فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الحمد للعاطس

باب الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ
( باب) مشروعية ( الحمد للعاطس) والحكمة فيه كما قاله الحليمي أن العطاس يدفع الأذى عن الدماغ الذي فيه قوّة الفكر، ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس وبسلامته تسلم الأعضاء فيظهر بهذا أنه نعمة جليلة يناسب أن تقابل بالحمد لما فيه من الإقرار لله بالحق والقدرة وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع.


[ قــ :5892 ... غــ : 6221 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: «هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ».
[الحديث 6221 - طرفه في: 6225] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري قال: ( حدّثنا سليمان) بن طرخان التيمي ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه ( قال: عطس) بفتح الطاء المهملة ( رجلان) هما عامر بن الطفيل وابن أخيه كما في الطبراني من حديث سهل بن سعد ( عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فشمت أحدهما) فقال له: يرحمك الله ( ولم يشمت الآخر) بالشين المعجمة والميم المشددة في الكلمتين وأصله إزالة شماتة الأعداء والتفعيل للسلب نحو: جلدت البعير أي أزلت جلده فاستعمل للدعاء بالخير لتضمنه ذلك فكأنه دعا له أن لا يكون في حالة من يشمت به، أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوءه فشمت هو بالشيطان، وفي اليونينية فسمت أحدهما ولم يسمت الآخر بالسين المهملة فيهما.
قال أبو ذر: بالسين المهملة في كل موضع عند الحموي أي دعا له بأن يكون لم سمت حسن، وقيل إنه أفصح.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: المعنى في اللفظين بديع وذلك أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه فكأنه إذا قيل له يرحمك الله كان معناه أعطاك الله رحمة يرجع بها بدنك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير تغيير، فإن كان السمت بالمهملة فمعناه رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله شوامته أي قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال.
قال: وشوامت كل شيء قوائمه التي بها قوامه فقوام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سلمت وقوام الآدمي بسلامة قوائمه التي بها قوامه وهو رأسه وما يتصل به من عنق وصدر اهـ.

وفي اليونينية لأبي ذر عن الحموي فسمت بالمهملة ولم يشمت بالمعجمة اهـ.

وفي الأدب المفرد للمؤلّف وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة: عطس رجلان عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدهما أشرف من الآخر وإن الشريف لم يحمد الله فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر ( فقيل له) : يا رسول الله شمت هذا ولم تشمت الآخر ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( هذا حمد الله) فشمته ( وهذا لم يحمد الله) فلم أشمته، ولأبي ذر عن الكشميهني لم يحمد بحذف الجلالة.

وفي حديث أبي هريرة المذكور أن هذا ذكر الله فذكرته وأنت نسيت الله فنسيتك، والنسيان يطلق على الترك أيضًا والسائل هو العاطس الذي لم يحمد الله كما سيأتي إن شاء الله تعالى بما فيه من البحث قريبًا بعد ثلاثة أبواب بعون الله وقوّته.

وفي الحديث مشروعية الحمد، وقوله في حديث أبي هريرة الآتي إن شاء الله تعالى بعد بابين
فليقل الحمد لله ظاهر في الوجوب، لكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه، وأما لفظه فنقل ابن بطال وغيره عن طائفة أنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث أبي هريرة المذكور، وفي حديث أبي مالك الأشعري رفعه: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ومثله في حديث علي عند النسائي، وحديث ابن عمر عند الترمذي والبزار والطبراني.

وفي حديث ابن مسعود في الأدب المفرد للبخاري يقول: الحمد لله رب العالمين، وعن علي موقوفًا مما رواه في الأدب المفرد برجال ثقات من قال عند عطسة سمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبدًا وحكمه الرفع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي مرفوعًا بلفظ: "من بادر العاطس بالحمد لله عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبدًا" وسنده ضعيف.
وعن ابن عباس مما في الأدب المفرد والطبراني بسند لا بأس به: إذا عطس الرجل فقال: الحمد لله.
قال الملك: رب العالمين فإن قال: رب العالمين.
قال الملك: يرحمك الله.
وعن أم سلمة مما أخرجه أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به: عطس رجل عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: الحمد لله، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يرحمك الله" وعطس آخر فقال: الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فقال: "ارتفع هذا على تسع عشرة درجة".


تنبيه:
قال الحافظ ابن حجر: لا أصل لما اعتاده الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد العطاس، وكذا العدول عن الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد فمكروه.

والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في اليوم والليلة، وابن ماجة في الأدب.