فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن

باب نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلاَئِكَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
( باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن) وسقط لأبي ذر لفظ قراءة وله في رواية عند القراءة.


[ قــ :4749 ... غــ : 5018 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: «اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ».
قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا، قَالَ: «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ»؟ قَالَ: لاَ قَالَ: «تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ».
قَالَ ابْنُ الْهَادِ، وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ.

( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله أبو عبيد في فضائل القرآن عن يحيى بن بكير عن الليث بالإسنادين الآتيين قال: ( حدّثني) بالإفراد ( يزيد بن الهاد) بلا ياء هو ابن أسامة بن عبد الله بن شدّاد بن الهاد ( عن محمد بن إبراهيم) التيمي التابعي الصغير ( عن أسيد بن حضير) بضم الهمزة وحضير بالحاء المهملة والضاد المعجمة وتصغيرهما ويزيد بن الهاد لم يدرك أسيدًا فروايته عنه منقطعة لكن الاعتماد في وصل الحديث على السند الآخر ( قال بينما) بالميم ( هو) أي أسيد ( يقرأ من الليل سورة البقرة) في السابقة سورة الكهف فيحتمل التعدد ( وفرسه مربوط) بالتذكير ولأبي ذر والأصيلي مربوطة ( عنده) بالتأنيث والقياس الأول لأنه مذكر ( إذ جالت الفرس) بالجيم أي اضطربت شديدًا ( فسكت) عن القراءة ( فسكنت) أي الفرس عن الاضطراب ( فقرأ فجالت الفرس) سقط لفظ الفرس لأبي ذر ( فسكت وسكنت الفرس ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف) أسيد ( وكان ابنه يحيى) في ذلك الوقت ( قريبًا منها) من الفرس ( فأشفق) خاف أسيد ( أن تصيبه) أي ابنه يحيى ( فلما اجترّه) بالجيم وتشديد الراء أي اجتر أسيد ابنه يحيى من المكان الذي هو فيه حتى لا يصيبه الفرس ( رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح) أسيد ( حدّث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بذلك ( فقال له) عليه الصلاة والسلام:
( اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير) مرتين وليس أمرًا بالقراءة حالة التحديث، بل المعنى كان ينبغي لك أن تستمر على قراءتك وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة، التي هي سبب بقائها قاله النووي.
قال الطيبي: يريد أن اقرأ لفظه أمر وطلب للقراءة في الحال ومعناه تحضيض وطلب للاستزادة في الزمان الماضي أي هلاّ زدت، وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استحضر تلك الحالة العجيبة الشأن فأمره تحريضًا عليه، والدليل على أن المراد من الأمر الاستزادة وطلب دوام القراءة والنهي عن قطعها قوله ( قال: فأشفقت) أي خفت ( يا رسول الله) إن دمت على القراءة ( أن تطأ) الفرس ابني ( يحيى وكان منها) أي من الفرس ( قريبًا فرفعت رأسي فانصرفت) وللأصيلي وانصرفت ( إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة) بضم الظلة المعجمة وتشديد اللام قال ابن بطال هي السحابة كانت فيها الملائكة ومعها السكينة فإنها تنزل أبدًا مع الملائكة ( فيها) في الظلة ( أمثال المصابيح) وفي رواية إبراهيم بن سعد أمثال السرج ( فخرجت) بالخاء والجيم كذا لجميعهم قال عياض: وصوابه فعرجت بالعين ( حتى لا أراها) وعند أبي عبيد عرجت إلى السماء حتى ما يراها ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( وتدري ما ذاك؟ قال: لا.
قال: تلك الملائكة دنت)
أي قربت ( لصوتك) وكان أسيد حسن الصوت وفي رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الإسماعيلي اقرأ أسيد فقد أُوتيت من مزامير آل داود ففيه إشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته ( ولو قرأت) أي ولو دمت على قراءتك ( لأصبحت) أي الملائكة ( ينظر الناس إليها لا تتوارى) لا تستتر ( منهم) وعند أبي عبيد من رواية ابن أبي ليلى عن أسيد لرأيت الأعاجيب.

( قال ابن الهاد) فيما وصله أبو نعيم عن أبي بكر بن خلاد عن أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير عن الليث عن ابن الهاد ( وحدّثني) بالإفراد ( هذا الحديث) السابق ( عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى مولى بني عدي بن النجار ( عن أبي سعيد الخدري عن أسيد بن حضير) بالحاء المهملة والضاد المعجمة وهذا موصول فالاعتماد عليه.
قال في الفتح: وجاء عن الليث فيه إسناد ثالث أخرجه النسائي من طريق شعيب بن الليث وداود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن الهاد بإسناده هذا السابق فقط.