فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن

باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ.

وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ «غَيْرَ أَنْ لاَ تُهْجَرَ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ» وَالأَوَّلُ أَصَحُّ
( باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه) شهرًا وسكناه ( في غير بيوتهن) فلا مفهوم لقوله تعالى: { واهجروهن في المضاجع} .

( ويذكر عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة الصحابي مما أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن منده في غرائب شعبة مطوّلًا كلهم من رواية أبي قزعة سويد عن حكيم بن معاوية عن أبيه ( رفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكون الفاء وضم العين في اليونينية ( غير أن لا تهجر) وللمستملي: ولا تهجر.

( إلا في البيت.
و)
حديث أنس ( الأول) المروي في الباب السابق المذكور فيه هجره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه في غير بيوتهن ( أصح) من حديث معاوية بن حيدة هذا ولفظ رواية أبي داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت".
قال أبو داود ولا تقبح أي لا تقول قبحك الله انتهى.

وعبّر المؤلّف بيذكر التي للتمريض إشارة إلى انحطاط رتبته بالنسبة لغيرها مع الصلاحية للاحتجاج بذلك، وللكرماني والعيني هنا كلام أضربت عنه لطوله، والذي تقرر هنا من معنى الحديث المعلق مع الاستشهاد له بلفظ أبي داود هو الظاهر فليتأمل مع ما أبداه العيني في شرحه
متعقبًا لما في الفتح مما ذكرته هنا منتصرًا للكرماني والله الموفق والمعين.

والحاصل أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وغيرها وأن الحصر المذكور في حديث معاوية المعلق هنا غير معمول به، بل يجوز في غير البيوت كما فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقول المهلب أن الهجران في غير البيوت فيه رفق بالنساء إذ هو معهن في البيوت آلم لقلوبهن ليس على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال على أن الغالب أن الهجران في غير البيوت أشق.

وهذا الحديث المعلق سقط للحموي.


[ قــ :4926 ... غــ : 5202 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ح.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَفَ لاَ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِنَّ أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، قَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا».

وبه قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال المؤلّف: ( وحدّثني) بالإفراد ( محمد بن مقاتل) المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني) بالإفراد ( يحيى بن عبد الله بن صيفي) بالصاد المهملة وسكون التحتية الأولى وتشديد الأخيرة ( أن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة وهو أخو أبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، وليس لعكرمة هذا في البخاري إلا هذا الحديث ( أخبره أن أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف لا يدخل على بعض أهله) ولأبي ذر نساءه بدل أهله ( شهرًا) .

قال في الفتح: كذا في هذه الرواية أي بلفظ بعض نسائه وهو يشعر بأن اللاتي أقسم أن لا يدخل عليهن هن من وقع منهن ما وقع من سبب القسم لا جميع النسوة، لكن اتفق أنه في تلك الحالة انفكت رجله كما في حديث أنس السابق في أوائل الصيام فاستمر مقيمًا في المشربة ذلك الشهر كله قال: وهو يؤيد أن سبب القسم قصة مارية فإنها تقتضي اختصاص بعض النسوة دون بعض بخلاف قصة العسل فإنهن اشتركن فيها إلا صاحبة العسل وإن كانت إحداهن بدأت بذلك وكذلك قصة طلب النفقة فإنهن اجتمعن فيها انتهى.

( فلما مضى تسعة وعشرون يومًا) من حلفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( غدا عليهن) أتاهن غدوة ( أو راح فقيل له) القائل عائشة ( يا نبي الله حلفت أن لا تدخل عليهن شهرًا قال) :
( إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا) .




[ قــ :497 ... غــ : 503 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا
عِنْدَ أَبِي الضُّحَى فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْكِينَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ أَهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَنَادَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا».
فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا مروان بن معاوية) الفزاري بالفاء والزاي قال: ( حدّثنا أبو يعفور) بفتح التحتية وسكون العين المهملة وضم الفاء وبعد الواو راء عبد الرحمن بن عبيد الكوفي الثقة ( قال: تذاكرنا) أي الشهر فقال بعضنا ثلاثين وقال بعضنا تسعًا وعشرين كما في النسائي ( عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح ( فقال) أبو الضحى ( حدّثنا ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( قال: أصبحنا يومًا ونساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبكين عند كل امرأة منهن أهلها فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من الناس) بالنون في ملآن وعند القابسي ملأى بلا نون بالتأنيث وكأنه أراد البقعة، وهذا ظاهره حضور ابن عباس لذلك وحديثه السابق مفهومه أنه إنما عرفها من عمر ويحتمل أنه كان يعرفها على سبيل الإجمال ثم عرفها من عمر على سبيل التفصيل لما سأله عن المتظاهرتين ( فجاء عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( فصعد إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في غرفة له) زاد الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن سليمان عن أبي يعفور ليس عنده فيها إلا بلال ( فسلم فلم يجبه أحد ثم سلم فلم يجبه أحد ثم سلم فلم يجبه أحد) بالتكرار ثلاثًا ( فناداه فدخل) بإسقاط الفاعل ولأبي نعيم فناداه بلال فدخل ( على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
واستشكل بأن في رواية مسلم أن اسم الغلام الذي استأذن له رباح وقال هنا: ليس عنده إلا بلال.
وأجيب بأن حصر العندية في داخل الغرفة ورباح كان على أسكفة الباب وعند الإذن ناداه بلال وبلغه رباح ( فقال) : يا رسول الله ( أطلقت نساءك؟ فقال) :
( لا ولكن آليت) أي حلفت ( منهن) أن لا أدخل عليهن ( شهرًا.
فمكث)
عليه الصلاة والسلام ( تسعًا وعشرين) يومًا من يوم حلفه ( ثم دخل على نسائه) .

وفيه مشروعية هجر الرجل امرأته إذا وقع منها ما يقتضي ذلك كالنشوز كما قال تعالى: { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع} أي إن نشزن { واضربوهن} [النساء: 34] أي إن أصررن على النشوز وأفهم قوله في المضاجع أنه لا يهجرها في الكلام، وهو صحيح فيما إذا زاد على ثلاثة أيام ويجوز في الثلاثة كما قاله في الروضة للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فإن رجي بالهجر صلاح دين للهاجر أو المهجور فلا يحرم وعليه يحمل هجره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم وكذا ما جاء من هجر السلف بعضهم بعضًا.