فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركنا صدقة»

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»
( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا نورث) أي معاشر الأنبياء ( ما تركنا صدقة) ما موصول وتركنا صلته وصدقة بالرفع خبر ما أو يقدر فيه هو أي الذي تركناه هو صدقة.


[ قــ :6374 ... غــ : 6725 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا مِنْ فَدَكَ وَسَهْمَهُمَا مِنْ خَيْبَرَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن يوسف اليماني قاضيها قال: ( أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( أن فاطمة) الزهراء البتول ( والعباس) بن عبد المطلب ( عليهما السلام أتيا أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يلتمسان) يطلبان منه ( ميراثهما من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهما حينئذٍ يطلبان) منه ( أرضيهما من فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بالصرف وعدمه بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل ( وسهمهما) ولأبي ذر عن الكشميهني وسهمه بالإفراد ( من خيبر) بعدم الصرف مما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :6374 ... غــ : 676 ]
- فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لاَ أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلاَّ صَنَعْتُهُ قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ.

( فقال لهما أبو بكر) -رضي الله عنه-: ( سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لا نورث) بضم النون وفتح الراء مخففة وعند النسائي من حديث الزبير إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ( ما تركنا صدقة) بالرفع خبر ما الموصول كما مرّ وجوّز بعضهم النصب، وفيه بحث سبق في الخمس فلا نطيل به فليراجع، وفي العلل للدارقطني من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: الأنبياء لا يورثون والحكمة في أن لا يورثوا أن الله بعثهم مبلغين رسالته
وأمرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجرًا قال تعالى { قل لا أسألكم عليه أجرًا} [الأنعام: 90] وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك فكانت الحكمة أن لا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لوارثهم، وأما قوله تعالى { وورث سليمان داود} [النمل: 16] فحملوه على العلم والحكمة وكذا قول زكريا فهب لي من لدنك وليًّا يرثني ( إنما يأكل آل محمد) عليه الصلاة والسلام ( من) بعض ( هذا المال) بقدر حاجتهم وما بقي منه للمصالح وليس المراد أنهم لا يأكلون إلا منه ومن للتبعيض.
( قال أبو بكر: والله لا أدع) لا أترك ( أمرًا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنعه فيه) في المال ( إلا صنعته.
قال: فهجرته فاطمة)
-رضي الله عنها- أي هجرت أبا بكر -رضي الله عنه- ( فلم تكلمه حتى ماتت) قريبًا من ذلك بنحو ستة أشهر وليس المراد الهجران المحرّم من ترك السلام ونحوه، بل المراد أنها انقبضت عن لقائه قاله في الكواكب.

والحديث سبق في الخمس.




[ قــ :6375 ... غــ : 677 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة والموحدة المخففة وبعد الألف نون أبو إسحاق الوراق الأزدي قال: ( أخبرنا ابن المبارك) عبد الله المروزي ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا نورث ما تركنا) هو ( صدقة) .
قال ابن المنير في الحاشية: يستفاد منه أن من قال: داري مثلاً صدقة لا تورث أنها تكون حبسًا ولا يحتاج إلى التصريح بالوقف والحبس قال في الفتح: وهو حسن لكن هل يكون ذلك صريحًا أو كناية يحتاج إلى نيّة.




