فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا فعلت كما يفعل «

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْكِتَابِ هُوَ فِعْلُهُ».
.

     وَقَالَ : «{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] .

     وَقَالَ  جَلَّ ذِكْرُهُ {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] ».

(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث الباب (رجل آتاه الله) عز وجل (القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار) ولأبي ذر عن الكشميهني آناء الليل وآناء النهار (ورجل يقول لو أُوتيت مثل ما أُوتي هذا فعلت كما يفعل) وقال البخاري (فبين الله أن قيامه) أي قيام الرجل (بالكتاب هو فعله) حيث
أسند القيام إليه وسقط لأبي ذر والأصيلي لفظ الجلالة ولأبي ذر عن الكشميهني فبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن قراءته الكتاب.

(وقال) تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم}) أي اللغات أو أجناس النطق وأشكاله وهو يشمل الكلام فتدخل القراءة ({وألوانكم} [الروم: 22] ) كالسواد والبياض وغيرهما ولاختلاف ذلك وقع التعارف إلا فلو تشاكلت الألسن والألوان واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح وفي ذلك آية بيّنة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون (وقال جل ذكره: {وافعلوا الخير}) عام يتناول سائر الخيرات كقراءة القرآن والذكر والدعاء أو أريد به صلة الأرحام ومكارم الأخلاق ({لعلكم تفلحون} [الحج: 77] ) أي كي تفوزوا وافعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم.


[ قــ :7130 ... غــ : 7528 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَهْوَ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ فِى حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ».

وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضى الله عنه أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تحاسد) بفوقية مفتوحة قبل الحاء وضم السين المهملتين جائز في شيء (إلا في اثنتين) بالتأنيث إحدى الاثنتين (رجل) بالرفع أي خصلة رجل (آتاه الله) عز وجل (القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار) أي ساعات الليل وساعات النهار ولأبوي الوقت وذر من آناء الليل وآناء النهار (فهو) أي الحاسد (يقول لو أوتيت) لو أعطيت (مثل ما أوتي) أعطي (هذا) من القرآن (لفعلت كما يفعل) لقرأت كما يقرأ (ورجل) وخصلة رجل (آتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه}) من الصدقة الواجبة ووجوه الخير المشروعة لا في التبذير ووجوه المكاره (فيقول) الحاسد (لو أوتيت مثل ما أوتي) هذا من المال (عملت فيه مثل ما يعمل) من الإنفاق في حقه.

قال في شرح المشكاة أثبت الحسد في هذا الحديث لإرادة المبالغة في تحصيل النعمتين الخطيرتين اللتين لو اجتمعتا في امرئ بلغ من العلياء كل مكان.




[ قــ :7131 ... غــ : 759 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ،
وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ».
سَمِعْتُ سُفْيَانَ مِرَارًا لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الْخَبَرَ وَهْوَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال الزهري) محمد بن مسلم ( عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( لا حسد إلا في اثنتين) إحداهما ( رجل آتاه الله) عز وجل بمدّ همزة آتاه أي أعطاه الله ( القرآن فهو يتلوه) ولأبي ذر والأصيلي يقوم به ( آناء الليل وآناء النهار) ساعاتهما وواحد الآناء.
قال الأخفش: إني مثل معي وقيل أنو يقال مضى أنيان من الليل وأنوان ( و) ثانيهما ( رجل آتاه الله) عز وجل ( مالاً فهو ينفقه) في حقه ( آناء الليل وآناء النهار) .

قال البغوي: المراد من الحسد هنا الغبطة وهي أن يتمنى الرجل مثل ما لأخيه من غير أن يتمنى زواله عنه والمذموم أن يتمنى زواله وهو الحسد ومعنى الحديث الترغيب في التصدّق بالمال وتعليم العلم اهـ.

قال علي بن عبد الله المديني ( سمعت سفيان) ولأبوي الوقت وذر: سمعت من سفيان ( مرارًا لم أسمعه يذكر الخبر) أي لم أسمعه بلفظ أخبرنا أو حدّثنا الزهري بل بلفظ قال ( وهو) مع ذلك ( من صحيح حديثه) فلا قدح فيه إذ هو معلوم من الطرق الصحيحة فعند الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة قال: حدّثنا سفيان هو ابن عيينة قال: حدّثنا الزهري عن سالم به، وكذا هو في مسلم عن أبي خيثمة زهير بن حرب.
وقال في الكواكب: أورد البخاري الترجمة مخرومة إذ ذكر من صاحب القرآن حال المحسود فقط ومن صاحب المال حال الحاسد فقط ولا لبس في ذلك لأنه اقتصر على ذكر حامل القرآن حاسدًا ومحسودًا وترك حال ذي المال.

وسبق الحديث في العلم وفضائل القرآن والتمني.