فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا وكل رجلا، فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز

باب إِذَا وَكَّلَ رَجُلاً فَتَرَكَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَأَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى جَازَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا وكل) رجل (رجلاً) بحذف الفاعل وفي نسخة إذا وكّل رجل بحذف المفعول (فترك الوكيل شيئًا) مما وكّل فيه (فأجازه) وفي نسخة: فأجابه (الموكل فهو جائز وإن أقرضه) أي وإن أقرض الوكيل شيئًا مما وكلّ فيه (إلى أجل مسمى جاز) أي إذا أجازه الموكل.


[ قــ :2215 ... غــ : 2311 ]
- وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ.
قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ.
فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.
قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ.
فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ، لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.
قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ.
فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ.
قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا.
قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى
تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ.
فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.
فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.
قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ}.

     وَقَالَ  لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ".
[الحديث 2311 - طرفاه في: 3275، 5010] .

(وقال عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة بينهما تحتية ساكنة آخره ميم (أبو عمرو) المؤذن وقد ساقه المؤلّف من غير أن يصرح بالتحديث، وكذا ذكره في قصة إبليس وفضائل القرآن لكن مختصرًا ووصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق إلى عثمان هذا قال: (حدّثنا عوف) بالفاء ابن أبي جميلة بالجيم المفتوحة الأعرابي العبدي البصري رمي بالقدر والتشيع لكن احتج به الجماعة وهو من صغار التابعين (عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: وكّلني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحفظ زكاة) الفطر من (رمضان فأتاني آتٍ) كقاضٍ (فجعل يحثو) بحاء مهملة ومثلثة أي يأخذ بكفّيه (من الطعام).
وفي رواية أبي المتوكل عن أبي هريرة عند النسائي أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كفّ قد أخذ منه، ولابن الضريس من هذا الوجه فإذا التمر قد أخذ منه ملء كفّ (فأخذته) أي الذي حثا من الطعام، وزاد في رواية أبي المتوكل أن أبا هريرة شكا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوّلاً فقال له: إن أردت أن تأخذه فقل سبحان من سخرك لمحمد.
قال فقلتها فإذا أنا به قائم بين يدي فأخذته (وقلت والله لأرفعنّك) من رفع الخصم إلى الحاكم أي لأذهبن بك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليحكم عليك بقطع اليد لأنك سارق، وسقط قوله: والله في رواية أبي ذر (قال: إني محتاج) لما آخذه (وعليّ عيال) أي نفقة عيال أو "عليّ" بمعنى "لي" وفي رواية أبي المتوكل فقال إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن (ولي) وللكشميهني وبي بالموحدة بدل اللام (حاجة شديدة.
قال) أبو هريرة (فخلّيت عنه فأصبحت فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أتيته:
(يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة)؟ سمي أسيرًا لأنه كان ربطه بسير لأن عادة العرب يربطون الأسير بالقدّ.
قال الداودي: وفيه اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المغيبات وفي حديث معاذ بن جبل عند الطبراني أن جبريل جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعلمه بذلك (قال) أبو هريرة (قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أما) بالتخفيف حرف استفتاح (إنه) بكسر الهمزة وفتحها في اليونينية والفتح على جعل أما بمعنى حقًّا (قد كذبك) بتخفيف الذال في قوله إنه محتاج (وسيعود) إلى الأخذ (فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنه سيعود فرصدته) أي ترقبته (فجاء) ولأبي ذر عن الحموي فجعل بدل فجاء (يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

قال: دعني فإني محتاج) للأخذ (وعليّ عيال لا أعود فرحمته فخلّيت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بإثبات لي هنا وإسقاطها في السابق والتعبير بالنبي بدل الرسول:
(يا أبا هريرة ما فعل أسيرك)؟ سقط هنا قوله في السابق البارحة (قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال) عليه الصلاة والسلام (أما أنه) بالتخفيف وكسر الهمزة وفتحها (قد كذبك وسيعود) لم يقال هنا فعرفت أنه سيعود الخ (فرصدته) المرة (الثالثة فجاء) ولأبي ذر عن الحموي: فجعل (يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا آخر ثلاث مرات أنك) بفتح الهمزة (تزعم لا تعود) صفة لثلاث مرات على أن كل مرة موصوفة بهذا القول الباطل ولأبي ذر إنك بكسر الهمزة وفي نسخة مقروءة على الميدومي إنك تزعم أنك لا تعود (ثم تعود.
قال: دعني) وفي رواية أبي المتوكل: خل عني (أعلمك) بالجزم (كلمات) نصب بالكسرة (ينفعك الله بها) بجزم ينفعك.
قال الطيبي: وهو مطلق لم يعلم منه أي النفع فيحمل على المقيد في حديث علي عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قرأها يعني آية الكرسي حين يأخذ مضجعه آمنه الله تعالى على داره ودار جاره وأهل دويرات حوله رواه البيهقي في شعب الإيمان انتهى.