[ قــ :6376 ... غــ : 678 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِى مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِى وَبَيْنَ هَذَا؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ فَقَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّى أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { مَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}
-إِلَى قَوْلِهِ- { قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهُ وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِىَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ.
فَتَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضَهَا، فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِىُّ وَلِىِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِى وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ جِئْتَنِى تَسْأَلُنِى نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ وَأَتَانِى هَذَا يَسْأَلُنِى نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّى قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِى فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( مالك بن يوسف بن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة قال ابن شهاب ( وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرًا من حديثه) أي من حديث مالك بن أوس ( ذلك) الآتي ذكره ( فانطلقت حتى دخلت عليه) أي على مالك بن أوس حتى أسمع منه بلا واسطة ( فسألته) عن ذلك الحديث ( فقال: انطلقت حتى ادخل على عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( فأتاه حاجبه يرفى) بفتح الياء التحتية وسكون الراء وفتح الفاء بعدها تحتية خطأ، ولأبي ذر بالألف بدل التحتية بغير همز في الفرع كأصله.
وقال العيني كالكرماني بالهمز وغيره، وقال الحافظ ابن حجر: وبالهمز روايتنا من طريق أبي ذر ( فقال) له: ( هل لك) رغبة ( في) دخول ( عثمان) بن عفان عليك ( وعبد الرَّحمن) بن عوف ( والزبير) بن العوّام ( وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص وزاد النسائي على الأربعة طلحة بن عبيد الله ( قال: نعم فأذن لهم) فدخلوا فسلموا وجلسوا ( ثم قال) : يرفى لعمر -رضي الله عنه- ( هل لك) رغبة ( في علي) أي ابن أبي طالب ( وعباس) ؟ أي ابن عبد المطلب ( قال: نعم) فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا ( قال عباس) لعمر: ( يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا) أي عليّ زاد في الخمس وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر ( قال) عمر: ( أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألكم ( بالله الذي بإذنه تقوم السماء) فوق رؤوسكم بلا محمد ( والأرض) على الماء تحت أقدامكم ( هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع خبر الموصول ( يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) الزكية وكذا غيره لقوله في الحديث الآخر "إنّا معاشر الأنبياء لا نورث" فليس ذلك من الخصائص، وقيل إن قول عمر يريد نفسه أشار به إلى أن النون في قوله: لا نورث للمتكلم خاصة لا للجميع، وحكى ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن أكثر على أن الأنبياء لا يورثون.
وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن زكريا { وإني خفت الموالي} [مريم: 5] قال: العصبة.
وفي قوله { فهب لي من لدنك وليًّا يرثني} [مريم: 6] قال يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوّة.
ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر المال، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن رفعه مرسلاً رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله فيكون ذلك مما خصه الله به، ويؤيده قول عمر يريد نفسه أي يريد اختصاصه بذلك.

( فقال الرهط) عثمان وأصحابه ( قد قال) عليه الصلاة والسلام ( ذلك فأقبل) عمر -رضي الله عنه- ( على عليّ وعباس) -رضي الله عنهما- ( فقال: هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك) .
أي لا نورث ما تركنا صدقة.
( قالا: قد قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ذلك.
قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله)
تعالى ( قد كان خص رسوله) ولأبي ذر قد خص لرسوله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الفيء) أي الغنيمة ( بشيء لم يعطه أحدًا غيره) حيث خصصه كله به أو حيث حلل له الغنيمة ولم تحل لغيره من الأنبياء ( فقال عز وجل { ما أفاء الله على رسوله} ) إلى قوله ( { قدير} ) [الحشر: 6] ( فكانت) بنو النضير وخيبر وفدك ( خالصة) ولأبي ذر عن الحموي خاصة ( لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد فيها غيره ( والله) ولأبي ذر ووالله ( ما احتازها) بحاء مهملة وزاي مفتوحة من الحيازة ما جمعها ( دونكم ولا استأثر) ما تفرد ( بها عليكم لقد أعطاكموه) أي الفيء ولأبي ذر عن الكشميهني أعطاكموها أي أموال الفيء ( وبثها) بالموحدة والمثلثة المفتوحتين فرقها ( فيكم حتى بقي منها هذا المال) الذي تطلبان حصتكما منه ( فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) بفتح الميم والعين بينهما جيم ساكنة أي يصرفه مصرف ( مال الله) أي مما هو في جهة مصالح المسلمين ( فعمل بذاك) بغير لام ولأبي ذر فعمل بذلك ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياته أنشدكم بالله) بحرف الجر ( هل تعلمون ذلك؟ قالوا) أي عثمان وأصحابه: ( نعم) نعلمه.

