فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم، والله مولاكم وهو العليم الحكيم} [التحريم: 2] متى تجب الكفارة على الغني والفقير

باب قَوْلِهِ تَعَالَى:
{ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهْوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2] مَتَى تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْغَنِىِّ وَالْفَقِيرِ؟.

( باب قوله تعالى: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} ) ما تحللونها به وهو الكفارة ( { والله مولاكم} ) سيدكم ومتولي أموركم وقيل مولاكم أولى بكم من أنفسكم فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم ( { وهو العليم} ) ما يصلحكم فيشرعه لكم ( { الحكيم} ) [التحريم: 2] فيما أحل وحرم.

( متى تجب الكفارة على الغني والفقير) ولأبي ذر باب متى تجب الكفارة على الغني والفقير، وقول الله تعالى: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} إلى قوله { العليم الحكيم} .


[ قــ :6359 ... غــ : 6709 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ قَالَ: «مَا شَأْنُكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: لاَ.
قَالَ: «اجْلِسْ» فَجَلَسَ فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ قَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ: «أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ».

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( قال) سفيان بن عيينة ( سمعته من فيه) أي من فم الزهري أي ليس معنعنًا موهمًا للتدليس ( عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: جاء رجل) قيل هو سلمة بن صخر البياضي ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) أي فعلت ما هو سبب لهلاكي ( قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له) :
( ما) ولأبي ذر: وما ( شأنك قال: وقعت على امرأتي في رمضان) أي وطئتها كما في حديث آخر ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له ( تستطيع تعتق) بضم الفوقية ولأبي ذر عن الكشميهني أن تعتق ( رقبة قال: لا) أستطيع ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا) أستطيع ( قال) عليه الصلاة والسلام ( فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا قال: لا، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له ( أجلس فجلس فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرق) بفتح العين المهملة والراء ( فيه تمر والعرق المكتل الضخم) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية يسع خمسة عشر صافعا ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له ( خذ هذا) العرق بتمره ( فتصدق به) بالتمر ( قال) أتصدق به ( على) شخص ( أفقر منا) ولأبي ذر مني ( فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت) ظهرت ( نواجذه) بالذال المعجمة آخر الأسنان أو هي الأضراس تعجبًا من حاله ثم ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اطعمه عيالك) .

وفي الحديث أن كفارة الوقاع مرتبة إعتاق ثم صوم ثم إطعام وتجب نيتها بأن ينوي الإعتاق، وكذا باقيها عن الكفارة لتتميز عن غيرها كنذر فلا يكفي الإعتاق الواجب عليه مثلاً وإن
لم يكن عليه غيرها، ومراد البخاري كما قال ابن المنير التنبيه على أن الكفارة إنما تجب بالحنث كما أن كفارة المواقع في نهار رمضان إنما كانت باقتحام الذنب، وأشار إلى أن الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم فقره وأعطاه مع ذلك ما يكفر به كما لو أعطى الفقير ما يقضي به دينه قال: ولعله كما نبه على احتجاج الكوفيين بالفدية نبه هنا على ما احتج به من خالفهم من إلحاقها بكفارة المواقع وأنها مدّ لكل مسكين.
اهـ.

ومذهب الشافعي أن له تقديم الكفارة بلا صوم على أحد سببيها لأنه حق مالي تعلق بسببين فجاز تقديمها على أحدهما كالزكاة فتقدم على الحنث ولو كان حرامًا كالحنث بترك واجب أو فعل حرام وعلى عود في ظهار كأن ظاهر من رجعية ثم كفر ثم راجعها وكأن طلق رجعيًّا عقب ظهاره ثم كفر ثم راجع، وأما الصوم فلا يقدم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم على وقت وجوبها بغير حاجة كصوم رمضان.

والحديث سبق في الصوم.