فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صوم الصبيان

باب صَوْمِ الصِّبْيَانِ
وَقَالَ عُمَرَ -رضي الله عنه- لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ.
فَضَرَبَهُ.

( باب) حكم ( صوم الصبيان) هل يشرع أم لا؟ والمراد الجنس الصادق بالمذكور والإناث، ومذهب الشافعية أنهم يؤمرون به لسبع إذا أطاقوا ويضربون على تركه لعشر قياسًا على الصلاة، ويجب على الوليّ أن يأمرهم به ويضربهم على تركه، لكن نظر بعضهم في القياس بأن الضرب عقوبة فيقتصر فيها على محل ورودها وهو مشهور مذهب المالكية فيفرقون بين الصلاة والصيام فيضربون على الصلاة ولا يكلفون الصيام وهو مذهب المدونة.
وعن أحمد في رواية أنه يجب على من بلغ عشر سنين وأطاقه، والصحيح من مذهبه عدم وجوبه عليه وعليه جماهير أصحابه، لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده قالوا: وحيث قلنا بوجوب الصوم على الصبي فإنه يعصي بالفطر ويلزمه الإمساك والقضاء كالبالغ.

( وقال عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه-) فيما وصله سعيد بن منصور والبغوي في الجديات ( لنشوان) بفتح النون وسكون الشين المعجمة غير مصروف لأن الاسم يمنع من الصرف للصفة وزيادة الألف والنون بشرط أن لا يكون المؤنث في ذلك بتاء تأنيث نحو: نشوان وعطشان تقول هذا نشوان ورأيت نشوان ومررت بنشوان فتمنعه من الصرف للصفة وزيادة الألف والنون والشرط موجود فيه لأنك لا تقول للمؤنث نشوانة إنما تقول نشوى، لكن حكى الزمخشري في مؤنثه نشوانة وحينئذٍِ فيجوز صرفه، والمعنى قال عمر لرجل سكران ( في رمضان: ويلك) بفتح اللام مفعول فعله لازم الحذف أي شربت الخمر ( وصبياننا) الصغار ( صيام) .
بالياء، ولغير أبي ذر وابن عساكر: صوّام بضم الصاد وتشديد الواو ( فضربه) الحدّ ثمانين سوطًا ثم سيره إلى الشام وهذا من أحسن ما يتعقب به على المالكية لأن أكثر ما يعتمدونه في معارضة الأحاديث دعوى عمل أهل المدينة على خلافها ولا عمل يستند إليه أقوى من العمل في عهد عمر -رضي الله عنه- مع شدة تحريه ووفور الصحابة في زمانه وقد قال لهذا الرجل كيف وصبياننا صيام.


[ قــ :1877 ... غــ : 1960 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ.
قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ".


وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) قال: ( حدّثنا بشر بن المفضل) بالضاد المعجمة المشددة المفتوحة من التفضيل قال: ( حدّثنا خالد بن ذكوان) أبو الحسن ( عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية آخره عين مهملة ( بنت معوذ) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الواو المكسورة آخره ذال معجمة الأنصارية من المبايعات تحت الشجرة ابن عفراء أنها ( قالت: أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار) زاد مسلم التي حول المدينة ( من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائمًا فليصم) أي فليستمر على صومه ( قالت) : أي الربيع ( فكنا) ولأبي الوقت: كنا ( نصومه) أي عاشوراء ( بعد ونصوّم صبياننا) زاد مسلم الصغار ونذهب بهم إلى المسجد وهذا تمرين للصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات، وفي حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي عند ابن خزيمة بإسناد لا بأس به أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأمر برضعائه في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل وهو يردّ على القرطبي حيث قال في حديث الربيع: هذا أمر فعله النساء بأولادهن ولم يثبت علمه عليه الصلاة والسلام بذلك وبعيد أن يأمر بتعذيب صغير بعبادة شاقة اهـ.

ومما يقوى الرد عليه أيضًا أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حكمه الرفع لأن الظاهر اطلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك وتقريرهم عليه مع توفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه إلا بتوقيف.

( ونجعل لهم اللعبة) بضم اللام ما يلعب به ( من العهن) .
الصوف المصبوغ كما سيأتي إن شاء الله قريبًا ( فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك) الذي جعلناه من العهن ليلتهي به ( حتى يكون عند الإفطار) زاد في رواية ابن عساكر والمستملي قال أي المصنف: العهن الصوف وقد أخرج هذا الحديث مسلم أيضًا في الصوم.