فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34]

باب قَوْلِهِ: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]
( باب قوله) عز وجل ( { إن الله عنده علم الساعة} ) [لقمان: 34] علم وقت قيامها.


[ قــ :4517 ... غــ : 4777 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَرُسُلِهِ، وَلِقَائِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: «الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ رَبَّتَهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُؤُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ.
فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( إسحاق) بن إبرهيم المعروف بابن راهويه ( عن جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن سعيد الكوفي ( عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يومًا بارزًا)
ظاهرًا ( للناس إذ أتاه رجل) ملك في صورة رجل وهو جبريل عليه السلام ولأبي ذر عن الكشميهني إذ جاءه رجل ( يمشي فقال: يا رسول الله ما الإيمان) أي ما متعلقاته ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( الإيمان أن تؤمن بالله) أي تصدق بوجوده وبصفاته الواجبة ( وملائكته) ولأبي ذر والأصيلي زيادة وكتبه بأن تصدق بأنها كلامه تعالى وأن ما اشتملت عليه حق لا ريب فيه ( ورسله) بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ( ولقائه) برؤيته تعالى في الآخرة ( وتؤمن) أي أن تصدق أيضًا ( بالبعث الآخر) بكسر الخاء أي من القبور وما بعده وأعاد تؤمن لأنه إيمان بما سيوجد وما سبق إيمان بالموجود نوعان ( قال) أي جبريل: ( يا رسول الله ما الإسلام؟ قال) عليه الصلاة والسلام: ( الإسلام أن تعبد الله) أي تطيعه ( ولا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة) المكتوبة ( وتؤتي الزكاة المفروضة) .

قال في المصابيح: لم يقيد الصلاة بالمكتوبة وإنما قيد الزكاة مع أنها إنما تطلق على المفروضة بخلاف الصلاة فتأمل السر في ذلك انتهى.

وقد سبق في كتاب الإيمان أن تقييد الزكاة بالمفروضة احتراز عن صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية أو من المعجلة.

وفي رواية مسلم: تقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة ( وتصوم رمضان) زاد في رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا فلعل راوي حديث الباب نسيه ( قال) أي جبريل: ( يا رسول الله ما الإحسان؟) المتكرر في القرآن المترتب عليه الأجر وقال الخطابي المراد بالإحسان هنا الإخلاص وهو شرط في صحة الإيمان والإسلام معًا لأن من تلفظ من غير نيّة إخلاص لم يكن محسنًا ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( الإحسان أن تعبد الله) أي عبادتك الله حال كونك في عبادتك له ( كأنك تراه) في إخلاص العبادة لوجهه الكريم ومجانبة الشرك الخفي ( فإن لم تكن تراه) فلا تغفل واستمر على إحسان العبادة ( فإنه يراك) وهذا تنزل من مقام المكاشفة إلى مقام المراقبة ( قال) جبريل: ( يا رسول الله متى الساعة؟) أي قيامها وسميت الساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها ( قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( ما المسؤول منها بأعلم من السائل) ما نافية يعني لست أنا أعلم منك يا جبريل بعلم وقت قيام الساعة ( ولكن سأحدثك عن أشراطها) علاماتها السابقة عليها وذلك ( إذا ولدت المرأة) وفي رواية أبي ذر الأمة ( ربتها) بتاء التأنيث على معنى النسمة ليشمل الذكر والأنثى كناية عن كثرة السبي فيستولد الناس أماءهم فيكون الولد كالسيد لأمه لأن ملك الأمة راجع في التقدير إلى الولد ( فذاك من أشراطها) لأن كثرة السبي والتسري دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين وهو من الأمارات لأن قوّته وبلوغ أمره غايته وذلك منذر بالتراجع والانحطاط المنذر بأن القيامة ستقوم ( وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس) إشارة إلى استيلائهم على الأمر وتملكهم البلاد بالقهر والمعنى أن الأذلة من الناس ينقلبون أعزة ملوك
الأرض ( فذاك من أشراطها) واكتفى باثنتين من الأشراط مع التعبير بالجمع لحصول المقصود بهما في ذلك وعلم وقتها داخل ( في) جملة ( خمس) من الغيب وحذف متعلق الجار سائغ شائع ويجوز أن يتعلق بأعلم أي ما المسؤول عنها بأعلم في خمس أي في علم الخمس أي لا ينبغي لأحد أن يسأل أحدًا في علم الخمس لأنهن ( لا يعلمهن إلا الله) وفيه إشارة إلى إبطال الكهانة والنجامة وما شاكلهما وإرشاد للأمة وتحذير لهم عن إتيان من يدعي علم الغيب ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وخمس لا يعلمهن إلا الله بواو العطف بدل الجار ( { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} ) في وقته المقدر له والمحل المعين له في علمه ( { ويعلم ما في الأرحام} ) أذكر أم أنثى.

