فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا

باب نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا
( باب نهي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم ( عن نكاح المتعة آخرًا) ولأبي ذر أخيرًا وهو المؤقت بمدة معلومة كسنة أو مجهولة كقدوم زيد وسمي بذلك لأن الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وسائر أغراض النكاح، وقد كان جائزًا في صدر الإسلام للمضطر كأكل الميتة ثم حرم كما أفهمه قول المصنف، ويأتي إن شاء الله تعالى ما ورد فيه.


[ قــ :4842 ... غــ : 5115 ]
- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ.

وبه قال: ( حدّثنا مالك بن إسماعيل) النهدي قال: ( حدّثنا ابن عيينة) سفيان ( أنه سمع الزهري) محمد بن مسلم ( يقول أخبرني) بالإفراد ( الحسن بن محمد بن علي) أي ابن أبي طالب ( وأخوه) أي أخو الحسن ( عبد الله) أبو هاشم ولأبي ذر عبد الله بن محمد كلاهما ( عن أبيهما) محمد ابن الحنفية ( أن) أباه ( عليًّا -رضي الله عنه- قال لابن عباس) لما سمعه يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن المتعة) في رواية أحمد عن سفيان عن نكاح المتعة ( وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر) ظرف للاثنين.

وفي غزوة خيبر من كتاب المغازي نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية لكن قال البيهقي فيما قرأته في كتاب المعرفة: وكان ابن عيينة يزعم أن تاريخ خيبر في حديث علي إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في نكاح المتعة.
قال البيهقي: وهو يشبه أن يكون كما قال فقد روي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه رخص فيه بعد ذلك ثم نهى عنه فيكون احتجاج علي بنهيه آخرًا حتى تقوم به الحجة على ابن عباس، وقال السهيلي: النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ولا رواة الأثر فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري انتهى.

واتفق أصحاب الزهري كلهم على خيبر بالخاء المعجمة والراء آخره إلا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث، فقال حنين بالحاء المهملة والنونين أخرجه النسائي والدارقطني وقالا إنه وهم تفرّد به، وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة والذي تحصل من ذلك أن أولها خيبر ثم عمرة القضاء كما رواه عبد الرزاق من مرسل الحسن البصري ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد ثم الفتح كما في مسلم بلفظ: إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ثم أوطاس كما في مسلم بلفظ رخص لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها، لكن يحتمل أنه أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما لكن يبعد أن يقع الإذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح قبلها في الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة ثم تبوك فيما أخرجه إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة وهو ضعيف لأنه من رواية المؤمل بن إسماعيل عن عكرمة عن عمار وفي كلٍّ منهما مقال، وعلى تقدير صحته فليس فيه أنهم استمتعوا في تلك الحالة أو كان النهي قديمًا فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة ولذلك قرن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النهي بالغضب كما في رواية الحازمي من حديث جابر لتقدم النهي عنه ثم حجة الوداع كما عند أبي داود بلفظ لكن اختلف فيه علي الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد إعادة النهي ليسمعه من لم يسمعه قبل ويقوّيه أنهم كانوا حجوا بنسائهم بعد أن وسع الله عليهم بفتح خيبر من
المال والسبي فلم يكونوا في شدة ولا طول عزوبة فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام، وأيّده ابن القيم في الهدي بأن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات.
وقال النووي: الصواب والمختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين فكانت حلالًا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم الفتح وهو يوم أوطاس لاتصالها بها ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة.

وسبق هذا الحديث في المغازي في غزوة خيبر.




[ قــ :4843 ... غــ : 5116 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَالِ الشَّدِيدِ، وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ أَوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
نَعَمْ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري أنه ( قال: سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( سئل) بضم السين ولأبي ذر يسأل بتحتية مضمومة بلفظ المضارع مبنيًّا للمفعول فيهما ( عن متعة النساء فرخص) فيها ( فقال له مولى له) : قيل: إنه عكرمة ( إنما ذلك) الترخيص ( في الحال الشديد) من قوّة الشهوة والعزوبة ( وفي النساء قلة) .
وعند الإسماعيلي إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قلائل ( أو) قال: ( نحوه فقال ابن عباس: نعم) أي صدق إنما رخص فيها بسبب العزوبة في حال السفر.




[ قــ :4844 ... غــ : 5117 - 5118 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالا: َ كُنَّا فِي جَيْشٍ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا».

وبه قال: ( حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال عمرو) : بفتح العين ابن دينار ( عن الحسن بن محمد) أي ابن علي بن أبي طالب ( عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( وسلمة بن الأكوع) -رضي الله عنهم- أنهما ( قالا: كنا في جيش) بالجيم المفتوحة والتحتية الساكنة بعدها معجمة ( فأتانا رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قيل إنه بلال، وللكشميهني مما في اليونينية رسول رسول رسول الله فلينظر ( فقال: إنه قد أذن لكم) بضم الهمزة ( أن تستمتعوا) زاد شعبة عند مسلم يعني متعة النساء ( فاستمتعوا) بفتح المثناة الفوقية بلفظ الماضي وكسرها بلفظ الأمر.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح.




[ قــ :4844 ... غــ : 5119 ]
- حدثنا.

     وَقَالَ  ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلاَثُ لَيَالٍ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا
تَتَارَكَا» فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً، أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ مَنْسُوخٌ.

( وقال ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب فيما وصله الطبراني والإسماعيلي وغيرهما ( حدّثني) بالإفراد ( إياس بن سلمة بن الأكوع) بكسر الهمزة وتخفيف الياء ( عن أبيه عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال:
( أيما رجل وامرأة توافقا) في النكاح بينهما مطلقًا من غير ذكر أجل ( فعشرة ما بينهما ثلاث ليال) بفاء مفتوحة فعين مكسورة فمعجمة ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعشرة بموحدة مكسورة بدل الفاء قال في الفتح وبالفاء أصح والمعنى أن إطلاق الأجل محمول على التقييد بثلاثة أيام بلياليهن ( فإن أحبا) الرجل والمرأة بعد انقضاء الثلاث ( أن يتزايدا) في المدة تزايدًا أو أن يتناقصًا تناقصًا ( أو) أحبا أن ( يتتاركا) التوافق ويتفارقا ( تتاركا) قال سلمة بن الأكوع: ( فما أدري أشيء كان) الجواز ( لنا) معشر الصحابة ( خاصة أم) كان ( للناس عامة) نعم وقع في حديث أبي ذر عند البيهقي أنها أحلّت للصحابة ثلاثة أيام ثم نهى عنها.

( قال أبو عبد الله) البخاري: ( وبينه) ولأبي ذر وقد بينه أي حكم المتعة ( علي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه منسوخ) .
وقد وقع الإجماع على تحريمها إلا الروافض وقد نقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه، واختلف هل يحدّ ناكح المتعة أم لا؟ وهو مبني على أن الاتفاق بعد الخلاف هل يرفع الخلاف المتقدّم، ومذهب الشافعية سقوط الحدّ ولو علم فساده لشبهة اختلاف العلماء ولو قال نكحتها متعة ولم يزد عليه فباطل يسقط بالوطء وفيه الحد ويلزم بالوطء فيه المهر والنسب والعدة، وأما نكاح المحلل فإن شرط في العقد أنه يحللها للذي طلقها ثلاثًا أو إذا وطئها لا نكاح بينهما أو أنه إذا حللها طلقها لا يصح لأنه عقد شرط قطعه دون غايته فيبطل كنكاح المتعة، فإن عقد النكاح ليحلها لكنه لم يشرطه في صلب العقد صح النكاح لخلوّه عن المفسدة وكره.