فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟

باب هَلْ يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى؟
هذا ( باب) بالتنوين ( هل يبيت أصحاب السقاية) سقاية العباس أو غيرها ( أو غيرهم) ممن له عذر من مرض أو شغل كالحطابين والرعاء ( بمكة ليالي منى) ؟ بنصب ليالي على الظرفية والباء في بمكة تتعلق بقوله يبيت.


[ قــ :1668 ... غــ : 1743 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "رَخَّصَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ".

وبه قال ( حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) بتصغير عبد المعروف بابن أبي عباد القرشي التيمي مولاهم المدني وقيل الكوفي قال: ( حدّثنا عيسى بن يونس) الهمداني الكوفي ( عن عبيد الله) بن

عمر العمري ( عن نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب ( عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) قال: ( رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في البيتوتة ليالي منى بمكة لأهل السقاية فالمفعول محذوف واقتصر عليه ليحل على ما بعده، ولفظه عند الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى بن عيسى بن يونس المذكور أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في باب سقاية العباس.




[ قــ :1668 ... غــ : 1744 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ ... ".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن موسى) البلخي الملقب بخت بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية قال: ( حدّثنا محمد بن بكر) البرساني البصري قال: ( أخبرنا ابن جريج) بن عبد العزيز قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بن عمر ( عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذِن) كذا اقتصر عليه أيضًا وأحال به على ما بعده ولفظه عند أحمد في مسنده عن محمد بن بكر البرساني أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية.




[ قــ :1668 ... غــ : 1745 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ الْعَبَّاسَ -رضي الله عنه- اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ".
تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو ضَمْرَةَ.

وبه قال: (ح حدّثنا) ولأبي الوقت: وحدثني بالواو والإفراد (محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبي) عبد الله قال: (حدّثنا عبيد الله) العمري قال: (حدثني) بالإفراد (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن العباس -رضي الله عنه- استأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته) المعروفة بالمسجد الحرام (فأذن) عليه الصلاة والسلام الله) في المبيت.

(تابعه) أي تابع محمد بن عبد الله بن نمير (أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي فيما أخرجه مسلم (وعقبة بن خالد) أبو مسعود السكوني مما أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده عنه (وأبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض مما أخرجه المؤلّف في باب سقاية الحاج.
قال في الفتح: والنكتة في استظهار البخاري بهذه المتابعات بعد إيراده له من ثلاث طرق لشك وقع في رواية يحيى بن سعيد القطان في وصله، فقد أخرجه أحمد عن يحيى عن عبيد الله عن نافع قال: ولا أعلمه إلا عن ابن عمر.
قال الإسماعيلي: وقد وصله أيضًا بغير شك موسى بن عقبة والدراوردي وعليّ بن مسهر ومحمد بن فليح كلهم عن عبيد الله وأرسله ابن المبارك عن عبيد الله.


قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن عبيد الله ربما كان يشك في وصله بدليل رواية يحيى بن سعيد القطان وكأنه كان في أكثر أحواله يجزم بوصله بدليل رواية الجماعة اهـ.

وفي الحديث دليل على وجوب المبيت ليالي أيام التشريق بمنى لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص للعباس في ترك المبيت لأجل سقايته فدلّ على أنه لا يجوز لغيره لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة وإذا لم توجد العلة المذكورة أو ما في معناها لم يحصل الإذن وهذا مذهب الشافعية.
وقال من الحنابلة صاحب الرعايتين والحاويين، والمراد مبيت معظم الليل كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمبيته معظم الليل وإنما اكتفى بساعة في نصفه الثاني بمزدلفة كما سبق لأن نص الشافعي وقع فيها بخصوصها إذ بقية المناسك يدخل وقتها بالنصف وهي كثيرة المشقّة فسومح في التخفيف لأجلها، وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد قال المرداوي: وهو الصحيح من المذهب، وقطع به ابن أبي موسى في الإرشاد والقاضي في الخلاف وابن عقيل في الفصول وأبو الخطاب في الهداية وهو مذهب الحنفية أنه سنة، واستدلوا بأنه لو كان واجبًا لما رخص عليه الصلاة والسلام للعباس فيه ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف فيجب بتركه دم عند الشافعية كنظيره في ترك مبيت مزدلفة وفي ترك مبيت الليلة الواحدة من ليالي منى يجب مدّ الليلتين مدّان من الطعام وفي ترك الثلاث مع ليلة مزدلفة دمان لاختلاف المبيتين مكانًا ويسقط المبيت بمنى ومزدلفة والدم عن أهل السقاية سواء كانوا من آل العباس أم من غيرهم مطلقًا سواء أخرجوا قبل الغروب أو بعده، ولو كانت السقاية محدثة كما صححه النووي ونقله الرافعي عن البغوي، ونقل المنع عن ابن كج قال في المهمات: والصحيح المنع فقد نقله صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما عن نص الشافعي وهو المشهور كما أشعر به كلام الرافعى، وذكر الأذرعي نحوه وما صححه النووي كما قاله الزركشي هو ما نص عليه الشافعي من إلحاق الخائف على نفس أو نحوها مما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
قال في الفتح: والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني، لكن قال في التنقيح: وإن دفع من مزدلفة غير سقاة ورعاة قبل نصف الليل فعليه دم إن لم يعد نصًا إليها ليلاً ولو بعد نصفه اهـ.

ومقتضاه العموم وكذا يسقط المبيت بها والرمي عن الرعاء بكسر الراء والمدان خرجوا منها قبل الغروب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لرعاء الإبل أن يتركوا المبيت رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وقيس بمنى مزدلفة فإن لم يخرجوا قبل الغروب بأن كانوا بهما بعده لزمهم مبيت تلك الليلة والرمي من الغد.
وصورة الخروج قبل الغروب من مزدلفة أن يأتيها قبل الغروب ثم يخرج منها حينئذٍ على خلاف العادة، وإنما لم يقيد الخروج قبل الغروب في حق أهل السقاية لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي وألحق بأهل السقاية أيضًا الخائف على نفس أو مال أو فوت أمر يطلبه كآبق أو ضياع مريض، وكذا من اشتغل بتدارك الحج بأن انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف بها عن مبيت مزدلفة لاشتغاله بالأهم، وكذا من أفاض من عرفة إلى مكة ليطوف للإفاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت

لاشتغاله بالصواف كاشتغاله بالوقوف.
وقال المالكية: ويلزم المبيت بمنى لياليها الثلاث والمتعجل ليلتين.
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون، وابن عبد الحكم عن مالك: من أقام بمكة أكثر ليله ثم أتى منى فبات فيها باقي ليله فلا شيء عليه إلا أن يبيت ليلة كاملة فيلزمه الدم ولو كان له عذر من مرض أو غيره لم يسقط عنه الدم حكاه الباجي، وما حكاه عن ابن عبد الحكم وابن حبيب خلاف ما في المدوّنة والمشهور لزوم الدم إذا بات بغير منى جل ليلة.
وقال المرداوي عن الحنابلة في تنقيحه: وفي ترك مبيت ليلة دم، وقال في شرح المقنع: فيه ما في حلق شعرة وهو مدّ من طعام قال وهو إحدى الروايات لأنها ليست نسكًا بمفردها بخلاف المبيت بمزدلفة قاله القاضي وغيره وقال لا تختلف الرواية أنه لا يجب دم.