فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل الحج المبرور

باب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ
( باب فضل الحج المبرور) اسم مفعول من بر المتعدي يقال بر الله حجك فهو متعد بنفسه ويبنى للمفعول فيقال بر حجك فهو مبرور.


[ قــ :1459 ... غــ : 1519 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ".

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني الأعرج قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء على المشهور وقيل بكسرها وكان يكره فتحها

( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السائل أبو ذر ( أي الأعمال أفضل) ؟ أي أكثر ثوابًا.
وفي حديث ابن مسعود عند الشيخين: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة لوقتها".
وفي حديث أبي سعيد سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الناس أفضل؟ قال: "رجل يجاهد في سبيل الله" إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا المعنى، واستشكلت للمعارضة الظاهرة.
وأجيب: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجاب كلاًّ بما يوافق غرضه وما يرغبه فيه أو على حسب ما عرف من حاله وبما يليق به وأصلح له توقيفًا له على ما خفي عليه، وقد يقول القائل: خير الأشياء كذا ولا يريد تفضيله في نفسه على جميع الأشياء، ولكن يريد أنه خيرها في حال دون حال ولواحد دون آخر.
( قال:) عليه الصلاة والسلام أفضل الأعمال.

( إيمان بالله ورسوله) نكر الإيمان ليشعر بالتعظيم والتفخيم أي التصديق المقارن بالإخلاص المستتبع للأعمال الصالحة ( قيل: ثم ماذا؟) أي أي شيء أفضل بعده ( قال:) ( جهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الله.
( قيل: ثم ماذا؟) أفضل ( قال) ( حج مبرور) مقبول أو لم يخالطه إثم أو لا رياء فيه أو لا تقع فيه معصية.
وفي حديث جابر عند أحمد بإسناد فيه ضعف قالوا: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: "إطعام الطعام وإفشاء السلام" وقوله: إيمان بالله الخ.
أخبار مبتدآت محذوفة لا مبتدآت محذوفة الأخبار، لأن المقدر في الكل أفضل الأعمال وهو أعرف من إيمان بالله ولاحقيه.
وقوله: مبرور قال المازري: هو من البر.




[ قــ :1460 ... غــ : 150 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ "عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لاَ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ".
[الحديث 150 - أطرافه في: 1861، 784، 875، 876] .

وبه قال ( حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة بينهما مثناة تحتية ساكنة وليس أخًا لعبد الله بن المبارك الفقيه المشهور قال: ( حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان قال ( أخبرنا حبيب بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم وفتح الراء آخره هاء تأنيث القصاب ( عن عائشة بنت طلحة) التميمية القرشية أجل نساء قريش أصدقها مصعب بن الزبير ألف درهم ( عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله نرى) بفتح النون نعتقد ( الجهاد أفضل العمل) لكثرة ما نسمع من فضائله في الكتاب والسنة، وعند النسائي من رواية جرير عن حبيب فإني لا أرى في القرآن أفضل من الجهاد ( أفلا نجاهد؟ قال:) .

( لا) تجاهدون وسقط لفظ لا عند أبي ذر ( لكن) بضم الكاف وتشديد النون واللام حرف جر دخل على جماعة المخاطبات خبر قوله ( أفضل الجهاد) كذا لأبي ذر عن الكشميهني وللحموي كما في الفتح وغيره لكن بكسر الكاف وزيادة ألف بعد اللام مع تشديد النون بلفظ الاستدراك، وحينئذ

فأفضل منصوب على أنه اسمها.
وفي رواية لكن بسكون النون مخففة فأفضل مرفوع بالابتداء خبره ( حج مبرور) وعلى هذين يكون الاستدراك مستفادًا من السياق أي ليس لكن الجهاد لكن أفضل منه في حقكن حج مبرور، وقول الزركشي: لكن بضم الكاف وتشديد النون والوجه حينئذ رفع أفضل على أنه مبتدأ خبره حج مبرور.
تعقبه البدر الدماميني: بأنه ظن أن لكن ظرف لغو متعلق بأفضل أي أفضل الجهاد لكن حج مبرور، والمانع من ذلك قائم فالصواب أن الخبر قوله: لكن وأما حج مبرور فخبر لمبتدأ محذوف أي هو حج مبرور.

ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وبصري وواسطيّ وكوفي ومدني وفيه المرأة عن خالتها فإن عائشة أم المؤمنين خالة عائشة بنت طلحة لأن أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وأخرجه أيضًا في الحج والجهاد، والنسائي في الحج وكذا ابن ماجة.




[ قــ :1461 ... غــ : 151 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
[الحديث 151 - طرفاه في: 1819، 180] .

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي أياس ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية ( أبو الحكم) العنزي بنون وزاي وأبوه يكنى أبا سيار واسمه وردان ( قال: سمعت أبا حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان بفتح السين وسكون اللام الأشجعي وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد لأنه لم يسمع من أبي هريرة ( قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- قال:) بلفظ الماضي كاللذين قبله ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( من حج لله) وللمؤدف فيما يأتي من حج هذا البيت، ولمسلم: من أتى هذا البيت وهو يشمل الإتيان للحج والعمرة، وللدارقطني من طريق الأعمش عن أبي حازم بسند فيه ضعف إلى الأعمش من حج أو اعتمر ( فلم يرفث) بتثليث الفاء في المضارع والماضي لكن الأفصح الضم في المضارع والفتح في الماضي أي الجماع أو الفحش في القول أو خطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع.
وقال الأزهري: كلمة جامعا لكل ما يريده الرجل من المرأة ( ولم يفسق) لم يأت بسيئة ولا معصية.
وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] الرفث: إتيان النساء والفسوق السباب والجدال المراء يعني مع الرفقاء والمكارين ولم يذكر في الحديث الجدال في الحج اعتمادًا على الآية ويحتمل أن يكون ترك الجدال قصدًا لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج لما يظهر من الأدلة أو المجادلة بطريق التعميم
لا تؤثر أيضًا، لأن الفاحش منها دخل في عموم الرفث، والحسن منها ظاهر في عدم التأثير والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضًا قاله في فتح الباري، والفاء في قوله: فلم يرفث عطف على الشرط وجوابه ( رجع) أي من ذنوبه ( كيوم ولدته أمه) بجر يوم على الأعراب وبفتحه على البناء وهو المختار

في مثله لأن صدر الجملة المضاف إليها مبني أي رجع مشابهًا لنفسه في أنه يخرج بلا ذنب كما خرج بالولادة وهو يشمل الصغائر والكبائر والتبعات.
قال الحافظ ابن حجر: وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرادس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري انتهى.
لكن قال الطبري أنه محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها.
وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله خاصة دون العباد ولا تسقط الحقوق أنفسها فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه لأنها حقوق لا ذنوب إنما الذنوب تأخيرها فنفس التأخير يسقط بالحج لا هي أنفسها فلو أخّرها بعده تجددًا ثم آخر فالحج المبرور يسقط إثم المخالفة لا الحقوق.