فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صفة الجنة والنار

باب صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ».
عَدْنٌ: خُلْدٍ عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أَقَمْتُ، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ فِى مَعْدِنِ صِدْقٍ فِى مَنْبِتِ صِدْقٍ.

( باب صفة الجنة والنار) الجنة هي دار النعيم في الدار الآخرة والجنة البستان، والعرب تسمي النخيل جنة قال زهير:
كأن عيني في غربي مقتله ... من النواضح تسقي جنة سحقا
فهي من الاجتنان وهو الستر لتكاثف أشجارها وتظليلها بالتفاف أغصانها وسميت بالجنة وهي المرة الواحدة من مصدر جنه جنّا إذا ستره فكأنها سترة واحدة لشدة التفافها وإظلالها.

( وقال أبو سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً في باب يقبض الله الأرض يوم القيامة ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت) ولأبي ذر كبد الحوت وزيادة الكبد هي قطعة من اللحم متعلقة بالكبد وهي ألذ الأطعمة وأهنؤها.

{ عدن} في قوله { جنات عدن} [التوبة: 72] أي ( خلد) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وهو دوام البقاء يقال ( عدنت بأرض) أي ( أقمت) بها ( ومنه المعدن) الذي يستخرج منه الجواهر كالذهب والفضة والنحاس والحديد ( في معدن صدق) بكسر دال معدن أي ( في منبت صدق) بكسر الموحدة، ولأبي ذر في مقعد بالقاف والعين بدل معدن والصواب الأول.
قال في الفتح: وكان سبب الوهم أنه لما رأى أن الكلام في صفة الجنة وأن من أوصافها مقعد صدق كما
في آخر سورة القمر ظنه هنا كذلك، وقد ذكره أبو عبيدة بلفظ معدن صدق.
نعم قوله { مقعد صدق} [القمر: 55] معناه مكان القعود وهو يرجع إلى معنى المعدن.


[ قــ :6207 ... غــ : 6546 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ».

وبه قال: ( حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة بينهما تحتية ساكنة ابن الجهم أبو عمرو العبدي البصري المؤذن بجامعها قال: ( حدّثنا عوف) بالفاء وفتح العين ابن أبي جميلة الأعرابي ( عن أبي رجاء) بالجيم عمران العطاردي ( عن عمران) بن الحصين -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( اطّلعت) بتشديد الطاء ( في الجنة) ليلة الإسراء أو في المنام ( فرأيت أكثر أهلها الفقراء) قال الطيبي: ضمن اطلعت معنى تأملت ورأيت بمعنى علمت ولذا عداه إلى مفعولين ولو كان الاطّلاع بمعناه الحقيقي لكفاه مفعول واحد ( واطّلعت في النار) في صلاة الكسوف فهو غير وقت رؤية الجنة قال في الفتح: ووهم من وحدهما قال: وقال الداودي: إن ذلك ليلة الإسراء وحين خسفت الشمس كذا قال ( فرأيت أكثر أهلها النساء) لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن.

والحديث رواته كلهم بصريون وسبق في صفة الجنة من بدء الخلق وفي النكاح.




[ قــ :608 ... غــ : 6547 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية الإمام قال: ( أخبرنا سليمان) بن طرخان أبو المعتمر ( التيمي عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن بن مل النهدي ( عن أسامة) بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين) وفي الحديث السابق الفقراء وكل منهما يطلق على الآخر وضبط في اليونينية المساكين بفتح النون وهو سهو على ما لا يخفى ( وأصحاب الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال الغنى ( محبوسون) ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء لأجل الحساب وكأن ذلك عند القنطرة التي يتعاقبون فيها بعد الجواز على الصراط ( غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار) وغير بمعنى لكن، والمراد الكفار أي يساق الكفار إلى النار
ويقف المؤمنون في العرصات للحساب والفقراء هم السابقون إلى الجنة لفقرهم ( وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء) .

