فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إكرام الضيف، وخدمته إياه بنفسه

باب إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ
وَقَوْلِهِ: { ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الحجرات: 51] ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ هُوَ زَوْرٌ، وَهَؤُلاَءِ زَوْرٌ وَضَيْفٌ وَمَعْنَاهُ أَضْيَافُهُ وَزُوَّارُهُ لأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلَ قَوْمٌ رِضًا وَعَدْلٌ وَيُقَالُ: مَاءٌ غَوْرٌ، وَبِئْرٌ وَمَاءَانِ غَوْرٌ وَمِيَاهٌ غَوْرٌ وَيُقَالُ الغَوْرُ: الغَائِرُ لاَ تَنَالُهُ الدَّلاَءُ، كُلُّ شَيْءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهُوَ مَغَارَةً تَزَاوَرُ تَمِيلُ مِنَ الزَّوْرِ وَالأَزْوَرُ: الأَمْيَلُ.

(باب) استحباب (إكرام الضيف) مصدر مضاف لمفعوله والفاعل محذوف أي إكرام المضيف (و) استحباب (خدمته إياه بنفسه) من عطف الخاص على العام إذ الإكرام أعم من أن يكون بالنفس أو بأحد (وقوله) بالجرّ عطفًا على السابق ({ ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24] .

(قال أبو عبد الله) المؤلّف: (يقال) في المفرد (هو زور و) في الجمع (هؤلاء زور) فيستوي فيه الجمع والمفرد (و) كذا (ضيف ومعناه أضيافه وزوَّاره لأنها مصدر مثل قوم رضا وعدل) يعني مرضيون وعدول فالمعنى جمع واللفظ مفرد (ويقال ماء غور وبئر غور وماءان غور ومياه غور) فهو وصف بالمصدر (ويقال الغور الغائر) الذي (لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة تزاور تميل من الزور والأزور الأميل) ومنه زاره إذا مال إليه وكان أضياف إبراهيم اثني عشر ملكًا، وقيل تسعة عاشرهم جبريل وجعلهم ضيفًا لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك قوله { المكرمين} أي عند الله كقوله { بل عباد مكرمون}
[الأنبياء: 26] وقيل لأنه خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى وثبت قوله قال أبو عبد الله الخ للكشميهني والمستملي وسقط لغيرهما.


[ قــ :5806 ... غــ : 6135 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْكَعْبِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِىَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ».

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) بضم الموحدة واسم أبي سعيد كيسان (عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة خويلد بن عمرو بن صخر (الكعبي) بفتح الكاف وكسر الموحدة الخزاعي أسلم قبل الفتح وتوفي بالمدينة -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من كان يؤمن بالله) الذي خلقه إيمانًا كاملاً (واليوم الآخر) الذي إليه معاده وفيه مجازاته (فليكرم ضيفه جائزته) بالرفع في الفرع مبتدأ خبره (يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام) أي تكلف يوم وليلة أو إتحاف يوم وليلة هذا إن قلنا إن اليوم والليلة من جملة أيام الضيافة الثلاثة، وإن قلنا بأنهما خارجان عنها فيقدر زيادة يوم وليلة بعد الضيافة، وبالنصب على أنه بدل الاشتمال أي: فليكرم جائزة ضيفه يومًا وليلة بنصب يومًا على الظرفية قاله السهيلي فيما حكاه الزركشي، وعند مسلم في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح: الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة انتهى.

قال في المصابيح: ويشبه اختلافهم في أن يوم الجائزة وليلتها داخلان في أيام الضيافة الثلاثة أو خارجان عنها ما وقع لهم من التردد في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من شهد الجنازة حتى يصلّي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" الحديث.
وفي لفظ: "من صلّى على جنازة فله قيراط ومن اتبعها حتى توضع في القبر فله قيراطان" فلو اتبعها حتى توضع في القبر ولكن لم يصل عليها احتمل أن لا يحصل له شيء من القيراط إذ يحتمل أن يكون القيراط الثاني المزيد مرتبًا على وجود الصلاة قبله، ويحتمل أن يحصل له القيراط المزيد، وأما احتمال أن القيراطين يحصلان بالاتباع حتى توضع في القبر وإن لم يصل فهو هنا بعيد وأما احتمال أن من صلّى واتبع حتى تدفن يحصل له ثلاثة قراريط فمرتب على هذا الاحتمال، ونقل القاضي تاج الدين أن الشيخ أبا الحسن بن القزويني سأل أبا نصر بن الصباغ عن هذا؟ فقال: لا يحصل لمن صلّى واتبع إلا قيراطان، واستدلّ بقوله تعالى { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام} [فصلت: 9، 10] قال: فاليومان من جملة الأربعة بلا شك انتهى.
وعند مسلم في رواية
عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح: الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهو يدل على المغايرة.

