فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: لا يعضد شجر الحرم

باب لاَ يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ».

هذا ( باب) بالتنوين ( لا يعضد) بضم أوّله وسكون المهملة وفتح المعجمة مبنيًا للمفعول أي لا يقطع ( شجر الحرم.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-)
مما وصله المؤلّف في الباب التالي ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يعضد شوكه) .


[ قــ :1748 ... غــ : 1832 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: "ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَاىَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً.
فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ.
فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ".
خَرْبَةٌ: بَلِيَّةٌ.

وبالسند قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد ( عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وبالحاء المهملة قيل اسمه خويلد، وقيل عمرو بن خالد، وقيل كعب بن عمرو الخزاعي ( العدوي) ليس هو من بني عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر، ويحتمل أن يكون حليفًا لبني عدي بن كعب، وقيل في خزاعة بطن يقال لهم بنو عدي ( أنه قال لعمرو بن سعيد) : أي ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية المعروف بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم عليّ -رضي الله عنه- فأصابته لقوة، وكان يزيد بن معاوية ولاه المدينة.
قال الطبري: كان قدومه واليًا على المدينة من قبل يزيد في السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة سنة ستين، ( وهو يبعث البعوث إلى مكة) جملة حالية والبعوث جمع بعث وهو الجيش بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر، والمراد به الجيش المجهز لقتال عبد الله بن الزبير لأنه لما امتنع من بيعة يزيد وأقام بمكة كتب يزيد إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إلى ابن الزبير جيشًا فجهز إليه جيشًا وأمّر عليهم عمرو بن الزبير أخا عبد الله وكان معاديًا لأخيه، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه عن ذلك فامتنع وجاءه أبو شريح فقال له: ( ايذن لي) أصله إئذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها يا ( أيها الأمير أحدثك) بالجزم ( قولاً قام به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جملة في موضع نصب صفة لقولاً المنصوب على المفعولية ( الغد) بالنصب على الظرفية أي اليوم الثاني ( من يوم الفتح) لمكة ولأبي الوقت: للغد بلام الجر ( فسمعته أذناي) منه من غير واسطة ( ووعاه قلبي) أي حفظه إشارة إلى
تحققه وتثبته فيه ( وأبصرته عيناه) زيادة في مبالغة التأكيد لتحققه ( حين تكلم به) أي بالقول المذكور، وأشار بذلك إلى أن سماعه منه لم يكن مقتصرًا على مجرد الصوت بل كان مع المشاهدة والتحقيق لما قاله: ( أنّه حمد الله وأثنى عليه) بيان لقوله تكلم وهمزة أنه مكسورة في الفرع ( ثم قال: إن مكة حرمها الله) أي حكم بتحريمها وقضى به، وهل المراد مطلق التحريم فيتناول كل محرماتها أو خصوص ما ذكره بعد من سفك الدم وقطع الشجر ( ولم يحرمها الناس) نفي لما كان يعتقده الجاهلية وغيرهم من أنهم حرموا أو حللوا من قبل أنفسهم، ولا منافاة بين هذا وبين حديث جابر المروي في مسلم أن إبراهيم حرم مكة وأنا حرمت المدينة لأن إسناد التحريم إلى إبراهيم من حيث أنه مبلغه فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء يبلغونها ثم إنها كما تضاف إلى الله من حيث أنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتظهر على لسانهم، فلعله لما رفع البيت المعمور إلى السماء وقت الطوفان اندرست حرمتها وصارت شريعة متروكة منسية إلى أن أحياها إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرفع قواعد البيت ودعا الناس إلى حجه وحدّ الحرم وبين حرمته ثم بين التحريم بقوله:
( فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر) قال ابن دقيق العيد: هذا الكلام من باب خطاب التهييج وأن مقتضاه أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه، فهذا هو المقتضى لذكر هذا الوصف لا أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، ولو قيل لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل منه الغرض وخطاب التهييج معلوم عند علماء البيان ومنه قوله تعالى: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23] إلى غير ذلك.
( أن يسفك بها) بكسر الفاء ويجوز ضمها أي أن يصب بمكة ( دمًا) بالقتل الحرام ( ولا يعضد) بضم الضاد ولأبي ذر: ولا يعضد بكسرها أي لا يقطع ( بها) أي في مكة ( شجرة) وفي رواية عمر بن شيبة: ولا يخضد بالخاء المعجمة بدل العين المهملة وهو يرجع إلى معنى العضد لأن الخضد الكسر ويستعمل في القطع، وكلمة لا في ولا يعضد زائدة لتأكيد النفي ويؤخذ منه حرمة قطع شجر الحرم الرطب غير المؤذي مباحًا ومملوكًا حتى ما يستنبت منه وإذا حرم القطع فالقلع أولى وقيس بمكة باقي الحرم، ( فإن أحد ترخص) بوزن تفعل من الرخصة، وأحد: مرفوع بفعل مضمر يفسره ما بعده أي فإن ترخص أحد ( لقتال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) متعلق بقوله ترخص أي لأجل قتال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي مستدلاً به ( فقولوا له: إن الله) عز وجل ( أذن لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خصوصية له ( ولم يأذن لكم، وإنما أذن) الله ( لي) بالقتال فيها ( ساعة من نهار) ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، فكانت مكة في حقه عليه الصلاة والسلام في تلك المنزلة بمنزلة الحل، ( وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس) أي عاد تحريمها كما كانت بالأمس قبل يوم الفتح حرامًا، زاد في حديث ابن عباس الآتي إن شاء الله تعالى بعد باب فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ( وليبلغ الشاهد) الحاضر ( الغائب) نصب على المفعولية.

( فقيل لأبي شريح) المذكور: ( ما قال: لك عمرو؟) المذكور في الجواب؟ فقال: ( قال) عمرو: ( أنا أعلم بذلك) المذكور وهو أن مكة حرمها الله الخ.
( منك يا أبا شريح) يعني أنك قد صح

سماعك ولكنك لم تفهم المراد ( أن الحرم لا يعيد) بالذال المعجمة أي لا يجير ( عاصيًا) ، يشير إلى عبد الله بن الزبير لأن عمرو بن سعيد كان يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد لأنه كان يرى وجوب طاعته لكنها دعوى من عمرو بغير دليل لأن ابن الزبير لم يجب عليه حدّ فعاذ بالحرم فرارًا منه حتى يصبح جواب عمرو ( ولا فارًّا) بالفاء من الفرار أي ولا هاربًا ( بدم، ولا فارًّا بخربة) بضم الخاء المعجمة وفتحها وسكون الراء وفتح الموحدة أي بسبب خربة ثم فسرها بقوله: ( خربة: بلية) وهو تفسير من الراوي، لكن في بعض النسخ قال أبو عبد الله: أي البخاري خربة بلية فهو من تفسير المؤلّف.

وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب: ليبلغ الشاهد الغائب مع تفاسير أخر للخربة.

وفي القاموس الخربة العيب والعورة والذلة، وليس كلام عمرو بن سعيد هذا حديثًا يحتج به، وفي رواية أحمد في آخر هذا الحديث قال أبو شريح: فقلت لعمرو: قد كنت شاهدًا وكنت غائبًا وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك، وهو يشعر بأنه لم يوافقه فيندفع قول ابن بطال أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو دليل على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، بل إنما ترك أبو شريح مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوّة الشوكة.