فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر

باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ
وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَلَهُ، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا.
.

     وَقَالَ  سَعْدٌ: لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ.

     وَقَالَ  النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ».

( باب غسل الميت) وهو فرض كفاية ( ووضوئه) أي: الميت، وهو سنة.
أو الضمير فيه للغاسل لا للميت؛ وكأنه انتزع الوضوء من مطلق الغسل، لأنه منزل على المعهود في غسل الجنابة، وقد تقرر عندهم الوضوء فيه ( بالماء والسدر) متعلق بالغسل بأن يخلطا ويغسل بهما للتنظيف، فلا يحسب عن الواجب للتغير.

( وحنط ابن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما) بالحاء المهملة وتشديد النون ( ابنًا لسعيد بن زيد) ، أحد العشرة المبشرة بالجنة، المتوفى سنة إحدى وخمسين، واسم ابنه هذا: عبد الرحمن، أي: طيبه بالحنوط، وهو كل شيء خلطته من الطيب للميت خاصة ( وحمله وصلّى) عليه ( ولم يتوضأ) ، ولو كان الميت نجسًا لم يطهره الماء والسدر، ولا الماء وحده، ولما مسه ابن عمر ولغسل ما مسه من أعضائه.

وهذا وصله مالك في الموطأ عن نافع: أن عبد الله بن عمر حنط فذكره.

( وقال ابن عباس رضي الله عنهما) مما وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح: ( المسلم لا ينجس) بضم الجيم وفتحها ( حيًّا ولا ميتًا) وقد رواه مرفوعًا، الدارقطني، والحاكم.


( وقال سعد) أي: ابن أبي وقاص، كما أخرجه ابن أبي شيبة، من طريق عائشة بنت سعد، وللأصيلي وأبي الوقت: وقال سعيد، بزيادة ياء.
قال الحافظ ابن حجر، والأول أولى، كما أخرجه ابن أبي شيبة، لما غسل سعيد بن زيد بن عمرو بالعقيق وحنطه وكفنه: ( لو كان نجسًا ما مسسته) بكسر الجيم والسين الأولى من مسسته.

( وقال النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المؤمن لا ينجس) هو طرف من حديث أبي هريرة في: كتاب الغسل في: باب الجنب يمشي في السوق.


[ قــ :1207 ... غــ : 1253 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ.
فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي.
فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ، تَعْنِي إِزَارَهُ".

وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية) نسيبة بنت كعب ( الأنصارية) وكانت تغسل الميتات ( رضي الله عنها، قالت) :
( دخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين توفيت ابنته) زينب زوج أبي العاص بن الربيع، والدة أمامة، كما في مسلم، أو: أم كلثوم، كما في أبي داود.

قال الحافظ عبد العظيم المنذري، والصحيح الأول، لأن أم كلثوم توفيت والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غائب ببدر:
وتعقب بأن التي توفيت، وهو عليه السلام، ببدر: رقية لا أم كلثوم.

( فقال) عليه الصلاة والسلام ( اغسلنها) وجوبًا مرة واحدة عامة لبدنها، أي: بعد إزالة النجس، إن كان نعم، صحح النووي الاكتفاء لهما بواحدة ( ثلاثًا) ندبًا فالأمر للوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، وللندب بالنسبة إلى الإيتار، كما قرره ابن دقيق العيد.

وقال المازري: قيل: الغسل سنة، وقيل: واجب، وسبب الخلاف قوله الآتي: إن رأيتن، هل يرجع إلى الغسل أو إلى الزيادة في العدد، وفي هذا الأصل خلاف في الأصول، وهو أن الاستثناء أو الشرط المعقب جملاً، هل يرجع إلى الجميع، أو إلى ما أخرجه الدليل، أو إلى الأخير.
لكن قال الأبي: إن القول بالسنية لابن أبي زيد، والأكثر، والقول بالوجوب، أي: على الكفاية للبغداديين.
اهـ.


( أو خمسًا) وفي رواية هشام بن حسان، عن حفصة: اغسلنها وترًا ثلاثًا وخمسًا ( أو أكثر من ذلك) .

وفي رواية أيوب عن حفصة، في الباب الآتي: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا.
قال في الفتح: ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله: سبعًا، التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود.
وأما سواها فإما: أو سبعًا، وإما: أو أكثر، من ذلك، فيحتمل تفسير قوله: أو أكثر من ذلك، بالسبع، وبه قال أحمد وكره الزيادة على السبع.

وقال الماوردي: الزيادة على السبع سرف.
اهـ.

وقال أبو حنيفة: لا يزاد على الثلاث.

( إن رأيتن ذلك) بكسر الكاف، لأنه خطاب لمؤنثة، أي: إن أداكن اجتهادكن إلى ذلك بحسب الحاجة إلى الانقاء، لا التشهي.

فإن حصل الانقاء بالثلاث لم يشرع ما فوقها، وإلاّ زيد وترًا حتى يحصل الانقاء وهذا بخلاف طهارة الحي، فإنه لا يزيد على الثلاث.
والفرق أن طهارة الحي محض تعبد، وهنا المقصود النظافة.

وقول الحافظ ابن حجر، كالطيبي، فيما حكاه عن المظهري في شرح المصابيح، و: أو هنا للترتيب لا للتخيير، تعقبه العيني: بأنه لم ينقل عن أحد أن: أو، يجيء للترتيب.

والباء في قوله: ( بماء وسدر) متعلق بقوله اغسلنها.
ويقوم نحو السدر كالخطمي مقامه، بل هو أبلغ في التنظيف.

نعم، السدر أولى للنص عليه، ولأنه أمسك للبدن، وظاهره تكرير الغسلات به إلى أن يحصل الانقاء، فإذا حصل وجب الغسل بالماء الخالص عن السدر، ويسن ثانية وثالثة كغسل الحي.

( واجعلن في) الغسلة ( الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور) أي: في غير المحرم للتطيب وتقويته للبدن.

والشك من الراوي، أي اللفظين قال، والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه.

( فإذا فرغتن) من غسلها ( فآذنني) بمد الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون الأولى المفتوحة وكسر الثانية، أي: أعلمنني.

( فلما فرغنا) بصيغة الماضي لجماعة المتكلمين، وللأصيلي: فرغن بصيغة الماضي للجمع المؤنث ( آذناه) أعلمناه ( فأعطانا حقوه) بفتح الحاء المهملة وقد تكسر وهي لغة هذيل، بعدها قاف ساكنة أي: إزاره، والحقو في الأصل معقد الإزار، فسمي به ما يشد على الحقو توسعًا ( فقال) :

( أشعرنها إياه) ولغير الأربعة: إياها بقطع همزة أشعرنها أي: اجعلنه شعارها، ثوبها الذي يلي جسدها.
والضمير اللأول: للغاسلات، والثاني، للميت، والثالث: للحقو.
( تعني) أم عطية ( إزاره) عليه الصلاة والسلام.

وإنما فعل ذلك لينالها بركة ثوبه، وأخره ولم يناولهن إياه أوّلاً ليكون قريب العهد من جسده المكرم، حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، لا سيما مع قرب عهده بعرقه الكريم.

ورواته ما بين: مدني وبصري، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: الجنائز.
وكذا أبو داود والترمذي والنسائي.