فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل سقي الماء

باب فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ
( باب فضل سقي الماء) للمحتاج إليه.


[ قــ :2262 ... غــ : 2363 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي.
فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ

وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ".
تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم ( عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية زاد في المظالم مولى أبي بكر أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ( عن أبي صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( بينا) بغير ميم ( رجل) لم يسم ( يمشي) وللدارقطني في الموطآت من طريق روح عن مالك: يمشي بفلاة وله من طريق ابن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة ( فاشتد عليه العطش) أي إذا اشتد فالفاء هنا وقعت موضع إذا كما وقعت إذا موضعها في قوله: { إذا هم يقنطون} [الروم: 36] ( فنزل بئرًا فشرب منها ثم خرج) من البئر ( فإذا هو بكلب) حال كونه ( يلهث) بفتح الهاء والشاء المثلثة أي يرتفع نفسه بين أضلاعه أو يخرج لسانه من العطش حال كونه ( يأكل الثرى) بفتح المثلثة أي يكدم بفيه الأرض الندية ( من العطش) وفي رواية الحموي والمستملي: من العطاش بضم العين كغراب.
قال في القاموس: هو داء لا يروى صاحبه.
وقال السفاقسي: داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى، وهذا موضع ذكر هذه الرواية.
وسها الحافظ ابن حجر فذكرها في فتح الباري، وتبعه العيني عند اشتداد العطش على الرجل وعبارته قوله: فاشتد عليه العطش كذا للأكثر وكذا هو في الموطأ، ووقع في رواية المستملي: العطاش.
قال ابن التين: هو داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى وهو غير مناسب هنا قال وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث عنه هذا الداء كالزكام.

قلت: وسياق الحديث يأباه فظاهره أن الرجل سقى الكلب حتى روي ولذلك جوزي بالمغفرة اهـ فتأمله.

( فقال) الرجل ( لقد بلغ هذا) أي الكلب ( مثل الذي بلغ بي) أي من شدّة العطش، وزاد ابن حبّان من وجه آخر عن أبي صالح: فرحمه، وقوله مثل بالرفع في فرع اليونينية والنسخة المقروءة على الميدومي وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة.
وحكاه ابن الملقن عن ضبط الحافظ الدمياطي على أنه فاعل بلغ.
وقوله هذا مفعول به مقدّم، وقال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني كالزركشي: مثل بالنصب نعت لمصدر محذوف أي بلغ مبلغًا مثل الذي بلغ بي.
قال في المصابيح: وهذا لا يتعين لجواز أن يكون المحذوف مفعولاً به أي عطشًا.

وزاد أبو ذر هنا في روايته فنزل بئرًا ( فملأ خفّه) ولابن حبان: فنزع إحدى خفّيه ( ثم أمسكه بفيه) ليصعد من البئر لعسر المرتقى منها ( ثم رقي) منها بفتح الراء وكسر القاف كصعد وزنًا ومعنى، ومقتضى كلام ابن التين أن الرواية رقى بفتح القاف وذلك أنه قال: ثم رقى كذا وقع وصوابه رقي على وزن علم ومعناه صعد.
قال تعالى: { أو ترقى في السماء} [الإسراء: 93] وأما رقى بفتح

القاف فمن الرقية وليس هذا موضعه وخرّجه على لغة طيئ في مثل بقي يبقى ورضي يرضى يأتون بالفتحة مكان الكسرة فتنقلب الياء ألفًا وهذا دأبهم في كل ما هو من هذا الباب انتهى.

قال العلاّمة البدر الدماميني: ولعل المقتضي لإيثار الفتح هنا إن صح قصد المزاوجة بين رقى وسقى وهي من مقاصدهم التي يعتمدون فيها تغيير الكلمة عن وضعها الأصلي انتهى.

( فسقى الكلب) زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح فيما سبق في كتاب الوضوء: حتى أرواه أي جعله ريان ( فشكر الله له) أثنى عليه أو قبل عمله ذلك أو أظهر ما جازاه به عند ملائكته ( فغفر له) وفي رواية عبد الله بن دينار: "فأدخله الجنة" بدل قوله: "فغفر له".

( قالوا) أي الصحابة وسمي منهم سراقة بن مالك بن جعشم فيما رواه أحمد وابنا ماجة وحبان ( يا رسول الله) الأمر كما ذكرت ( وإن لنا في) سقي ( البهائم) أو الإحسان إليها ( أجرًا) أتوا بالاستفهام المؤكد للتعجب ( قال) عليه الصلاة والسلام ( في) إرواء ( كل) ذي ( كبد) بفتح الكاف وكسر الموحدة ويجوز سكونها وكسر الكاف وسكون الموحدة ( رطبة) برطوبة الحياة من جميع الحيوانات أو هو الحيوانات أو هو من باب وصف الشيء باعتبار ما يؤول إليه فيكون معناه في كل كبد حرى لمن سقاها حتى تصير رطبة ( أجر) بالرفع مبتدأ قدم خبره، والتقدير: أجر حاصل أو كائن في إرواء كل ذي كبد حي في جميع الحيوانات، لكن قال النووي: إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسببه ويلتحق به إطعامه.

وفي هذا الحديث الحثّ على الإحسان وأن الماء من أعظم القربات، وعن بعض الصالحين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء، وأخرجه أيضًا في المظالم والأدب ومسلم في الحيوان وأبو داود في الجهاد.

( تابعه حماد بن سلمة) بفتح السين المهملة واللام ( والربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة ( ابن مسلم) بكسر اللام المخففة البصري ( عن محمد بن زياد) وسقطت هذه المتابعة من بعض النسخ.




[ قــ :63 ... غــ : 364 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ فَقَالَ: دَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى.

قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ.
قَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا".

وبه قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي قال: ( حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله بن الجمحي المكي ( عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير بن عبد الله الأحول المكي ( عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق ( -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى صلاة الكسوف فقال) أي بعد أن انصرف منها

( دنت) أي قربت ( مني النار حتى قلت أي رب) بفتح الهمزة حرف نداء ( وأنا معهم) بحذف همزة الاستفهام تقديره أو أنا معهم وفيه تعجب وتعجيب واستبعاد من قربه من أهل النار كأنه استبعد قربهم منه وبينه وبينهم كبعد المشرقين ( فإذا امرأة) لم تسم لكن في مسلم أنها امرأة من بني إسرائيل، وفي أخرى له إنها حميرية وحمير قبيلة من العرب وليسوا من بني إسرائيل.
قال نافع بن عمر: ( حسبت أنه) أي ابن أبي مليكة أو قالت أسماء: حسبت أنه أي النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال تخدشها) بشين معجمة بعد الدال المهملة المكسورة أي تقشر جلدها ( هرة) بالرفع على الفاعلية ( قال) عليه الصلاة والسلام، وفي باب: ما يقرأ بعد التكبير قلت ( ما شأن هذه) ؟ أي المرأة ( قالوا حبستها حتى ماتت جوعًا) وتقدم هذا الحديث بأتم من هذا في أوائل صفة الصلاة.




[ قــ :64 ... غــ : 365 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ: فَقَالَ: -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِيهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ».
[الحديث 365 - طرفاه في: 3318، 348] .

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( عذبت امرأة) بضم العين وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول ( في) شأن ( هرة) أو بسبب هرة واحتج به ابن مالك على ورود في للسببية ( حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها) أي بسببها ( النار قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال) الله أو مالك خازن النار ( والله أعلم) جملة معترضة بين قوله فقال وقوله ( لا أنت أطعمتيها) بإشباع كسرة التاء ياء كذا في رواية المستملي والكشميهني وفي رواية الحموي أطعمتها بدون إشباع ( ولا سقيتيها حين حبستيها) بإشباع كسرة التاء فيهما ياء وفي اليونينية حذف الياء من سقيتيها ( ولا أنت أرسلتيها) بإشباع كسرة التاء ياء ولأبي ذر أرسلتها بغير إشباع وسقط في نسخة لفظ أنت ( فأكلت) وللكشميهني: فتأكل ( من خشاش الأرض) حشراتها.
وحكى الزركشي تثليث الخاء المعجمة.
وقال في المصابيح ليس فيه تصريح بأن الرواية بالتثليث ولم أتحقق ذلك فيبحث عنه انتهى.

قلت: كذا هو بالتثليث في فرع اليونينية، وقد سبق الزركشي إلى حكاية التثليث صاحب المشارق، لكن قال النووي: إن الفتح أشهر.

ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن هذه المرأة لما حبست الهرة إلى أن ماتت الهرة جوعًا وعطشًا فاستحقت هذا العذاب فلو كانت سقتها لم تعذب، ومن هنا يعلم فضل سقي الماء وهل كانت هذه المرأة كافرة أو مؤمنة؟ قال القرطبي: كلاهما محتمل.
وقال النووي: الصواب أنها كانت مسلمة وأنها دخلت النار بسبب الهرة كما هو ظاهر الحديث، وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت

بإصرارها كبيرة، وليس في هذا الحديث أنها تخلد في النار، وقد أخرجه مسلم في الأدب وفي الحيوان.