( ثم قال) عمر: ( لعليّ وعباس) -رضي الله عنهم- ( أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم) قال عمر: ( فتوفى الله) عز وجل ( نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: ( أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها) أي الخالصة ( فعمل) فيها ( بما عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيها ( ثم توفى الله) عز وجل ( أبا بكر فقلت: أنا وليّ وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر وليّ الثانية ( فقبضتها سنتين أعمل فيها ما) بغير موحدة ( عمل) فيها ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- ( ثم جئتماني وكلمتكما واحدة) متفقان لا نزاع بينكما ( وأمركما جميع.
جئتني)
يا عباس ( تسألني نصيبك من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وأتاني هذا) عليّ ( يسألني نصيب امرأته) فاطمة -رضي الله عنها- ( من أبيها) صلوات الله وسلامه
عليه ( فقلت) لكما ( إن شئتما دفعتهما إليكما بذلك) أي بأن تعملا فيها كما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر ( فتلتسمان) بحذف أداة الاستفهام أي أفتطلبان ( مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني فوالذي ( بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما) عنها ( فادفعاها إليّ) بتشديد الياء ( فأنا كفيكماها) بفتح الهمزة.

فإن قلت: إذا كان عليّ وعباس أخذاها على الشرط المذكور فيكف يطلبان بعد ذلك من عمر؟ أجيب: بأنهما اعتقدا أن عموم قوله لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه، وأما مخاصمتها فلم تكن في الميراث بل طلبا أن تقسم بينهما ليستقل كل منهما بالتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر لأن القسمة إنما تقع في الاملاك، وربما تطاول الزمان فيظن أنه ملكهما قاله الكرماني، وسبق مزيد لذلك في فرض الخمس.




[ قــ :6377 ... غــ : 679 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِى وَمُؤْنَةِ عَامِلِى فَهْوَ صَدَقَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا يقتسم) بتحتية ثم فوقية مفتوحتين بينهما قاف ساكنة ولأبي ذر عن الكشميهني لا يقسم بإسقاط الفوقية ( ورثتي دينارًا) ولا غيره وميم يقتسم على الروايتين رفع خبر أي ليس يقسم ورواه بعضهم بالجزم كأنه نهاهم أن خلف شيئًا لا يقسم بعده فلا تعارض بين هذا وبين ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينارًا ولا درهمًا ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين ويستفاد من غيرهما لا يقسم أيضًا بطريق الإرث بل تقسم منافعه لمن ذكر وقوله: ورثتي أي بالقوّة أي لو كنت ممن يورث، أو المراد لا يقسم مال تركه لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون الحكم معللاً بما به الاشتقاق وهو الإرث فالمنفي اقتسامهم بالإرث عنه قاله الشيخ تقي الدين السبكي ( ما تركت بعد نفقة نسائي) قال السبكي: ويدخل فيه كسوتهن وسائر اللوازم أي كالمساكن ( ومؤونة عاملي) على الصدقات أو الخليفة بعدي أو الناظر في الصدقات أو حافر قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فهو) أي المتروك بعدما ذكر ( صدقة) والصدقة لا تحل لآله.

فإن قلت: ما وجه تخصيص النساء بالنفقة والمؤونة بالعمال وهل بينهما فرق؟ أجاب الشيخ تقي الدين السبكي كما في الفتح: بأن المؤونة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بذل القوت قال: وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤونة والسرّ في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما
اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بدّ لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه اهـ ملخصًا.

والحديث سبق في الوصايا والخمس.




[ قــ :6378 ... غــ : 6730 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) إمام الأئمة ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أردن أن يبعثن عثمان) بن عفان ( إلى أبي بكر) -رضي الله عنه- ( يسألنه ميراثهن) أي من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقالت عائشة: أليس قال) ولأبي ذر قد قال: ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع كما مرّ، وقيل إن الحكمة في كونه لا يورث حسم المادة في تمني الوارث موت المورث من أجل المال، وقيل لكون النبي كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهو معنى الصدقة العامة.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في الفرائض.