فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الأدم

باب الأُدْمِ
(باب الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال وضمها وهو ما يؤكل به الخبز مما يطيبه.


[ قــ :5137 ... غــ : 5430 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: وَلَنَا الْوَلاَءُ.
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قَالَ: وَأُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي أَنْ تَقِرَّ تَحْتَ زَوْجِهَا أَوْ تُفَارِقَهُ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَيْتَ عَائِشَةَ وَعَلَى النَّارِ بُرْمَةٌ تَفُورُ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَلَمْ أَرَ لَحْمًا»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَأَهْدَتْهُ لَنَا فَقَالَ: «هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا وَهَدِيَّةٌ لَنَا».

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدنيّ (عن ربيعة) الرأي (أنه سمع القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (يقول: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى بنت صفوان مولاة عائشة (ثلاث سنن) بضم السين المهملة (أرادت عائشة أن تشتريها فتعتقها) بضم الفوقية الأولى وكسر الثانية (فقال أهلها) نبيعها (ولنا الولاء، فذكرت) عائشة (ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها:
(لو شئت شرطتيه لهم) بالمثناة التحتية من إشباع الكسرة وهو جواب لو، واستشكل قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: لو شئت شرطتيه، إذا هو شرط مفسد للبيع مع ما فيه من المخادعة، وأجيب: بأن هذا من خصائص عائشة أو المراد التوبيخ لأنه كان بيّن لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل لهم فلما ألحوا في اشتراطه قال لها: لا تبالي سواء شرطتيه أم لا، فإنه شرط باطل، وقد سبق بيان ذلك لهم أو اللام في لهم بمعنى على كقوله تعالى: { وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7] أو المراد فاشترطي لأجلهم الولاء أي لأجل معاندتهم ومخالفتهم للحق حتى يعلم غيرهم أن هذا الشرط لا ينفع (فإنما الولاء لمن أعتق) وإنما هنا لحصر بعض الصفات في الموصوف لا للحصر التام لأن الولاء لمن أعتق ولمن جرّه إليه من أعتق.

(قال: و) السنة الثانية (أعتقت فخيرت) بضم الهمزة والخاء مبنيين للمجهول (في أن تقر) بفتح الفوقية وكسر القاف وتفتح وتشديد الراء (تحت زوجها) مغيث (أو تفارقه، و) السنة الثالثة (دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا بيت عائشة وعلى النار برمة تفور فدعا بالغداء) بفتح الغين المعجمة
والدال المهملة (فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال: (لم أرَ لحمًا؟ قالوا: بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على بريرة) بضم الفوقية والصاد المهملة (فأهدته لنا، فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو صدقة عليها وهدية لنا) والغرض من الحديث ظاهر وفيه تقديم اللحم على غيره لما فيه من سؤاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع وجود أدم غيره، وفي حديث بريرة مرفوعًا: سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم رواه ابن ماجة.

وحديث الباب ذكره المؤلّف أكثر من عشرين مرة، لكنه ساقه هنا مرسلًا، لكنه كما قال في الفتح اعتمد على إيراده موصولًا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة في كتاب النكاح والطلاع وجرى هنا على عادته من تجنب إيراد الحديث على هيئته كلها في باب آخر فالله تعالى يرحمه ما أدق نظره وأوسع فكره.