(فما بعد ذلك) مما يحضره له بعد ثلاثة أيام (فهو صدقة) استدلّ به على أن الذي قبلها واجب لأن المراد بتسميته صدقة التنفير عنه لأن كثيرًا من الناس خصوصًا الأغنياء يأنفون غالبًا من أكل الصدقة، واستدلّ ابن بطال لعدم الوجوب بقوله جائزته، والجائزة تفضل وإحسان ليست واجبة عليه عامة الفقهاء وتأوّلوا الأحاديث أنها كانت في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة (ولا يحل له) أي للضيف (أن يثوي) بفتح التحتية وسكون المثلثة وكسر الواو أن يقيم (عنده) عند من أضافه (حتى يحرجه) بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وبعد الراء المكسورة جيم من الحرج وهو الضيق ولمسلم حتى يؤثمه أي يوقعه في الإثم لأنه قد يغتابه لطول إقامته أو يعرّض له بما يؤذيه أو يظن به ظنًّا سيئًا ويستفاد من قوله حتى يحرجه أنه إذا ارتفع الحرج جازت الإقامة بعد بأن يحنتار المضيف إقامة الضيف أو يغلب على ظن الضيف أن المضيف لا يكره ذلك.

والحديث سبق في باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره من كتاب الأدب.

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ مِثْلَهُ وَزَادَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام بسنده السابق (مثله) أي مثل الحديث السابق (وزاد) ابن أبي أويس (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً (فليقل خيرًا أو ليصمت) بضم الميم من باب نصر أو بكسرها من باب ضرب يضرب أي ليسكت.




[ قــ :5807 ... غــ : 6136 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ.
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: ( حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان الأسدي ( عن أبي صالح) ذكوان الزيات ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً ( فلا يؤذ جاره) .
وفي مسلم في حديث أبي هريرة من طريق الأعمش عن أنس صالح: فليحسن إلى جاره، وقد جاء تفسير الإكرام والإحسان إلى الجار وترك أذاه في عدة أحاديث رواها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده،
والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو الشيخ في الثواب من حديث معاذ بن جبل قالوا: يا رسول الله ما حق الجار؟ قال: "إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن مرض عدته وإن احتاج أعطيته وإن افتقر عدت عليه وإذا أصابه خير هنيته وإذا أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا تستطيل عليه بالبناء فيحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له وإن لم تفعل فادخلها سرًّا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده".
قال في الفتح: ألفاظهم متقاربة والسياق أكثره لعمرو بن شعيب، وفي حديث بهز بن حكيم: إن أعور سترته وأسانيدهم واهية، لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلاً.

( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا تامًّا ( فليكرم ضيفه) بأن يزيد في قراه على ما كان يفعل في عياله ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً ( فليقل خيرًا أو ليصمت) .
وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني والبيهقي في الزهد فليقل خيرًا ليغنم أو ليسكت عن شر ليسلم، وفي معنى الأمر بالصمت أحاديث كثيرة كحديث ابن مسعود عند الطبراني قلت: يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ الحديث.
وفيه: "أن يسلم المسلمون من لسانك" وفي حديث البراء عند أحمد وصححه ابن حبان مرفوعًا: "فكف لسانك إلا من خير" وحديث ابن عمر عند الترمذي "من صمت نجا" وعنده من حديث ابن عمر: كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب.
أسأل الله العافية.




[ قــ :5808 ... غــ : 6137 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِى لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِى يَنْبَغِى لَهُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يزيد بن أبي حبيب) المصري ( عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة اليزني ( عن عقبة بن عامر) الجهني ( رضي الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا) بنونين وفتح أوّله أي لا يضيفوننا ( فما ترى فيه؟ فقال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا) ذلك منهم ( فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم) بضمير الجمع فهو على حد قوله { ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 4] كما مر الضيف مصدر يستوي فيه الجمع والواحد وقد حمل الليث الحديث على الوجوب عملاً بظاهر الأمر وأن يؤخذ ذلك منهم إن امتنعوا قهرًا وقال أحمد: بالوجوب على أهل البادية دون القرى، وتأوّله الجمهور على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة، أو المراد خذوا من
أعراضهم أو هو محمول على من مرّ بأهل الذمة الذين شرط عليهم ضيافة من مرّ بهم من المسلمين وضعف هذا.

وسبق مزيد لهذا في كتاب المظالم في باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه.




[ قــ :5809 ... غــ : 6138 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) أبو جعفر الجعفي الحافظ المسندي قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن يوسف قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) اختلف في حد الرحم التي يجب صلتها فقيل كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح ونحوه، وجوّز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره ويدل له قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أدناك أدناك" ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) ليغنم ( أو ليصمت) أي يسكت عن سوء ليسلم وهذا من جوامع الكلم وجواهر الحكم التي لا يعرف أحد ما في بحار معانيها إلا من أمدّه بفيض مدده، وذلك أن القول كله إما خير أو شر أو آيل إلى أحدهما فيدخل في الخير كل مطلوب من الأحوال فرضها وندبها فأذن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يؤول إليه وما عدا ذلك مما هو شر أو يؤول إليه فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت، ولا ريب أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من الكذب والغيبة وتزكية النفس والخوض في الباطل، ولذلك حلاوة في القلب وعليه بواعث من الطبع ومن الشيطان، فالخائض في ذلك قلما يقدر على أن يزم لسانه ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهمة ودوام الوقار والفراغ للعبادة والسلام من تبعات القول في الدنيا ومن الحساب في الآخرة قال تعالى: { ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد} [ق: 18] وقال عليه الصلاة والسلام: "أملك عليك لسانك" أي اجعله مملوكًا لك فيما عليك وباله وتبعته، وأمسكه عما يضرك وأطلقه فيما ينفعك.