وهذا الحديث والذي قبله مسطوران بهامش الفرع لا رقم عليهما.
وقال في الفتح: إنهما سقطًا من كثير من النسخ ومن مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم ولا ذكر المزي في الأطراف طريق عثمان ولا طريق مسدد في كتاب الرقاق وهما ثابتان في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة.




[ قــ :609 ... غــ : 6548 ]
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ جِىءَ بِالْمَوْتِ، حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ، يَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ».

وبه قال: ( حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي كاتب ابن المبارك قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا عمر بن محمد بن زيد) بضم العين ( عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ( أنه حدثه عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت) الذي هو عرض من الأعراض مجسمًا كما في تفسير سورة مريم في هيئة كبش أملح.
قال التوربشتي: ليشاهدوه بأعينهم فضلاً أن يدركوه ببصائرهم، والمعاني إذا ارتفعت عن مدارك الأفهام واستعلت عن معارج النفوس لكبر شأنها صيغت لها قوالب من عالم الحس حتى تتصور في القلوب وتستقر في النفوس، ثم إن المعاني في الدار الآخرة تنكشف للناظرين انكشاف الصورة في هذه الدار الفانية فلذا جيء بالموت في هيئة كبش ( حتى يجعل بين الجنة والنار) وفي الترمذي من حديث أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار ( ثم يذبح) أي يذكر الذابح فقيل فيما نقله القرطبي عن بعض الصوفية أنه يحيى بن زكريا بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إشارة إلى دوام الحياة وعن بعض التصانيف.
قال في الفتح: وهو في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث الصور الطويل أنه جبريل عليه السلام.
قال في المصابيح: على تقدير كونه الموت وليس فيهم من اسمه يحيى غيره، فالمناسبة فيه ظاهرة وعلى تقدير كونه جبريل فالمناسبة لاختصاصه بذلك لائحة أيضًا من حديث هو معروف بالروح الأمين، وليس في الملائكة من يطلق عليه ذلك غيره فجعل أمينًا على هذه القضية المهمة وتولى الذبح فكان في ذبح الروح للموت المضادّ لها مناسبة حسنة يمكن رعايتها والإشارة بها إلى بقاء كل روح من غير طروّ الموت عليها بشارة للمؤمنين وحسرة على الكافرين ( ثم ينادي منادٍ) أي أعرف اسمه ( يا أهل الجنة لا موت يا) وللكشميهني ويا ( أهل النار لا موت) بالبناء على الفتح فيهما ( فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي فيهما، ولأبي ذر حزنًا إلى حزنهم بفتح الحاء والزاي فيهما.

والحديث أخرجه مسلم في صفة أهل الجنة والنار.




[ قــ :610 ... غــ : 6549 ]
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ وَأَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِى، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا».

[الحديث 6549 - طرفه في: 7518] .

وبه قال: ( حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: ( أخبرنا مالك بن أنس) الأصبحي إمام دار الهجرة وسقط ابن أنس لأبي ذر ( عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر أبي عبد الله وأبي أسامة المدني ( عن عطاء بن يسار) الهلالي مولى ميمونة ( عن أبي سعيد) سعد بن مالك ( الخدري) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن الله يقول) ولأبي ذر إن الله تبارك وتعالى يقول: ( لأهل الجنة يا أهل الجنة يقولون) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقولن ( لبيك ربنا وسعديك فيقول) جل وعلا ( هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك فيقول) سبحانه وتعالى ( أنا أعطيكم أفضل من ذلك.
قالوا: يا رب وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول)
جل جلاله: ( أحل) بضم الهمزة وكسر المهملة وتشديد اللام أي أنزل ( عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) وفي حديث جابر عند البزار قال: رضواني أكبر.

قال في الفتح: وفيه تلميح بقوله تعالى: { ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 7] لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم انتهى.
وهذا معنى ما قاله في الكشاف.

