فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة في نسخة الضعاني، وهي لأبي ذر في اليونينية مما صحح عليه.


باب فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
( باب فضل الصلاة) مطلقًا، أو المكتوبة فقط ( في مسجد مكة و) مسجد ( المدينة) .


[ قــ :1147 ... غــ : 1188 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَرْبَعًا قَالَ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً.

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، ابن الحرث بن سخبرة، بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة، الأزدي النمري، بفتح النون والميم، الحوضي البصري المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج الواسطي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الملك) زاد أبو ذر، والأصيلي: ابن عمير، بالتصغير، القبطي، قاضي الكوفة بعد الشعبي، المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة، وله مائة سنة وثلاث سنين ( عن قزعة) بالقاف والزاي والعين المفتوحات، وقد تسكن الزاى، ابن يحيى، ويقال: ابن الأسود البصري، مولى زياد ( قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري، ( رضي الله عنه، قال) :
( أربعًا) هي الآتية قريبًا في باب: مسجد بيت المقدس.

كما قاله ابن رشيد، وهي: لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين، بعد: الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.


( قال: سمعت من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، قال قزعة: ( وكان) أبو سعيد ( غزا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثنتي عشرة غزوة) .

كذا اقتصر المؤلّف على هذا القدر لقصد الإغماض، لينبّه غير الحافظ على فائدة الحفظ، كما نبّه عليه ابن رشيد.

وفي هذا السند: التحديث والإخبار بالإفراد والسماع والقول، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابيّ، وأخرج حديثه المؤلّف في: الصلاة ببيت المقدس، والحج، والصوم.
ومسلم في: المناسك، والترمذي في: الصلاة، والنسائي في: الصوم، وابن ماجة فيه، وفي: الصلاة.

( ح) للتحويل من سند إلى آخر، كما مر.




[ قــ :1147 ... غــ : 1189 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْجِدِ الأَقْصَى».

قال المؤلّف ( حدّثنا) ولأبي ذر، وابن عساكر: وحدّثنا ( علي) هو: ابن المديني ( قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سعيد) بكسر العين هو: ابن المسيب ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه) ، وليس هذان السندان للمتن التالي، لأن حديث أبي سعيد اشتمل على أربعة أشياء، كما مر.
ومتن أبي هريرة هذا، اقتصر على شد الرحال فقط، حيث روى ( عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( لا تشدّ الرحال) بضم المثناة الفوقية وفتح المعجمة.

والرحال بالمهملة، جمع: رحل للبعير، كالسرج للفرس.
وهو أصغر من القتب وشده كناية عن السفر، لأنه لازم له.

والتعبير بشدها خرج مخرج الغالب في ركوبها للمسافر، فلا فرق بين ركوب الرواحل وغيرها، والمشي في هذا المعنى، ويدل لذلك قوله في بعض طرقه: "إنما يسافر ... " أخرجه مسلم، والنفي هنا بمعنى النهي، أي: لا تشدّ الرحال إلى مسجد للصلاة فيه.

( إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام) بمكة بخفض دال المسجد بدل من ثلاثة أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي: المسجد الحرام والتاليان، عطف عليه.

والمراد هنا بالمسجد الحرام أرض الحرم كلها، قيل لعطاء، فيما رواه الطيالسي: هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم، قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد.


( ومسجد الرسول) محمد ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بطيبة عبر به دون مسجدى، للتعظيم أو هو من تصرف الرواة.

وروى أحمد بإسناد رواته الصحيح، من حديث أنس رفعه: "من صلّى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة من النار، وبراءة من العذاب، وبراءة من النفاق".

( ومسجد الأقصى) : بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة عند الكوفيين، والبصريون يؤولونه بإضمار المكان أي و: مسجد المكان الأقصى.
وسمي به لبعده عن مسجد مكة في المسافة، أو لأنه لم يكن وراءه مسجد.

وقد بطل بما مر من التقدير: بلا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه، المعتضد بحديث أبي سعيد، المروي في مسند أحمد، بإسناد حسن مرفوعًا: لا ينبغى للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والأقصى ومسجدي.

هذا قول ابن تيمية.
حيث منع من زيارة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو من أبشع المسائل المنقولة عنه.

وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه أنه كره اللفظ أدبًا، لا أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القرب الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع.
اهـ.

فشد الرحال للزيارة أو نحوها: كطلب علم ليس إلى المكان، بل إلى من فيه، وقد التبس ذلك على بعضهم، كما قاله المحقق التقي السبكي، فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة في غير الثلاثة داخل في المنع، وهو خطأ، لأن الاستثناء كما مر إنما يكون من جنس المستثنى منه، كما إذا قلت ما رأيت إلا زيدًا كان تقديره: ما رأيت رجلاً واحدًا إلا زيدًا، لا، ما رأيت شيئًا أو حيوانًا إلا زيدًا.