قال في شرح المشكاة فإن قيل: أليس إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أمارات الساعة من قبيل قوله: { وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا} [لقمان: 34] .
وأجاب: بأنه إذا أظهر بعض المرتضين من عباده بعض ما كشف له من الغيوب لمصلحة ما لا يكون إخبارًا بالغيب بل يكون تبليغًا له قال الله تعالى: { فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول} [الجن: 26] وفائدة بيان الأمارات أن يتأهب المكلف إلى المعاد بزاد التقوى ( ثم انصرف الرجل) جبريل.

( فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحاضرين من أصحابه: ( ردوا عليّ) بتشديد الياء أي الرجل ( فأخذوا ليردوا) بحذف ضمير المفعول للعلم به ( فلم يروا شيئًا) لا عينًا ولا أثرًا ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم) أي قواعد دينهم وإسناد التعليم إليه وإن كان سائلًا لأنه كان سببًا في التعليم.

وهذا الحديث قد سبق في كتاب الإيمان.




[ قــ :4518 ... غــ : 4778 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ، ثُمَّ قَرَأَ { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} » [لقمان: 34] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني الإفراد ( يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي نزيل مصر ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله المصري ( قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا ( عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب المدني نزيل عسقلان ( أن أباه) محمد بن زيد ( حدثه أن) جده ( عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( مفاتح) بوزن مصابيح ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر مفتاح ( الغيب) بوزن مصباح أي خزائن الغيب ( خمس ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ( { إن الله عنده علم الساعة} ) الآية إلى آخرها كذا ساقه هنا مختصرًا وتامًّا في الاستسقاء والرعد والأنعام.


[3] سورة السَّجْدَةِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ { مَهِينٍ} : ضَعِيفٍ، نُطْفَةُ الرَّجُلِ.
{ ضَلَلْنَا} : هَلَكْنَا.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ { الْجُرُزُ} : الَّتِي لاَ تُمْطَرُ إِلاَّ مَطَرًا لاَ يُغْنِى عَنْهَا شَيْئًا.
{ يَهْدِ} : يُبَيِّنُ.

( [3] سورة السَّجْدَةِ)
ولأبي ذر: سورة السجدة بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر.

( وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم ( { مهين} ) في قوله تعالى: { ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} [السجدة: 8] معناه ( ضعيف) وهو ( نطفة الرجل) .

وقال مجاهد أيضًا فيما وصله الفريابي ( { ضللنا} ) في قوله: { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10] أي ( هلكنا) في الأرض وصرنا ترابًا.

( وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري في قوله تعالى: { أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجزر} [السجدة: 7] ( الجزر) هي ( التي لا تمطر) ولأبي ذر والأصيلي لم تمطر ( إلا مطرًا لا يغني عنها شيئًا) وقيل اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها والجزر هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات.

( { نهد} ) أي ( نبين) بالنون فيهما ولأبوي ذر والوقت يهد يبين بالمثناة التحتية فيهما ومراده تفسير { أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون} [السجدة: 6] .