فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب سواك الرطب واليابس للصائم

باب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ
وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ".

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ».

وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ.

.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».
.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ.

( باب) حكم استعمال ( السواك الرطب واليابس للصائم) بتعريف السواك والرطب واليابس صفتان له، ولغير الكشميهني: باب سواك الرطب واليابس أي سواك الشجر الرطب كقولهم مسجد الجامع أي مسجد الموضع الجامع بتقدير موصوف لأن الصفة لا تضاف إلى موصوفها.


وأجيب: بأن مذهب الكوفيين في هذا أن الصفة يذهب بها مذهب الجنس ثم يضاف الموصوف إليه كما يضاف بعض الجنس إليه نحو خاتم حديد وحينئذٍ فلا يحتاج إلى تقدير محذوف.

( ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول ( عن عامر بن ربيعة) مما وصله أبو داود والترمذي أنه ( قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد) شك من الراوي ومداره على عاصم بن عبيد الله قال البخاري: منكر الحديث لكن حسنه الترمذي فلعله اعتضد، ومن ثم ذكره المؤلّف بصيغة التمريض، وفي الحديث إشعار بملازمة السواك ولم يخص رطبًا من يابس.

( وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- مما وصله النسائي ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) أعم من أن يكون السواك رطبًا أو يابسًا في رمضان أو غيره قبل الزوال أو بعده، واستدلّ به الشافعي على أن السواك ليس بواجب قال لأنه لو كان واجبًا أمرهم به شق عليهم أو لم يشق ( ويروى نحوه) أي نحو حديث أبي هريرة ( عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري مما وصله أبو نعيم في كتاب السواك من طريق عبد الله بن عقيل عنه بلفظ مع كل صلاة وعبد الله مختلف فيه ( وزيد بن خالد) الجهني مما وصله أحمد وأصحاب السنن بلفظ عند كل صلاة ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

قال البخاري ( ولم يخص) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه عنه أبو هريرة وجابر وزيد بن خالد ( الصائم من غيره) أي ولا السواك اليابس من غيره وهذا على طريقة المؤلّف في أن المطلق يسلك به مسلك العموم أو أن العام في الأشخاص عام في الأحوال.

( وقالت عائشة) -رضي الله عنها- مما وصله أحمد والنسائي وابنا خزيمة وحبان: ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ( السواك مطهرة للفم) بفتح الميم وكسرها مصدر ميمي يحتمل أن يكون بمعنى الفاعل أي مطهر للفم أو بمعنى الآلة ( مرضاة للرب) .
بفتح الميم مصدر ميمي بمعنى الرضا.
قال المظهري: ويجوز أن يكون بمعنى المفعول أي مرضي الرب.
وقال الطيبي يمكن أن يقال أنها مثل الولد مبخلة مجبنة أي السواك مظنة للطهارة والرضا أي يحمل السواك الرجل على الطهارة ورضا الرب وعطف مرضاة يحتمل الترتيب بأن تكون الطهارة به علة للرضًا وأن يكونا مستقلين في العلية.

( وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله سعيد بن منصور ( وقتادة) بن دعامة مما وصله عبد بن حميد في التفسير عن ابن جريج عنه ( يبتلع ريقه) بتاء مثناة فوقية بعد الموحدة من باب الافتعال قال في الفتح وللمستملي: يبلغ بغير مثناة أي من البلع، وللحموي: يتبلّع بتقديم المثناة على الموحدة وتشديد اللام مفتوحة من باب التفعل الدال على التكلف، وقد وقع في رواية غير أبي ذر في هذه التعاليق تقديم وتأخير وعلى هذا الترتيب مشى في الأصل وفرعه إلا أنه رقم على قوله.
وقال أبو هريرة ميم مع علامة أبي ذر ثم كذلك على قوله.
وقالت عائشة وذلك علامة التقديم والتأخير فليعلم.



[ قــ :1851 ... غــ : 1934 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ: "رَأَيْتُ عُثْمَانَ -رضي الله عنه- تَوَضَّأَ: فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَىْءٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