وقد استدلّ بالحديث على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد، لزمه ذلك.
وبه قال مالك، وأحمد والشافعي في البويطي، واختاره، أبو إسحاق المروزي.
وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقًا.
وقال الشافعي في الأم: يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به، بخلاف المسجدين الآخرين.
وهذا هو المنصوص لأصحابه.
واستدلّ به أيضًا على أن من نذر إتيان غير هذه الثلاثة، لصلاة أو غيرها لا يلزمه، لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أي مسجد كان.

قال النووي: لا اختلاف فيه إلا ما روي عن الليث أنه قال: يجب الوفاء به، وعن الحنابلة رواية: أنه يلزمه كفارة يمين، ولا ينعقد نذره.

وعن المالكية رواية: أنه إن تعلقت به عبادة تختص به كرباط.
وإلاّ فلا.

وذكر عن محمد بن مسلمة، أنه يلزم في مسجد قباء لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأتيه كل سبت.


فإن قلت: ما المطابقة بين الترجمة والحديث.

أجيب: بأنه من التعبير بالرحلة إلى المساجد، لأن المراد بالرحلة إليها، قصد الصلاة فيها لأن لفظ: المساجد، يشعر بالصلاة.

وفي هذا السند الثاني: التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي.

وأخرج حديثه هذا: مسلم وأبو داود في الحج، والنسائي في الصلاة.




[ قــ :1148 ... غــ : 1190 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة الأصبحي ( عن زيد بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وبالحاء المهملة المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة ( وعبيد الله) بالتصغير والخفض، عطفًا على سابقه ( ابن أبي عبد الله الأغر) كلاهما ( عن أبي عبد الله) سلمان ( الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء، المدني، شيخ الزهري ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي) ولأبوي: ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: أن رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: صلاة) ، فرضًا أو نفلاً ( في مسجدي هذا خير) من جهة الثواب ( من ألف صلاة) تصلّى ( فيما سواه) من المساجد ( إلا المسجد الحرام) أي: فإن الصلاة فيه خير من الصلاة في مسجده.

ويدل له حديث أحمد، وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير، رفعه: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا.

وعند البزار، وقال: إسناده حسن، والطبراني، من حديث أبي الدرداء، رفعه: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة.
وأوّله المالكية، ومن وافقهم، بأن الصلاة في مسجدي تفضله بدون الألف.

قال ابن عبد البر: لفظ دون يشمل الواحد، فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسع وتسعين صلاة.

وأوّله بعضهم على التساوي بين المسجدين ورجحه ابن بطال معللاً: بأنه لو كان مسجد مكة فاضلاً أو مفضولاً لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل، بخلاف المساواة.

وأجيب: بأن دليله قوله في حديث أحمد وابن حبان السابق: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا.
وكأنه لم يقف عليه، وهذا التضعيف يرجع إلى الثواب كما مر.
ولا يتعدى إلا جزاء بالاتفاق، كما نقله النووي وغيره.


وعليه يحمل قول أبي بكر النقاش المفسر في تفسيره: حسبت الصلاة في المسجد الحرام، فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة.
وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة، فإنها تزيد سبعًا وعشرين درجة، كما مر.

قال البدر بن الصاحب الأثاري: إن كل صلاة بالمسجد الحرام فرادى بمائة صلاة، وكل صلاة فيه جماعة بألفي ألف صلاة وسبعمائة ألف صلاة، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة ألف صلاة، وصلاة الرجل منفردًا في وطنه غير المسجدين العظمين كل مائة سنة شمسية بمائة ألف وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بالف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة، فتلخص من هذا أن صلاة واحدة في المسجد الحرام جماعة، يفضل ثوابها على ثواب من صلّى في بلده فرادى، حتى بلغ عمر نوح بنحو الضعف.
اهـ.

لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا؟ محل بحث.
وهل يدخل في التضعيف ما زيد في المسجد النبوي في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم؟ أم لا:؟ إن غلبنا اسم الإشارة في قوله: مسجدي هذا انحصر التضعيف فيه ولم يعم ما زيد فيه، لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده يقوله: هذا.
وقد صرح بذلك النووي، بخلاف المسجد الحرام، فإنه يعم الحرم كله كما مر.

واستنبط منه تفضيل مكة على المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة، وهو قول الجمهور.

وحكي عن مالك، وابن وهب، ومطرف، وابن حبيب، من أصحابه: لكن المشهور عن مالك وأكثر أصحابه تفضيل المدينة.
وقد رجع عن هذا القول أكثر المنصفين من المالكية.
واستثنى القاضي عياض البقعة التي دفن فيها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فحكى الاتفاق على أنها أفضل بقاع الأرض.
بل قال ابن عقيل الحنبلي: إنها أفضل من العرش.

ورواة هذا الحديث الستة مدنيون، إلا شيخ المؤلّف فأصله من دمشق وهو من أفراده، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: المناسك، والترمذي وابن ماجة في: الصلاة، النسائي في: الحج.