وقال الطيبي: أكبر أصناف الكرامة رؤية الله تعالى ونكر رضوان في التنزيل إرادة التقليل ليدل على أن شيئًا يسيرًا من الرضوان خير من الجنات وما فيها.
قال صاحب المفتاح: والأنسب أن يحمل على التعظيم وأكبر على مجرد الزيادة مبالغة لوصفه بقوله من الله أي ورضوان عظيم يليق أن ينسب إلى من اسمه الله معطي الجزيل ومن عطاياه الرؤية وهي أكبر أصناف الكرامة، فحينئذ يناسب معنى الحديث الآية حيث أضافه إلى نفسه وأبرزه في صورة الاستعارة وجعل الرضوان كالجائزة للوفود النازلين على الملك الأعظم.

والحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد ومسلم والترمذي في صفة الجنة والنسائي في النعوت.




[ قــ :611 ... غــ : 6550 ]
- حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّى فَإِنْ يَكُ فِى الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «وَيْحَكِ أَوَ هَبِلْتِ؟ أَوَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ لَفِى جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( عبد الله بن محمد) الجعفي البخاري يقال: إنه مولى المؤلّف ويعرف بالمسندي قال: ( حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين ابن المهلب الأزدي يعرف بابن الكرماني المعنى بفتح الميم وسكون العين المهملة البغدادي قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري ( عن حميد) بضم الحاء المهملة ابن أبي حميد الطويل البصري اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس توفي وهو قائم يصلّي أنه ( قال: سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- ( يقول: أصيب) بضم الهمزة ( حارثة) بحاء مهملة ومثلثة بن سراقة بن الحارث الأنصاري ( يوم) وقعة ( بدر وهو غلام فجاءت أمه) الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب) بالجزم فيهما ( وإن تكن الأخرى) بالفوقية وثبوت النون أي وإن لم يكن في الجنة ( ترى ما أصنع) ؟ من الحزن الشديد وترى بإشباع الراء وبعدها تحتية في الكتابة، ولأبي ذر عن الكشميهني: تر بغير تحتية مع القصر مجزوم ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها:
( ويحك) بفتح الواو وسكون التحتية بعدها حاء مهملة كلمة ترحم وإشفاق ( أوَهبلتِ) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدر وفتح الهاء وكسر الموحدة وسكون اللام أي أفقدت عقلك مما أصابك من الثكل بابنك حتى جهلت الجنة ( أوَجنة واحدة هي) ؟ بهمزة وواو العطف على مقدر أيضًا ( إنها جنان كثيرة) في الجنة ( وإنه) أي حارثة ( لفي) ولأبي ذر عن الكشميهني في ( جنة الفردوس) وهي أعلاها درجة.
والفردوس البستان الذي فيه الكروم والأشجار والجمع فراديس.

والحديث سبق بسنده ومتنه في باب فضل من شهد بدرًا من المغازي.




[ قــ :61 ... غــ : 6551 ]
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَىِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ».

وبه قال: ( حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: ( أخبرنا الفضل بن موسى) السيناني بكسر المهملة وسكون التحتية وبنونين بينهما ألف أبو عبد الله المروزي قال: ( أخبرنا الفضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة هو ابن غزوان كما نسبه ابن السكن في روايته وليس هو الفضيل بن عياض وإن وقع في رواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المروزي لأن ابن عياض لا رواية له عن أبي حازم
راوي هذا الحديث ولا أدركه كما قاله أبو علي الجياني ( عن أبي حازم) سليمان الأشجعي الكوفي مولى عزة ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ما بين منكبي الكافر) بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف وفتح الموحدة تثنية منكب مجتمع العضد والكتف ( مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع) ليعظم عذابه ويضاعف ألمه، وفي مسند الحسن بن سفيان من طريق يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى بسنده المذكور هنا خمسة أيام، وعند أحمد من حديث ابن عمر مرفوعًا: يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وفي الزهد لابن المبارك بسند صحيح عن أبي هريرة: ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أُحد يعظمون لتمتلئ منهم وليذوقوا العذاب وحكمه الرفع لأنه لا مجال للرأي فيه والأخبار في ذلك كثيرة لا نطيل بسردها.

وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النار أعاذنا الله منها بوجهه الكريم، ومطابقته لما ترجم به البخاري هنا للجزء الثاني من كون منكبي الكافر وهذا المقدار في النار إذ هو نوع وصف من أوصافها باعتبار ذكر الحمل وإرادة الحال.




[ قــ :613 ... غــ : 655 ]
- وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا».

( قال) المؤلّف بالسند السابق إليه ( وقال إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه ( أخبرنا المغيرة بن سلمة) المخزومي البصري قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ( عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار الأعرج المدني القاص مولى الأسود بن سفيان، وأما أبو حازم في الحديث السابق هو سليمان الأشجعي وهما مدنيان تابعيان ثقتان لكن سلمة أصغر من سلمان ( عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- ( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إن في الجنة لشجرة) بلام التأكيد وفي الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أنها سدرة المنتهى ( يسير الراكب في ظلها) في ذراها وناحيتها ( مائة عام لا يقطعها) أي لا ينتهي إلى آخر ما يميل من أغصانها.




[ قــ :613 ... غــ : 6553 ]
- قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا».

( قال أبو حازم) سلمة بن دينار بالسند المذكور ( فحدثت به) بالحديث المذكور ( النعمان بن أبي عياش) بالتحتية والمعجمة الزرقي التابعي المدني ( فقال: حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالخاء المعجمة
وبالإفراد فيهما ( أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إن في الجنة لشجرة يسير الراكب) الفرس ( الجواد) بفتح الجيم والواو المخففة لأنه يحوز بالركض يقال: جاد الفرس إذا صار فائقًا والجمع جياد وأجواد، وقيل الجياد الطويلة الأعناق من الجيد، ولأبي ذر الجواد بالرفع صفة لراكب ( المضمر) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة والميم المشددة الذي يعلف حتى يسمن ثم يرد إلى القوت وذلك في أربعين ليلة ولأبي ذر أو المضمر بزيادة أو ( السريع) في جريه ( مائة عام ما يقطعها) والجواد وما بعده نصب في الفرع كأصله فالأول منصوب باسم الفاعل والمضمر اسم مفعول منصوب صفة للجواد وكذا السريع، وقال في الفتح: والجواد وما بعده في روايتنا بالرفع صفة للراكب، وضبط في صحيح مسلم بنصب الثلاثة على المفعولية، وقال في المصابيح وعند الأصيلي برفعها.




[ قــ :614 ... غــ : 6554 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ» لاَ يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ: «مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه ( أبي حازم) سلمة بن دينار ( عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( ليدخلن الجنة من أمتي سبعون) زاد أبو ذر ألفًا ( أو) قال ( سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم) سلمة بن دينار ( أيهما) بالرفع ولأبي ذر بالنصب أي سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف ( قال) سهل بن سعد: ( متماسكون آخذ بعضهم بعضًا) معترضين صفًّا واحدًا ( لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم) وتقدير معترضين صفًّا واحدًا مزيل لما استشكل من قوله لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم لاستلزامه الدور لأن دخول الأول موقوف على دخول الآخر وبالعكس، نعم هو على تقدير معترضين الخ، دور معية لكنه لا محذور فيه كما قاله في الكواكب، وفيه إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه ( وجوههم على صورة القمر) المراد بالصورة الصفة أي أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر ( ليلة البدر) عند تمامه وهي ليلة أربعة عشر ولأبي ذر عن الكشميهني على ضوء القمر.

والحديث سبق في الباب السابق قبل هذا.




[ قــ :615 ... غــ : 6555 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: ( حدّثنا عبد العزيز عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار ( عن سهل) هو ابن الساعدي ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :