها [النمل: 37] .

({ الصرح} ) في قوله: { قيل لها ادخلي الصرح} [النمل: 44] وهو (كل ملاط) بميم مكسورة الطين الذي يجعل بين سافي البناء وللأصيلي كما في الفتح بلاط بالموحدة المفتوحة ومثله لأبي ذر السكن وكذا ضبطه الدمياطي في نسخته (اتخذ) بضم الفوقية وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (من القوارير) وهو الزجاج الشفاف (والصرح القصر) وقال الراغب: بيت عال مزوّق سمي بذلك اعتبارًا بكونه صرحًا عن البيوت أي خالصًا (وجماعته) أي الصرح (صرح.
وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري في قوله تعالى: { ولها عرش} [النمل: 3] أي (سرير).

({ كريم} حسن الصنعة) بضم الحاء وسكون السين (وغلاء الثمن) وكان مضروبًا من الذهب مكللًا بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق.
وقال ابن عباس: كان عرشها ثلاثين ذراعًا في ثلاثين ذراعًا وطوله في السماء ثلاثون ذراعًا وعند ابن أبي حاتم ثمانون ذراعًا في أربعين.

({ مسلمين} ) ولأبي ذر والأصيلي: يأتوني مسلمين أي (طائعين) قاله ابن عباس فيما وصله الطبري.

({ ردف} ) في قوله: { عسى أن يكون ردف} [النمل: 7] قال ابن عباس (اقترب) فضمن ردف معنى فعل يتعدى باللام وهو اقترب أو أزف لكم وبعض الذي فاعل به أو ردف مفعوله محذوف واللام للعلة أي ردف الخلق لأجلكم أو اللام مزيدة في المفعول تأكيدًا كزيادتها في قوله: { لربهم يرهبون} أو فاعل ردف ضمير الوعد أي ردف الوعد أي قرب ودنا مقتضاه ولكم خبر مقدم وبعض مبتدأ مؤخر.

({ جامدة} ) في قوله: { وترى الجبال تحسبها جامدة} [النمل: 88] أي (قائمة) قاله ابن عباس.

({ أوزعني} ) في قوله: { ربّ أوزعني} [النمل: 19] أي (اجعلني) أزع شكر نعمتك عندي.

(وقال مجاهد): فيما وصله الطبري في قوله: ({ نكروا} ) أي (غيروا) لها عرشها إلى حالة تنكره إذا رأته.
روي أنه جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله ومكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر.

({ وأوتينا العلم} ) قال مجاهد (يقوله سليمان) وقال في الأنوار واللباب وغيرهما من قول سليمان وقومه فالضمير في قبلها عائد على بلقيس فكأن سليمان وقومه قالوا إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة وقد رزقت الإسلام ثم عطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة مثل علمها وغرضهم من ذلك شكر الله تعالى في أن خصهم بمزيد التقدم في الإسلام قاله مجاهد أو هو من تتمة كلامها فالضمير في قبلها راجع للمعجزة أو الحالة الدال عليهما السياق والمعنى وأوتينا العلم بنبوة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة وذلك لما رأت من أمر الهدهد وغيره.

({ الصرح} ) هو (بركة ماء ضرب عليها سليمان) عليه السلام (قوارير) وهو الزجاج الشفاف (ألبسها إياه) وللأصيلي إياها وكان قد ألقى في هذا الماء كل شيء من دواب البحر من السمك والضفادع وغيرها ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وقيل: إنه اتخذ صحفًا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفاح فكان الرائي يظنه ماء.


[8] سورة الْقَصَصِ
{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} إِلاَّ مُلْكَهُ.
وَيُقَالُ: إِلاَّ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ: الأَنْبَاءُ الْحُجَجُ.

([8] الْقَصَصِ)
مكية وقيل: إلا قوله: { الذين آتيناهم الكتاب} إلى { الجاهلين} وهي ثمان وثمانون آية، ولأبي ذر: سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم، وفي نسخة تقديم البسملة على سورة.

({ كل شيء هالك إلا وجهه} ) [القصص: 88] .
أي (إلا ملكه) وقيل إلا جلاله أو إلا ذاته فالاستثناء متصل إذ يطلق على الباري تعالى شيء (ويقال) على مذهب من يمنع (إلا ما أريد به وجه الله) فيكون الاستثناء متصلًا أو المعنى لكن هو تعالى لم يهلك فيكون منقطعًا.

(وقال مجاهد): فيما وصله الطبري في قوله تعالى: ({ الأنباء} ) ولأبوي ذر والوقت: { فعميت عليهم الأنباء} [القصص: 66] أي (الحجج) فلا يكون لهم عذر ولا حجة وقيل خفيت واشتبهت عليهم الأخبار والأعذار.