فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 28]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [الحج: 27] : { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} .
فِجَاجًا: الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ.

(باب قول الله تعالى (يأتوك رجالاً) نصب على الحال من الضمير الذي في يأتوك وهو مجزوم جواب قوله وأذن أي يأتوك مشاة ({ و} ) ركبانًا ({ على كل} ) بعير ({ ضامر} ) مهزول أتعبه بعد السفر فهزله والضامر يستعمل بغيرها للمذكر والمؤنث ({ يأتين} ) صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع ({ من كل فج} ) طريق ({ عميق} ) بعيد ({ ليشهدوا} ) ليحضروا ({ منافع لهم} ) [الحج: 27] دينية ودنيوية ونكرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوصة بهذه العبادة، وسبب نزول هذه الآية كما ذكره الطبري عن طريق عمر بن ذر قال: قال مجاهد: كانوا لا يركبون فأنزل الله تعالى: ({ يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر} ) فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر، ومن ثم ذكر المؤلّف هذه الآية هنا مترجمًا مع القدرة إلى الراحلة وعدم القدرة لأن الآية اشتملت على المشاة والركبان قال المؤلّف مفسرًا لقوله تعالى في سورة نوح ({ فجاجًا} ) [نوح: 20] جمع فج أي (الطرق الواسعة) وهو الموافق لقول الفراء وأبي عبيد والأزهري، وهو الذي ذكره البيضاوي وغيره من أئمة التفسير.
وقال ثعلب: ما انخفض من الطرق.



[ قــ :1454 ... غــ : 1514 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً".

وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن عيسى) التستري المصري الأصل قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (أن سالم بن عبد الله) ولأبي ذر زيادة: ابن عمر (أخبره أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال):
"رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يركب راحلته بذي الحليفة" بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وفتح الفاء آخره هاء وهي أبعد المواقيت من مكة "ثم يهل" بضم أوله وكسر ثانيه من الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية أي مع الإِحرام "حتى يستوي" أي الراحلة ولأبي ذر حين تستوي "به" حال كونها (قائمة) وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي.




[ قــ :1455 ... غــ : 1515 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ موسى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ إِهْلاَلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ".

رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم.

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم) ولأبي ذر إبراهيم بن موسى التميمي الحافظ المعروف بالفراء الصغير قال: ( أخبرنا الوليد) بن مسلم القرشي الأموي قال: ( حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن أنه ( سمع عطاء) هو ابن أبي رباح ( يحدّث عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما-) .

"أن إهلال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذي الحليفة حين استوت به راحلته" قال ابن المنير أراد المؤلّف أن يرد على من زعم أن الحج ماشيًا أفضل لأن الله تعالى قدم الرجال على الركبان فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما حج عليه الصلاة والسلام قاصدًا لذلك ولذا لم يحرم حتى استوت به راحلته.

وفي هذا الحديث والتحديث والأخبار والسماع والعنعنة ( رواه) أي إهلاله حين استوت به راحلته ( أنس) فيما وصله في باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح ( وابن عباس -رضي الله عنهم-) في باب ما يلبس المحرم من الثياب كما سيأتي إن شاء الله تعالى.


باب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ
( باب الحج على الرحل) للتواضع والرجل بفتح الراء وسكون الحاء المهملة وهو للبعير كالسرج للفرس.



[ قــ :1455 ... غــ : 1516 ]
- وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ".

وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ.

( وقال أبان) بن يزيد العطار البصري مما وصفه أبو نعيم في مستخرجه وأبان بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة آخره نون مصروف وغير مصروف وفي المصابيح قال القرافي: المحدثون والنحاة على عدم صرفه.
قال: ونقله ابن يعيش في شرح المفضل عن الجمهور وقال: إن وزنه أفعل وأصله أبين صيغة مبالغة في البيان الذي هو الظهور فتقول هذا أبين من هذا أظهر منه وأوضح فلوحظ أصله مع العلمية التي فيه فلم يصرف هكذا في شرح انتهاج الأصلي للسبكي في فصل الخصوص.

قال الدمياني: صرح ابن مالك في التوضيح بأنه منقول من أبان ماضي يبين ولو لم يكن منقولاً لوجب أن يقال فيه أبين بالتصحيح وهو كلام متجه يتقرر به الرد على ما نقله القرافي، وأقره عليه السبكي من كونه أفعل تفضيل فتأمله قال: ( حدّثنا مالك بن دينار عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث معها أخاها) شقيقها ( عبد الرحمن فأعمرها) حملها على العمرة حتى اعتمرت ( من التنعيم) ، بفتح الفوقية وسكون النون وكسر العين المهملة موضع عند طرف حرم مكة من جهة المدينة على ثلاثة أميال من مكة ( وحملها على) مؤخر ( قتب) أي أردفها وكان هو على قتب لأنه قال في الرواية الموصولة آخر الباب: فأحقبها أي أردفها على الحقيبة وهي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب فإن القصة واحدة، والقتب: بفتح المثناة الفوقية آخره موحدة هو خشب الرحل، وقيل القتب للجمل بمنزلة الإكاف للحمار.

( وقال عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه-:) فيما وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور ( شدّوا الرحال في الحج، فإنه أحد الجهادين) أما على جهة التغليب أو الحقيقة لأنه يجاهد نفسه بالصبر على مشقة السفر وترك الملاذ.