وبالسند قال ( حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة قال ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال ( أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي ( قال: حدثني) بالإفراد ( الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عطاء بن يزيد) الليثي المدني نزيل الشأم ( عن حمران) بضم الحاء المهملة وسكون الميم ابن أبان مولى عثمان بن عفان أنه ( قال: رأيت عثمان -رضي الله عنه- توضأ) وضوءًا كاملاً جامعًا للسنن كالمضمضة والاستنشاق والسواك ( فأفرغ) الفاء للتفسير أي صب ( على يديه) إفراغًا ( ثلاثًا، ثم تمضمض) ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة ثم مضمض بحذف التاء ( واستنثر) ، أي أخرج الماء من أنفه بعد الاستنشاق ( ثم غسل وجهه) غسلاً ( ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى إلى) أي مع ( المرفق) بفتح الميم وكسر الفاء وبالعكس غسلاً ( ثلاثًا ثم غسل يده اليسرى إلى) أي مع ( المرفق) غسلاً ( ثلاثًا، ثم مسح برأسه) ، هل الباء للتبعيض أو الاستعانة
أو غير ذلك خلاف مشهور يترتب عليه ما مر في الوضوء من كون الواجب مسح الكل أو البعض، ولأبي ذر: ثم مسح رأسه بحذف الباء ولم يذكر في المسح تثليثًا وهو مذهب الأئمة الثلاثة واحتج الشافعي بحديث أبي داود عن عثمان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح برأسه ثلاثًا ( ثم غسل رجله اليمنى) غسلاً ( ثلاثًا، ثم) غسل رجله ( اليسرى) غسلاً ( ثلاثًا) وحذف غسل رجله لدلالة السابق عليه ( ثم قال رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ) وضوءًا ( نحو وضوئي هذا) وعند المؤلّف في الرقاق مثل وضوئي وهو ينفي ما قرره النووي من التفرقة بين مثل ونحو وسبق مبحث ذلك في الوضوء ( ثم قال) :
( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم يصلّي ركعتين) وفي الوضوء: صلّى بلفظ الماضي ( لا يحدث نفسه) من باب التفعيل المقتضي للتكسب من حديث النفس وهذا دفعه ممكن بخلاف ما يهجم فإنه معفو عنه لتعذره ( فيهما) أي في الركعتين ( بشيء) .
وفي مسند أحمد والطبراني في الأوسط لا يحدث نفسه فيهما إلا بخير أي كمعاني المتلو من القرآن والذكر والدعاء الحاضر من نفسه أو إمامه أما فيما لا يتعلق بالصلاة أو لا يتعلق بقراءة أو ذكر أو دعاء حاضر بل في الجملة فلا كما قرره ابن عبد السلام وغيره، وفي بعض الروايات كما عند الترمذي الحكيم في كتاب الصلاة له لا يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا ( غفر له ما تقدم من ذنبه) .
من الصغائر، وهذا الحديث ليس فيه شيء من أحكام الصيام لكن أدخله في هذا الباب لمعنى لطيف وذلك أنه أخذ شرعية السواك للصائم

بالدليل الخاص ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال عود السواك من رطوبة ويبوسة ثم انتزع ذلك من أعم من ذلك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك من رطوبة ويبوسة ثم انتزع ذلك من أعم من ذلك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب، وأصل هذا الانتزاع لابن سيرين حيث قال محتجًا على السواك الأخضر والماء له طعم اهـ.

وقد كره مالك الاستياك بالرطب للصائم لما يتحلل منه والشافعي وأحمد بعد الزوال.
قال ابن دقيق العيد: ويحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت يخص به عموم حديث الصحيحين عند كل صلاة ورواية النسائي وغيره عند كل وضوء وهو حديث الخلوف وعبارة الشافعي أحب السواك عند كل وضوء بالليل والنهار إلا أني أكرهه للصائم آخر النهار من أجل الحديث في خلوف فم الصائم اهـ.

وليس في هذه العبارة تقييد ذلك بالزوال فلذا قال الماوردي: لم يحد الشافعي الكراهية بالزوال وإنما ذكر العشي فحده الأصحاب بالزوال اهـ.

واسم العشي صادق بدخول أوّل النصف الأخير من النهار وقيل لا يؤقت بحد معين بل يترك متى عرف أن تغير فمه ناشئ عن الصيام وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس وباختلاف بعد عهده عن الطعام وقرب عهده به لكونه لم يستحر أو تسحر، وفرق بعض أصحابنا بين الفرض والنفل فكرهه في الفرض بعد الزوال ولم يكرهه في النفل لأنه أبعد من الرياء، وقد أخذ مالك وأبو حنيفة بعموم الحديث استحبابه للصائم قبل الزوال وبعده، وقال النووي في شرح المهذّب: أنه المختار، وقال بعضهم: السواك مطهرة للفم فلا يكره كالمضمضة للصائم لا سيما وهي رائحة تتأذى بها الملائكة فلا تترك هنالك، وأما الخبر ففائدته عظيمة بديعة وهي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما مدح الخلوف نهيًا للناس عن تقذر مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيًا للصوَّام عن السواك والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه فعلمناه يقينًا أنه لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة وإنما يراد نهي الناس عن كراهتها قال وهذا التأويل أولى لأن فيه إكرامًا للصائم ولا تعرض فيه للسواك فيذكر أو يتأوّل.

وحديث الباب قد سبق في باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا.