فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} [التوبة: 102]

باب { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102]
( { وآخرون} ) نسق على قوله منافقون أي وممن حولكم قوم آخرون غير المذكورين ولأبي ذر قوله: { وآخرون} ( { اعترفوا} ) أقروا ( { بذنوبهم} ) ولم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة ( { خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا} ) الجهاد والتخلف عنه أو إظهار الندم والاعتراف بآخر سيء وهو التخلف وموافقة أهل النفاق ومجرد الاعتراف ليس بتوبة لكن روي أنهم تابوا وكان الاعتراف مقدمة التوبة وكل منهما مخلوط بالآخر كقولك: خلطت الماء واللبن فكل مخلوط ومخلوط به الآخر، ولو قلت خلطت الماء باللبن كان الماء مخلوطًا واللبن مخلوطًا به وهو استعارة عن الجمع بينهما ( { عسى الله أن يتوب عليهم} ) جملة مستأنفة وعسى من الله واجب وإنما عبّر بها للإشعار
بأن ما يفعله تعالى ليس إلا على سبيل التفضل منه سبحانه حتى لا يتكل المرء بل يكون على خوف وحذر والمعنى: عسى الله أن يقبل توبتهم.

فإن قلت: كيف قال أن يتوب عليهم ولم يسبق للتوبة ذكر؟ أجيب: بأنه مدلول عليها بقوله اعترفوا بذنوبهم قاله في الأنوار كالكشاف.

( { إن الله غفور رحيم} ) [التوبة: 102] وسقط قوله خلطوا الخ لأبي ذر وقال بعد قوله بذنوبهم الآية.
قال ابن كثير: وهذه الآية وإن كانت في أناس معينين إلا أنها عامة في كل المذنبين الخطّائين، وقد قال مجاهد نزلت في أبي لبابة لما قال لبني قريظة أنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه.

قال ابن عباس في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن غزوة تبوك وقال بعضهم: أبو لبابة وخمسة معه، وقيل وسبعة، وقيل وتسعة، فلما رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوته ربطوا أنفسهم بسواري المسجد وحلفوا لا يحلهم إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما أنزل الله الآية أطلقهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعفا عنهم.


[ قــ :4419 ... غــ : 4674 ]
- حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنَا: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالاَ لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالاَ لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالاَ: أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني ( مؤمل) بضم الميم الأولى وفتح الثانية مشددة وقد تكسر بينهما همزة مفتوحة آخره لام زاد في غير رواية أبي ذر هو ابن هشام وهو اليشكري بتحتية ومعجمة أبو هشام البصري قال: ( حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية اسم أمه الأسدي مولاهم البصري قال: ( حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة وسكون الواو آخره فاء ابن أبي جميلة بفتح الجيم الأعرابي العبدي المصري قال: ( حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي قال: ( حدّثنا سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنا) في حكاية منامه الطويل:
( أتاني الليلة آتيان) بهمزة ممدودة ففوقية مكسورة فتحتية أي ملكان ( فابتعثاني) من النوم ( فانتهيا) وأنا معهما ولغير أبي ذر: فانتهينا ( إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة) بكسر الموحدتين من لبن ( فتلقانا رجال شطر) نصف ( من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر) أي نصف ( كأقبح ما أنت راء قالا) الملكان ( لهم) للرجال ( اذهبوا فقعوا في ذلك النهر) بفتح الهاء ( فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قالا) الملكان ( لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح) قيل الصواب حسنًا
وقبيحًا لكن كان تامة وشطر مبتدأ وحسن خبره والجملة حال بدون الواو وهو فصيح كقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ قاله الكرماني وغيره ( فإنهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم) كذا أورده مختصرًا هنا، ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في التعبير.