فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في التمني، ومن تمنى الشهادة

كتاب التمني
تفعل من الأمنية والجمع أمانيّ والتمني طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر، فالأول نحو قول الطاعن في السن: ليت الشباب يعود يومًا، فإن عود الشباب لا طمع فيه لاستحالته عادة، والثاني نحو قول منقطع الرجاء من مال يحج به: ليت لي مالاً فأحج منه فإن حصول المال ممكن ولكن فيه عسر ويمتنع ليت غدًا يجيء فإن غدًا واجب المجيء.
والحاصل أن التمني يكون في الممتنع والممكن ولا يكون في الواجب وأما الترجي فيكون في الشيء المحبوب نحو: لعل الحبيب قادم والإشفاق في الشيء المكروه نحو: { فلعلك باخع نفسك} [الكهف: 6] أي قاتل نفسك والمعنى أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك قاله في الكشاف فتوقع المحبوب يسمى ترجيًّا وتوقع المكروه يسمى إشفاقًا.
ولا يكون التوقع إلا في الممكن، وأما قول فرعون: { لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات} [غافر: 36، 37] فجهل منه أو إفك قاله في المغني والإشفاق لغة الخوف يقال: أشفقت عليه بمعنى خفت عليه وأشفقت منه بمعنى خفت منه وحذرته.


باب مَا جَاءَ فِى التَّمَنِّى وَمَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ
( باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة) بإثبات البسملة وما بعدها لأبي ذر عن المستملى، وكذا هو عند ابن بطال لكن بلا بسملة، وأثبتها السفاقسي لكن بحذف لفظ باب وللنسفي بعد البسملة ما جاء في التمني وللقابسي بحذف الواو البسملة وكتاب.


[ قــ :6837 ... غــ : 7226 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِى وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ، مَا تَخَلَّفْتُ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ».

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء الحافظ أبو عثمان الأنصاري المصري قال: ( حدّثني) بالإفراد ( الليث) بن سعد الإمام قال: ( حدّثني) بالإفراد أيضًا ( عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( وسعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبي محمد المخزومي سيد التابعين ( أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( والذي نفسي بيده) في تصريف قدرته ( لولا أن رجالاً يكرهون أن يتخلفوا بعدي) عن الغزو معي لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره ( ولا أجد ما أحملهم) عليه ( ما تخلفت) عن سرية تغزو في سبيل الله ( لوددت) بفتح اللام والواو وكسر الدال المهملة الأولى وسكون الثانية واللام للقسم وفي الجهاد والذي نفسي بيده لوددت ( أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا) بضم الهمزة فيهما كاللاحق ( ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) بتكرير ثم ست مرات وختمه بأقتل لأن الغرض الشهادة فجعلها آخرًا والودّ كما قال الراغب: محبة الشيء وتمني حصوله وتمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع، فقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وددت أن موسى عليه السلام صبر" فكأنه أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين، وبهذا يجاب عن استشكال صدور هذا التمني منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنه يعلم أنه لا يقتل وأجاب السفاقسي عنه باحتمال أن يكون قبل نزول آية { والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] وتعقب بأن نزولها كان في أوائل قدومه المدينة.
والحديث صرح أبو هريرة بأنه سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما قدم أبو هريرة في أوائل سنة سبع من الهجرة، وحكى ابن الملقن أن بعضهم زعم أن قوله: لوددت مدرج من كلام أبي هريرة.
قال: وهو بعيد وفيه جواز تمني ما يمتنع في العادة.

ومطابقة الحديث للترجمة مستفادة من التمني في قوله: لوددت.
والحديث سبق في الجهاد في باب تمني الشهادة.




[ قــ :6838 ... غــ : 77 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّى لأُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ»، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلاَثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الحافظ قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضى الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( والذي نفسي بيده وددت) بغير لام ( أني لأقاتل) بلام التأكيد من باب المفاعلة ولأبي ذر عن الكشميهني أقاتل ( في سبيل الله) بإسقاط اللام ( فأقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) بتكرار ثم أربع مرات وزاد غير أبي ذر ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا بتكرارها ثلاثًا كذا في الفرع وفي غيره
بإسقاط الأخيرة ( فكان أبو هريرة) -رضي الله عنه- ( يقولهن) أي كلمات أقتل ( ثلاثًا أشهد بالله) أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك وفائدته التأكيد وظاهره أنه من كلام الراوي عن أبي هريرة أي أشهد بالله أن أبا هريرة كان يقول أي كلمات أقتل ثلاث مرات.