فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاستنجاء بالماء

باب الاِسْتِنْجَاءِ بِالْمَاء
هذا ( باب الاستنجاء بالماء) استفعال أي طلب الإنجاء والهمزة للسلب الإزالة كالاستعتاب لطلب الإعتاب لا العتب والاستنجاء إزالة النجو وهو الأذى الباقي في فم أحد المخرجين بالحجر أو بالماء وأصله الإزالة والذهاب إلى النجو، وهو ما ارتفع من الأرض كانوا يستترون بها إذا قعدوا للتخلي، وقصد المؤلف بهذه الترجمة الرد على من كره الاستنجاء بالماء وعلى من نفى وقوعه من الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.


[ قــ :148 ... غــ : 150 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ -وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ- قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلاَمٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ.
يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ.
[الحديث 150 - أطرافه في: 151، 152، 217، 500] .

وبالسند أول الكتاب إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي معاذ) بضم الميم وبالذال المعجمة ( واسمه عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي القدري، المتوفى بعد الثلاثين والمائة.
وفي رواية الاقتصار على أبي معاذ دون تاليه ( قال: سمعت أنس بن مالك) حال كونه ( يقول كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خرج) من بيته أو من بين الناس ( لحاجته) أي البول أو الغائط ولفظة كانت تشعر بالتكرار والاستمرار ( أجيء أنا وغلام) زاد في الرواية الآتية منا أي من الأنصار كما صرّح به الإسماعيلي في روايته وكلمة إذ ظرف، ويحتمل أن يكون فيها معنى الشرط وهي أجيء، والجملة في محل نصب على أنها خبر كان والعائد محذوف أي أجيئه وأنا ضمير مرفوع أبرزه ليصح عطف غلام على ما قبله لئلا يلزم عطف اسم على فعل.
والغلام الذي طرّ شاربه وقيل هو من حين يولد إلى أن يشب وفي أساس البلاغة الغلام هو الصغير إلى حدّ الالتحاء.
فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز ولم يسم الغلام، وقيل هو ابن مسعود ويكون سماه غلامًا مجازًا وحينئذٍ فقول أنس منا أي من الصحابة أو من خدمه عليه الصلاة والسلام، وأما رواية الإسماعيلي التي فيها من الأنصار فلعلها من تصرف الراوي حيث رأى في الرواية منا فحملها على القبيلة فرواها بالعنى، وقال من الأنصار أو من إطلاق الأنصار على جميع
الصحابة رضي الله عنهم وإن كان العرف خصّه بالأوس والخزرج، وقيل أبو هريرة وقد وجد لذلك شاهد وسماه أنصاريًّا مجازًا، لكن يبعده أن إسلام أبي هريرة بعد بلوغ أنس وأبو هريرة كبير، فكيف يقول أنس كما في مسلم وغلام نحوي أي مقارب لي في السن، ووقع في رواية الإسماعيلي من

طريق عاصم بن علي فأتبعه وأنا غلام بتقديم الواو فتكون حالية، ولكن تعقبه الإسماعيلي بأن الصحيح أنا وغلام بواو العطف ( معنا) بفتح العين وقد تسكن ( إداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد كالسطيحة مملوءة ( من ماء) قال هشام ( يعني) أنس ( يستنجي به) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد تعقب الأصيلي البخاري في استدلاله بحديث الباب على الاستنجاء بالماء قال لأن قوله هنا به يستنجي به ليس هو من قول أنس إنما هو من قول أبي الوليد هشام الراوي، وقد رواه سليمان.
بن حرب عن شعبة فلم يذكرها، فيحتمل أن يكون الماء لوضوئه انتهى.


وزعم بعضهم أن قوله يستنجي به مدرج من قول عطاء الراوي عن أنس فيكون مرسلاً، وحينئذٍ فلا حجة فيه وهذا يردّه ما عن الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة، فانطلقت أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس، فخرج علينا وقد استنجى بالماء، وللمؤلف من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به.
وعند ابن خزيمة في صحيحه من حديث إبراهيم بن جرير عن أبيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى بها.
وفي صحيح ابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج من غائط قطّ إلاّ مسّ ماء.
وعند الترمذي وقال حسن صحيح أنها قالت: مُرْن أزواجكنّ أن يغسلوا أثر الغائط والبول، فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعله، وهذا يردّ على من كره الاستنجاء بالماء ومن نفى وقوعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متمسكًا بما رواه ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذًا لا يزال في يده نتن.
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يستنجي بالماء، وعن الزهري قال: ما كنا نفعله.
وعن سعيد بن المسيب أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إنه وضوء النساء.
ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استنجى بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع من الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم، وقال بعضهم: لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء والسُّنّة قاضية عليهم، استعمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأحجار وأبو هريرة معه ومعه إداوة من ماء، والذي عليه جمهور السلف والخلف رضي الله عنهما أن الجمع بين الماء والحجر أفضل فيقدم الحجر لتخفيف النجاسة وثقل مباشرتها بيده ثم يستعمل الماء وسواء فيه الغائط والبول كما قاله ابن سراقة وسليم الرازي، وكلام القفال الشاشي في محاسن الشريعة يقتضي تخصيصه بالغائط فإن أراد الاقتصار على أحدهما، فالماء أفضل لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها والحجر يزيل العين فقط والخنثى المشكل يتعين فيه الماء على المذهب، ويشترط في الحجر الطهارة إلا في الجمع بينه وبين الماء كما نقله صاحب الإعجاز عن الغزالي.