فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه فليكفر

باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَىْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا جامع) الصائم ( في) نهار شهر ( رمضان و) الحال أنه ( لم يكن له شيء) يعتق به ولا يستطيع الصوم ولا شيء يتصدق به ( فتصدق عليه) بقدر ما يجزئه ( فليكفر) به لأنه صار واجدًا.


[ قــ :1853 ... غــ : 1936 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ.
فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ -وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ- قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا.
قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا -يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي.
فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ".
[الحديث 1936 - أطرافه في: 1937، 2600، 5368، 6087، 6164، 6709، 6710، 6711، 6821] .

وبالسند قال ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( حميد بن عبد الرحمن) بن عوف ( أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند) ولأبي الوقت كما في الفرع: ونسبها في فتح الباري للكشميهني مع ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقوله: بينما بالميم وتضاف إلى الجملة الاسمية والفعلية وتحتاج إلى جواب يتم به المعنى والأفصح في جوابها أن لا يكون فيه إذ وإذا ولكن كثر مجيئها كذلك ومنه قوله ( إذ جاءه رجل) سبق في الباب قبله أنه قيل أنه سلمة بن صخر أو سلمان بن صخر أو أعرابي ( فقال: يا رسول الله هلكت) ، وفي بعض طرق هذا الحديث هلكت وأهلكت أي فعلت ما هو سبب لهلاكي وهلاك غيري وهو زوجته التي وطئها ( قال) : عليه الصلاة والسلام له:
( ما لك) : بفتح اللام وما استفهامية محلها رفع بالابتداء أي أي شيء كائن لك أو حاصل لك وفي رواية عقيل عند ابن خزيمة ويحك ما شأنك، ولابن أبي حفصة عند أحمد وما الذي أهلكك ( قال: وقعت على امرأتي) وفي رواية ابن إسحاق عند البزار أصبت أهلي وفي حديث عائشة وطئت امرأتي ( وأنا) أي والحال أني ( صائم) قال في فتح الباري: يؤخذ منه أنه لا يشترط في إطلاق اسم المشتق بقاء المعنى المشتق منه حقيقة لاستحالة كونه صائمًا مجامعًا في حالة واحدة فعلى هذا قوله وطئت أي شرعت في الوطء أو أراد جامعت بعد إذ أنا صائم ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( هل تجد رقبة تعتقها) ؟ أي تقدر فالمراد الوجود الشرعي ليدخل فيه القدر بالشراء ونحوه ويخرج عنه مالك الرقبة المحتاج إليها بطريق معتبر شرعًا وفي رواية ابن أي حفصة عند أحمد أتستطيع أن تعتق رقبة ( قال) : الرجل ( لا) أجد رقبة، وفي رواية ابن إسحاق ليس عندي، وفي رواية ابن مسافر عند الطحاوي فقال: لا والله وفي حديث ابن عمر فقال: والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط؟ ( قال) : عليه الصلاة والسلام ( فهل تستطيع أن تصوم شهرن متتابعين) ؟ ( قال: لا) .
وفي حديث سعد قال: لا يقدر، وفي رواية ابن إسحاق عند البزار وهل لقيت إلا من الصيام ( فقال) : عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر وابن عساكر: قال: ( فهل تجد إطعام ستين مسكينًا) ؟ ( قال: لا) والمسكين مأخوذ من السكون لأن المعدم ساكن الحال عن أمور الدنيا والمراد بالمسكين هنا أعم من الفقير لأن كلاً منهما حيث أفرد يشمل الآخر وإنما يفترقان عند اجتماعهما نحو إنما الصدقات للفقراء والمساكين والخلاف في معناها حينئذ معروف.

قال ابن دقيق العيد قوله إطعام ستين مسكينًا يدل على وجوب إطعام هذا العدد لأنه أضاف

الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودًا في حق من أطعم عشرين مسكينًا ثلاثة أيام مثلاً ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الأجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينًا واحدًا في ستين يومًا كفى اهـ.

وفي رواية ابن أبي حفصة: أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ وفي حديث ابن عمر قال: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي والحكمة في ترتيب هذه الكفارة على ما ذكر أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه، وقد صح من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، وأما الصيام فإنه كالمقاصة بجنس الجناية وكونه شهرين لأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر على الولاء فلما أفسد منه يومًا كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع وكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده، وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابل كل يوم إطعام مسكين، وإذا ثبتت هذه الخصال الثلاث في هذه الكفارة فهل هي على الترتيب أو التخيير، قال البيضاوي: رتب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني فدلّ على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم وقال مالك بالتخيير.

( قال) : أي أبو هريرة ( فمكث) بضم الكاف وفتحها ( عند النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن عيينة فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجلس قيل وإنما أمره بالجلوس لانتظار الوحي في حقه أو كان عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به ( فبينا) بغير ميم ( نحن على ذلك) وجواب بينا قوله ( أتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولم يسم الآتي، لكن عن المؤلّف في الكفارات فجاء رجل من الأنصار ( بعرق) بفتح العين والراء ( فيه تمر) -ولأبي ذر فيها بالتأنيث على معنى القفة قال القاضي عياض المكتل والقفة والزنبيل سواء وزاد ابن أبي حفصة فيه خمسة عشر صاعًا.
وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة فأتي بعرق فيه عشرون صاعًا وفي مرسل عطاء عند مسدد فأمر له ببعضه وهو يجمع بين الروايات فمن قال عشرين أراد أصل ما كان فيه، ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة قال أبو هريرة أو الزهري أو غيره ( والعرق المكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير يسع خمسة عشر صاعًا ( قال: عليه الصلاة والسلام) ولابن عساكر: فقال:
( أين السائل) زاد ابن مسافر آنفًا وسماه سائلاً لأن كلامه متضمن للسؤال فإن مراده هلكت فما ينجيني أو ما يخلصني مثلاً ( فقال) : الرجل ( أنا.
قال)
( خذها) أي القفة ( فتصدق به) .
أي بالتمر الذي فيها ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: خذ هذا فتصدق به ( فقال الرجل) : أتصدق به ( على) شخص ( أفقر مني يا رسول الله) بالاستفهام التعجبي وحذف الفعل لدلالة تصدق به عليه.
وفي حديث ابن عمر عند البزار والطبراني إلى من أدفعه؟ قال: إلى أفقر من تعلم، وفي رواية إبراهيم بن سعد أعلى أفقر من أهلي، ولابن مسافر عند الطحاوي: أعلى أهل بيت أفقر مني، وللأوزاعي على غير أهلي، ولمنصور أعلى أحوج منا، ولابن إسحاق وهل الصدقة إلا لي وعلي ( فوالله ما بين لابتيها-)

بغير همزة تثنية لابة قال بعض رواته ( يريد) باللابتين ( الحرتين-) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض ذات حجارة سود والمدينة بين حرتين ( أهل بيت أفقر من أهل بيتي) .
برفع أهل اسم ما ونصب أفقر خبرها إن جعلت ما حجازية وبالرفع إن جعلتها تميمية قاله الزركشي وغيره.
وقال البدر الدماميني: وكذا إن جعلناها حجازية ملغاة من عمل النصب بناء على أن قوله ما بين لابتيها خبر مقدم وأهل بيت مؤخر وأفقر صفة له.
وفي رواية عقيل: ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه مني، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة ما لنا عشاء ليلة.
( فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت أنيابه) تعجبًا من حال الرجل في كونه جاء أولاً هالكًا محترقًا خائفًا على نفسه راغبًا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه في الكفارة والأنياب جمع ناب وهي الأسنان الملاصقة للرباعيات وهي أربعة والضحك غير التبسم وقد ورد أن ضحكه كان تبسمًا أي في غالب أحواله.

( ثم قال) : عليه الصلاة والسلام له ( أطعمه) أي ما في الكتل من التمر ( أهلك) من تلزمك نفقته أو زوجتك أو مطلق أقاربك، ولابن عيينة في الكفارات أطعمه عيالك، وفي رواية أبي قرة عن ابن جريج قال: كله، ولابن إسحاق: خذها وكلها وأنفقها على عيالك أي لا عن الكفارة بل هو تمليك مطلق بالنسبة إليه وإلى عياله وأخذهم إياه بصفة الفقر وذلك لأنه لما عجز عن أعتق لإعساره وعن الصيام لضعفه فلما حضر ما يتصدق به ذكر أنه وعياله محتاجون فتصدق به عليه الصلاة والسلام عليه وكان من مال الصدقة وصارت الكفارة في ذمته وليس استقرارها في ذمته مأخوذًا من هذا الحديث.

وأما حديث عليّ بلفظ فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك فضعيف لا يحتج به، وقد ورد الأمر بالقضاء في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري وحديث ابن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة، وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها، ووقعت الزيادة أيضًا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب وبمجموع هذه الطرق يعرف أن لهذه الزيادة أصلاً ويؤخذ من قوله: صم يومًا عدم اشتراط الفورية للتنكير في قوله يومًا.
قال: البرماوي كالكرماني وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث ألف مسألة وأكثر اهـ.

فمن ذلك أن من ارتكب معصية لا حدّ فيها وجاء مستفتيًا أنه لا يعاقب لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية لأن معاقبة المستفتي تكون سببًا لترك الاستفتاء من الناس عند وقوعهم في ذلك وهذه مفسدة عظيمة يجب دفعها.

وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواه ما ينيف على أربعين نفسًا عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة يطول ذكرهم، وقد أخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم والأدب والنفقات والنذور والمحاربين ومسلم في الصوم وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.