وفي رواية أبي المتوكل إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن (قلت: ما هو) أي الكلام وللحموي والمستملي ما هن أي الكلمات (قال: إذا أويت) أتيت (إلى فراشك) للنوم وأخذت مضجعك (فاقرأ آية الكرسي (لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم} حتى تختم الآية) [البقرة: 255] زاد معاذ بن جبل في روايته عند الطبراني وخاتمة سورة البقرة آمن الرسول إلى آخرها (فإنك لن يزال عليك من الله) أي من عند الله أو من جهة أمر الله أو من قدرته أو من بأس الله ونقمته (حافظ) يحفظك (ولا يقربنك) بفتح الراء والموحدة ونون التوكيد الثقيلة كذا في اليونينية وفي غيرها ولا يقربك بإسقاط النون ونصب الموحدة عطفًا على السابق المنصوب بلن (شيطان) وفي نسخة الشيطان (حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت) ولأبي الوقت: فقلت (يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال) عليه الصلاة والسلام (ما هي) الكلمات (قلت) ولأبي الوقت قال بدل قلت (قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أوّلها حتى تختم) زاد أبو ذر: الآية ({الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم}) [البقرة: 255] (وقال لي لمن يزال) وللكشميهني: لم يزل (عليك من الله حافظ) وسقط قوله لي من رواية أبي ذر (ولا يقربك شيطان) بفتح الراء والموحدة ولأبي ذر: ولا يقربك بضم الموحدة من غير نون فيهما كذا في الفرع وأصله.
قال البرماوي كالكرماني بعد أن ذكرا فتح الراء والموحدة وأصله يقربنك بالنون المؤكدة.
قال في المصابيح: لا أدري ما دعاه إلى ارتكاب مثل هذا الأمر الضعيف مع ظهور الصواب في خلافه وذلك أنه قال فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فعندنا فعل منصوب بلن وهو قوله يزال والآخر من يقربك منصوب بالعطف على المنصوب المتقدم ولا زائدة لتأكيد النفي مثلها في قولك: لمن يقوم زيد ولا

يضحك وأجريناهاعلى طريقتهم في إطلاق الزيادة على لا هذه وإن كان التحقيق أنها ليست بزائدة دائمًا ألا ترى أنه إذا قيل ما جاءني زيد وعمرو، احتمل نفي مجيء كلٍّ منهما على كل حال ونفي اجتماعهما في المجيء فإذا جيء بلا كان الكلام نصًّا في المعنى الأول.
نعم هي زائدة في مثل قولك لا يستوي زيد ولا عمرو انتهى.

ولأبي ذر: ولا يقربك الشيطان (حتى تصبح وكانوا) أي الصحابة (أحرص شيء على) تعلم (الخير) وفعله وكان الأصل أن يقول وكنا لكنه على طريق الالتفات وقيل هو مدرج من كلام بعض رواته، وبالجملة فهو مسوق للاعتذار عن تخلية سبيله بعد المرة الثالثة حرصًا على تعلّم ما ينفع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أما إنه) بالتخفيف وفتح الهمزة وكسرها كما مرّ (قد صدقك) بتخفيف الدال في نفع آية الكرسي، ولما أثبت له الصدق أوهم المدح فاستدركه بصيغة تفيد المبالغة في الذم بقوله (وهو كذوب) وفي حديث معاذ بن جبل صدق الخبيث وهو كذوب (تعلم من تخاطب منذ) بالنون، وللحموي والمستملي: مذ (ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال لا) أعلم (قال) عليه الصلاة والسلام: (ذاك شيطان) من الشياطين.
قال في شرح المشكاة ونكر لفظ الشيطان بعد سبق ذكره منكرًا في قوله: لا يقربك شيطان ليؤذن بأن الثاني غير الأوّل، وأن الأول مطلق شائع في جنسه، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس، فلو عرف لأوهم المقصود لأنه إما أن يشار إلى السابق أو إلى المعروف والمشهور بين الناس وكلاهما غير مراد، وكان من الظاهر أن يقال شيطانًا بالنصب لأن السؤال في قوله من تخاطب عن المفعول فعدل إلى الجملة الاسمية وشخصه باسم الإشارة لمزيد التعيين ودوام الاحتراز عن كيده ومكره.

فإن قلت: قد سبق في الصلاة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن شيطانًا تفلت عليّ البارحة" الحديث.
وفيه "ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطًا بسارية".
وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه.
أجيب: باحتمال أن الذي همّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يوثقه رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن من الشياطين فيضاهي حينئذٍ سليمان في تسخيرهم، والمراد بالشيطان في حديث أبي هريرة هذا شيطانه بخصوصه أو غيره في الجملة فلا يلزم من تمكه منه استتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكّن أو الشيطان الذي همّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبدّى له في صفته التي خلق عليها، وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه الصلاة والسلام على هيئتهم، والذي تبدّى لأبي هريرة في حديث الباب كان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان، وقد وقع لأُبيّ بن كعب عند النسائي وأبي أيوب الأنصاري عند الترمذي وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني وزيد بن ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص في ذلك إلاّ أنه ليس فيها ما يشبه قصة أبي هريرة إلا قصة معاذ وهو محمول على التعدّد.

وموضع الترجمة قوله: فخليت سبيله لأن أبا هريرة ترك الرجل الذي حثا الطعام لما شكا

الحاجة فأخبر بذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأجازه.
قال الزركشي كغيره: وفيه نظر لأن أبا هريرة لم يكن وكيلاً بالعطاء بل بالحفظ خاصة.

قال في المصابيح: النظر ساقط لأن المقصود انطباق الترجمة على الحديث وهي كذلك لأن أبا هريرة وإن لم يكن وكيلاً في الإعطاء فهو وكيل في الجملة ضرورة أنه وكيل بحفظ الزكاة وقد ترك مما وكل بحفظه شيئًا، وأجاز عليه الصلاة والسلام فعله فقد طابقته الترجمة قطعًا نعم في أخذ إقراض الوكيل إلى أجل مسمى من هذا الحديث نظر، وقد قرر بعضهم وجه الأخذ بأن أبا هريرة لما ترك السارق الذي حثا من الطعام كان ذلك الأجل ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والضعف.