فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التيمن في الوضوء والغسل

باب التَّيَمُّنِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل
( باب التيمن) أي الأخذ باليمين ( في الوضوء والغسل) بضم الغين اسم للفعل أو بفتحها وهو الذي في الفرع كأصله.


[ قــ :164 ... غــ : 167 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُنَّ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا».
[الحديث 167 - أطرافه في: 1253، 1254، 1255، 1256، 1257، 1258، 1259، 1260، 1261، 1262، 1263] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية ( قال: حدّثنا خالد) الحذاء ( عن حفصة بنت سيرين) الأنصارية أخت محمد بن سيرين ( عن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية بنت كعب أو بنت الحرث الأنصارية وكانت تغسل الموتى وتمرّض المرضى وشهدت خيبر رضي الله عنها ( قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهن) أي لأُم عطية ومن معها ( في

غسل ابنته)
زينب رضي الله عنها كما في مسلم ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) وهذا الحديث من الخماسيات ورواته كلهم بصريون، وفيه رواية تابعية عن صحابية والتحديث والعنعنة، وأخرجه في الجنائز بتمامه واقتصر منه هنا على طرف لبيان قول عائشة رضي الله عنها الآتي: كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن إذ إنه لفظ مشترك بين الابتداء باليمين، وتعاطي الشيء باليمين، وأخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجة جميعًا فيه.




[ قــ :165 ... غــ : 168 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ.
[الحديث 168 - أطرافه في: 46، 5380، 5854، 596] .

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي البصري، المتوفى بالبصرة سنة خمس وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح العين آخره مثلثة ( ابن سليم) بالتصغير ( قال: سمعت أبي) سليم بن الأسود المحاربي بضم الميم الكوفي ( عن مسروق) هو ابن الأجدع الكوفي أبي عائشة أسلم قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأدرك الصدر الأوّل من الصحابة ( عن عائشة) رضي الله عنها أنها ( قالت) :

( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه التيمن) بالرفع على الفاعلية أي لحسنه ( في تنعله) بفتح المثناة الفوقية والنون وتشديد العين الضمومة أي حال كونه لابسًا النعل أي الابتداء بلبس اليمين ( و) في ( ترجله) أي الابتداء بالشق الأيمن في تسريح رأسه ولحيته ( و) في ( طهوره) بضم الطاء لأن المراد تطهره وتفتح أي البداءة بالشق الأيمن في الغسل وباليمن في اليدين والرجلين على اليسرى، وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم فإن قدّم اليسرى كره" نص عليه في الأم، ووضوءه صحيح، وأما الكفّان والخدَّان والأذنان فيطهران دفعة واحدة ( و) كذا كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن ( في شأنه كله) كذا في رواية أبي الوقت وفي بواو العطف وهو من عطف العام على الخاص ولغيره في شأنه بإسقاطها وتأكيد الشأن بقوله كله يدل على التعميم فيدخل فيه نحو: لبس الثوب والسروال والخف ودخول المسجد والصلاة على ميمنة الإمام وميمنة المسجد والأكل والشرب والاكتحال وتقليم الأظفار وقصّ الشارب ونتف الإبط وحلق الرأس والخروج من الخلاء وغير ذلك مما في معناه، إلا ما خص بدليل كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط وخلع السراويل وغير ذلك، وإنما استحب فيها التياسر لأنه من باب الإزالة، والقاعدة أن كل ما كان من باب التكريم والتزيّن فباليمين وإلاّ فباليسار، ولا يقال حلق الرأس من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر لأنه من باب التزين، وقد ثبت الابتداء فيه بالأيمن كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا، وفي رواية الأكثر من شأنه كله بحذف العاطف وهو جائز عند بعضهم حيث دلت عليه قرينة أو بدل من الثلاثة السابقة بدل اشتمال، والشرط في بدل الاشتمال أن يكون المبدل منه مشتملاً

على الثاني أو متقاضيًا له بوجه ما وهاهنا كذلك على ما لا يخفى، وإذا لم يكن البدل منه مشتملاً على الثاني يكون بدل الغلط أو هو بدل كل من كل نقله في الفتح عن الطيبي، وعبارته قال الطيبي قوله في شأنه بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل، وكأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالرأس والطهور لكونه مفتاح أبواب العبادة، فكأنه نبّه على جميع الأعضاء فهو كبدل الكل من الكل، ثم قال في الفتح قلت: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله في شأنه كله على قوله في تنعله الخ.

وعليها شرح الطيبي وكذا ذكره البرماوي ولم يعترضه، وتعقبه العيني بأن كلام الطيبي ليس هو على رواية البخاري بل على رواية مسلم ولفظها: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمن في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله، فقال الطيبي في شرحه لذلك: قوله في طهوره وترجله وتنعله بدل من قوله في شأنه بإعادة العامل، فكأنه ظن أن كلام الطيبي في الرواية التي فيها ذكر الشأن متأخرًا كرواية البخاري هنا انتهى.
وهو بدل كل من بعض وعليه قوله:
نضر الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
أو يقدر لفظ يعجبه التيمن كما مرّ فتكون الجملة بدلاً من الجملة أو هو متعلق بيعجبه لا بالتيمن، والتقدير يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله الخ.
أي لا يترك ذلك في سفر ولا حضر ولا في فراغه واشتغاله قاله في فتح الباري كالكرماني، وتعقبه العيني بأنه يلزم منه أن يكون إعجابه التيمن في هذه الثلاث مخصوصة في حالاته كلها وليس كذلك، بل كان يعجبه التيمن في كل الأشياء في جميع الحالات ألا ترى أنه أكد الشأن بمؤكد والشأن بمعنى الحال والمعنى في جميع حالاته.

وفي هذا الحديث الدلالة على شرف اليمين وهو سداسي الإسناد، ورواته ما بين بصري وكوفي وفيه رواية الابن عن الأب وقرينين من أتباع التابعين أشعث وشعبة وآخرين من التابعين سليم ومسروق والتحديث والاخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصلاة واللباس، ومسلم في الطهارة، وأبو داود في اللباس، والترمذي في آخر الصلاة وقال: حسن صحيح والنسائي في الطهارة والزينة وابن ماجة في الطهارة.