فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب استئذان الرجل الإمام

باب اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ لِقَوْلِهِ: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} [النور: 62] إِلَى آخِرِ الآيَةِ
( باب استئذان الرجل) من الرعية ( الإمام) في الرجوع أو التخلف عن الرجوع في الغزو
( لقوله) زاد في رواية: عز وجل ( { إنما المؤمنون} ) الكاملون في الإيمان ( { الذين آمنوا بالله ورسوله} ) من صميم قلوبهم ( { وإذا كانوا معه على أمرٍ جامع} ) كتدبير أمر الجهاد والحرب ( { لم يذهبوا} ) عن حضرته ( { حتى يستأذنوه} ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأذن لهم واعتباره في كمال الإيمان لأنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق ( { إن الذين يستأذنونك} ) [النور: 62] ( إلى آخر الآية) .
يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة.
وأن الذاهب بغير إذنه ليس كذلك وفيه أن الإمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور المسلمين أن لا يرجعوا إلا بإذنه وكذلك إذا خرجوا للغزو لا ينبغي لأحد أن يرجع بغير إذنه ولا يخالف أمير السرية لا يقال لا يستأذن غيره عليه الصلاة والسلام إذ الحكم السابق من خصوصياته عليه الصلاة والسلام لأنه إذا كان ممن عيّنه الإمام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فإنه يحتاج إلى الاستئذان والاحتجاج بالآية للترجمة في تمام الآية، { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} .
قال مقاتل: نزلت في عمر -رضي الله عنه- استأذن في الرجوع إلى أهله في غزوة تبوك فأذن له وقال: انطلق لست بمنافق يريد بذلك تسميع المنافقين، ولأبي ذر على أمر جامع الآية، ولأبي عساكر إلى قوله تعالى: { إن الله غفور رحيم} .


[ قــ :2834 ... غــ : 2967 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ، فَتَلاَحَقَ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: مَا لِبَعِيرِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أعْيَا.
قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَي الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ.
قَالَ: أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، لَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَبِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ.
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ بهِ فَلاَمَنِي.
قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا.
فَقَالَ: فَهَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي -أَوِ اسْتُشْهِدَ- وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ.
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَىَّ" قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا.

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: ( أخبرنا جرير) بالجيم هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الضبي الكوفي ( عن المغيرة) بن مقسم بكسر الميم ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما- قال: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غزوة تبوك كما في البخاري أو ذات الرقاع كما في طبقات
ابن سعد أو الفتح كما في مسلم بلفظ: أقبلنا من مكة إلى المدينة ( قال: فتلاحق بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا على ناضح لنا) بنون وضاد معجمة بعير يستقى عليه وسمي بذلك لنضحه بالماء حال سقيه وعند البزار أنه كان أحمر ( قد أعيا) بهمزة مفتوحة قبل العين الساكنة أي تعب وعجز عن المشي ( فلا يكاد يسير فقال لي) عليه الصلاة والسلام:
( ما لبعيرك) ( قال: قلت عيى) ولأبي ذر عن الكشميهين: أعيا بالهمزة قبل العين ( قال: فتخلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر سقوط التصلية ( فزجره ودعا له) ولمسلم وأحمد فضربه برجله ودعا له وفي رواية يونس بن بكير عن زكريا عند الإسماعيلي فضربه رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعا له فمشى مشية ما مشى قبل ذلك مثلها ( فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي) عليه الصلاة والسلام: ( كيف ترى بعيرك) ( قال: قلت: بخير قد أصابته بركتك قال) : ( فتبيعنيه) بنون وتحتية بعد العين ولابن عساكر: أفتبيعه بإسقاطهما ( قال: فاستحييت) منه ( ولم يكن لنا ناضح غيره قال: قلت) له عليه الصلاة والسلام ( نعم.
قال)
( فبعنيه) زاد في الشروط بأوقية ( فبعته إياه على أن لي فقار ظهره) بفتح الفاء خرزات عظام الظهر وهي مفاصل عظامه أي على أن لي الركوب عليه ( حتى) أي إلى أن ( أبلغ المدينة) وفي الشروط وغيره فاستثنيت حملانه إلى أهله بضم الحاء أي الحمل والمفعول محذوف أي حملانه إياي أو متاعي أو نحو ذلك فالمصدر مضاف للفاعل، واختلف في جواز بيع الدابة بشرط ركوب البائع فجوّزه المؤلّف لكثرة رواية الاشتراط وعليه أحمد، وجوّزه مالك إذا كانت المسافة قريبة ومنعه الشافعي وأبو حنيفة مطلقًا لحديث النهي عن بيع وشرط.

وأجيب عن هذا الحديث: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد حقيقة البيع بل أراد أن يعطيه الثمن بهذه الصورة أو أن الشرط لم يكن في نفس العقد بل كان سابقًا أو لاحقًا فلم يؤثر في العقد، ووقع عند النسائي أخذته بكذا وأعرتك ظهره إلى المدينة فزال الإشكال، لكن اختلف فيها حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وحماد أعرف بحديث أيوب من سفيان، والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عددًا من الذين خالفوهم، وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح ويترجح أيضًا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فيكون حجة.

( قال: فقلت: يا رسول الله إني عروس) يستوي فيه الذكر والأنثى وفي النكاح قريب عهد بعرس أي قريب عهد بالدخول على المرأة ( فاستأذنته) عليه الصلاة والسلام في التقدم ( فأذن لي فتقدمت الناس إلى المدينة حتى أتيت المدينة فلقيني خالي) اسمه ثعلبة بن عنمة بن عدي بن سنان وله خال آخر اسمه عمرو بن عنمة، وعند ابن عساكر: اسمه الجدّ بفتح الجيم وتشديد الدال ابن قيس وقد ذكروا أنه خاله من جهة مجازية فيحتمل أن يكون الذي لامه على بيع الجمل أيضًا لأنه كان يتهم بالنفاق بخلاف ثعلبة وعمرو ابني عنمة ( فسألني عن البعير فأخبرته بما صنعت فيه) ولأبي ذر: صنعت به ( فلامني) على بيعه من جهة أنه ليس لنا ناضح غيره، ولأحمد من رواية نبيح بضم النون
وفتح الموحدة آخره حاء مهملة فأتيت عمتي بالمدينة فقلت لها: ألم ترى أني بعت ناضحنا فما رأيت أعجبها ذلك.
الحديث.
واسمها هند بنت عمرو، ويحتمل أنهما جميعًا لم يعجبهما بيعه لما ذكر من أنه لم يكن عنده ناضح غيره.

( قال: وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي حين استأذنته) في التقدم إلى المدينة ( هل تزوجت بكرًا أم) تزوجت ( ثيبًا) قال ابن مالك في توضيحه فيه شاهد على أن هل قد تقع موقع الهمزة المستفهم بها عن التعيين فتكون أم بعدها متصلة غير منقطعة لأن استفهام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جابرًا لم يكن إلا بعد علمه بتزوجه إما بكرًا وإما ثيبًا فطلب منه الإعلام بالتعيين كما كان يطلب بأي فالموضع إذًا موضع الهمزة لكن استغنى عنها بهل وثبت بذلك أن أم المتصلة قد تقع بعد هل كما تقع بعد الهمزة اهـ.

وتعقبه في المصابيح فقال: يمكن أن يقال: لا نسلم أنها في الحديث متصلة ولم لا يجوز أن تكون منقطعة.
وثيبًا مفعول بفعل محذوف فاستفهم أوّلاً ثم أضرب واستفهم ثانيًا، والتقدير: أتزوجت ثيبًا؟ قال: ولا شك أن المصير إلى هذا أولى لما في الأول من إخراج عما عهد فيها من كونها لا تعادل إلا الهمزة.

( فقلت) له عليه الصلاة والسلام ( تزوجت ثيبًا) هي سهيلة بنت معوذ الأوسية ( فقال) : عليه الصلاة والسلام بفاء قبل القاف ( هلا) بغير فاء قبل الهاء ولأبي ذر قال: فهلا ( تزوجت بكرًا تلاعبها وتلاعبك) المراد الملاعبة المشهورة بدليل مجيئه في رواية أخرى بلفظ: تضاحكها وتضاحكك ( فقلت: يا رسول الله توفي والدي أو استشهد ولي أخوات صغار) ولمسلم قلت: إن عبد الله هلك وترك تسع بنات ( فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن) بالرفع، ولأبي ذر: فلا تؤدبهن بالنصب ( ولا تقوم) بالرفع، ولأبي ذر: ولا تقوم بالنصب ( عليهن فتزوجت ثيبًا لتقوم عليهن وتؤدبهن) بالرفع ولأبي ذر بالنصب ( قال: فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة غدوت عليه بالبعير فأعطاني ثمنه وردّه) أي البعير ( عليّ) فحصل لجابر الثمن والمثمن معًا.
وفي رواية معمر الماضية في الاستقراض فأعطاني ثمن الجمل والجمل وسهمي مع القوم وكلها بطريق المجاز لأن العطية إنما كانت بواسطة بلال كما رواه مسلم من هذا الوجه، فلما قدمت المدينة قال لبلال: "أعطه أوقية من ذهب" قال: فأعطاني أوقية وزادني قيراطًا فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( قال المغيرة) المذكور بالسند السابق أو هو من التعليقات ( هذا) أي البيع بمثل هذا الشرط ( في قضائنا) حكمنا ( حسن لا نرى به بأسًا) لأنه أمر معلوم لا خداع فيه ولا موجب للنزاع.

وهذا الحديث ذكره المؤلّف في عشرين موضعًا، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.