فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب المداراة مع الناس

باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ إِنَّا لَنَكْشِرُ فِى وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ.

( باب) استحباب ( المداراة مع الناس) وهي لين الكلام وترك الأغلاظ في القول وهي من أخلاق المؤمنين والفرق بينهما وبين المداهنة المحرمة أن المداراة الرفق بالجاهل في التعليم والفاسق
في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه باللطف حتى يردّ عما هو مرتكبه والمداهنة معاشرة المعلن بالفسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه باللسان ولا بالقلب.

( ويذكر) بضم التحتية وفتح الكاف ( عن أبي الدرداء) عويمر بن مالك مما وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في غريب الحديث والدينوري في المجالسة من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء ( إنّا لنكشر) بفتح النون وسكون الكاف وكسر الشين المعجمة بعدها راء أي نضحك ونتبسم ( في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم) بلام التأكيد وبالعين من اللعن، ولأبي ذر عن الكشميهني: لتقليهم بقاف ساكنة بعد الفوقية ثم لام مكسورة فتحتية ساكنة من القلى وهي البغض.


[ قــ :5802 ... غــ : 6131 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ فَقُلْتُ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِى الْقَوْلِ فَقَالَ: «أَىْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن ابن المنكدر) محمد أنه ( حدثه) أي أن ابن المنكدر حدث سفيان ( عن عروة بن الزبير) ولغير أبي ذر عن ابن المنكدر حدثه عروة بن الزبير ( أن عائشة) -رضي الله عنها- ( أخبرته أنه استأذن) في الدخول ( على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيته ( رجل) هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان يقال له الأحمق المطاع أو مخرمة بن نوفل ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( ائذنوا له) في الدخول ( فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة) بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة فيهما والشك من الراوي والعشيرة الجماعة أو القبيلة أو الأدنى إلى الرجل من أهله وهم ولد أبيه وجده ( فلما دخل) الرجل ( ألان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لأن ( له الكلام) ولأبي ذر في الكلام قالت عائشة ( فقلت) له ( يا رسول الله قلت ما قلت) في هذا الرجل ( ثم) لما دخل ( ألنت له في القول.
فقال: أي عائشة)
أي يا عائشة ( إن شر الناس منزلة عند الله) يوم القيامة ( من تركه أو) قال: ( ودعه الناس اتقاء فحشه) بضم الفاء وسكون الحاء المهملة وقد كان الرجل من جفاة الأعراب.
وقوله ودعه بتخفيف الدال.
قال المازري: ذكر بعض النحاة أن العرب أماتوا مصدر يدع وماضيه والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفصح العرب وقد نطق بالمصدر في قوله: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات وبماضيه في هذا الحديث، وأجاب القاضي عياض: بأن المراد بقولهم أماتوا أي تركوا استعماله إلا نادرًا قال: ولفظ أماتوا يدل عليه ويؤيد ذلك أنه لم ينقل في الحديث إلا هذين الحديثين مع شك الراوي في حديث الباب مع كثرة استعمال تركه ولم ينقل عن أحد من
النحاة أنه لا يجوز.
قال في فتح الباري: والنكتة في إيراد هذا الحديث هنا التلميح إلى ما وقع في بعض الطرق بلفظ المداراة وهو عند الحارث بن أبي أسامة من حديث صفوان بن عسال نحو حديث عائشة -رضي الله عنها- وفيه فقال: إنه منافق أداريه عن نفاقه وأخشى أن يفسد عليّ غيره.
وعند ابن عدي من حديث جابر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مداراة الناس صدقة" وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه.

وفي حديث أبي هريرة: رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس أخرجه البزار بسند ضعيف، لكن قال شيخنا الحافظ السخاوي: لفظ رواية البزار التودد إلى الناس وهو باللفظ الذي نقله في فتح الباري في رواية مرسلة، وعند العسكر وغيره بل وفي رواية متصلة عند البيهقي في الشعب وبين أنها منكرة.




[ قــ :5803 ... غــ : 613 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» قَالَ أَيُّوبُ: بِثَوْبِهِ أَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ وَكَانَ فِى خُلُقِهِ شَىْءٌ.
رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ.
.

     وَقَالَ  حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةٌ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: ( أخبرنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام قال: ( أخبرنا أيوب) السختياني ( عن عبد الله بن أبي مليكة) اسمه زهير وعبد الله هذا تابعي فحديثه مرسل ( أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهديت له) بضم الهمزة وسكون الهاء ( أقبية) جمع قباء ( من ديباج) فارسي معرب أي ثوب يتخذ من إبريسم ( مزررة بالذهب فقسمها) أي الأقبية ( في) أي بين ( أناس من أصحابه وعزل منها) ثوبًا ( واحدًا لمخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة لأجل مخرمة والد المسور وكان مخرمة غائبًا ( فلما جاء قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( خبأت) ولأبي ذر عن الكشميهني قد خبأت ( هذا) القباء ( لك قال) أي أشار ( أيوب) السختياني بالسند السابق: ( بثويه) يستحضر فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند كلامه مخرمة ( أنه) ولأبي ذر: وأنه ( يريه) أي يري مخرمة ( إياه) أي الثوب الذي خبأه له ليطيب قلبه به ( وكان في خلقه) أي مخرمة ( شيء) من الشدة، فلذا كان في لسانه بذاءة.

( ورواه) أي الحديث ( حماد بن زيد) فيما وصله المؤلّف في باب قسمة الإمام ما يقدم عليه ( عن أيوب) السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث.

( وقال حاتم بن وردان) البصري مما وصله البخاري في شهادة الأعمى وأمره ونكاحه من الشهادات ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن ابن أبي مليكة) عبد الله ( عن المسور) بن مخرمة ( قدمت
على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية)
الحديث.
ومراد المؤلّف بسياق هذا التعليق الأخير الإعلام بوصله، وأن روايتي ابن علية وحماد وإن كانت صورتهما الإرسال، لكن الحديث في الأصل موصول والله الموفق والمعين.