فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب

باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الْخَسْفِ وَالْعَذَابِ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَرِهَ الصَّلاَةَ بِخَسْفِ بَابِلَ
( باب) حكم ( الصلاة في مواضع الخسف) بالجمع وللأصيلي في موضع بالإفراد ( و) موضع نزول ( العذاب) من باب عطف العامّ على الخاص لأن الخسف من جملة العذاب ( ويذكر) مما وصله ابن أبي شيبة ( أن عليًّا) رضي الله عنه ( كره الصلاة بخسف بابل) بعدم الصرف.
قال الأخفش: لتأنيثه، وقال البيضاوي والمشهور أنه بلد من سواد الكوفة اهـ.


وقيل: المراد بالخسف المذكور ما في قوله تعالى: { قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: 26] الآية وذلك أن نمروذ بن كنعان بنى الصرح ببابل سمكه خمسة آلاف ذراع ليترصّد أمر السماء، فأهبّ الله الريح فخرّ عليه وعلى قومه فهلكوا قيل: وبات الناس ولسانهم سرياني فأصبحوا وقد تفرقت لغتهم على اثنين وسبعين لسانًا كلٌّ يبلبل بلسانه فسمي الموضع بابلاً.


[ قــ :425 ... غــ : 433 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لاَ يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ».
[الحديث 433 - أطرافه في: 3380، 3381، 4419، 4420، 4702] .

وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس ( عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما) .

( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لأصحابه لما مروا معه بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك: ( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين) بفتح الذال المعجمة وهم قوم صالح أي لا تدخلوا ديارهم ( إلا أن تكونوا باكين) شفقة وخوفًا من حلول مثل ذلك، ( فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم) وعند المؤلّف في أحاديث الأنبياء أن يصيبكم أي خشية أن يصيبكم ( ما أصابهم) من العذاب، ويصيبكم بالرفع على الاستئناف، ولا تنافي في بين خوف إصابة العذاب وبين قوله تعالى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] لأن الآية محمولة على عذاب يوم القيامة، ووجه الخوف هنا أن البكاء يبعثه على التفكّر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكّر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمه بهم وشدة عذابه، فمن مرّ عليهم ولم يتفكّر فيما يوجب البكاء اعتبارًا بأحوالهم، فقد شابههم في الإهمال ودلّ على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجرّه ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم قاله ابن حجر ومن قبله الخطابي.

وقد تشاءم عليه الصلاة والسلام بالبقعة التي نام فيها عن الصلاة ورحل عنها ثم صلّى، فكراهية الصلاة في مواضع الخشف أولى لأن إباحة الدخول فيها إنما هو على وجه الاعتبار والبكاء، فمن صلّى هناك لا تفسد صلاته لأن الصلاة موضع البكاء والاعتبار.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون.
وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير.