فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب

باب يَزِفُّونَ: النَّسَلاَنُ فِي الْمَشْيِ
هذا ( باب) بالتنوين من غير ذكر ترجمة فهو كالفصل من سابقه ( { يزفون} ) في قوله تعالى في سورة الصافات { فأقبلوا إليه} [الصافات: 94] أي إلى إبراهيم لما بلغهم خبر كسر أصنامهم ورجعوا من عيدهم حال كونهم يزفون وهو ( النسلان) فيما وصله الطبري عن مجاهد بلفظ الوزيف النسلان وهو بفتح النون وسكون السين المهملة وبعد اللام ألف ونون وعن مجاهد وغيره أي يسرعون ( في المشي) ووقع في فرع اليونينية علامة سقوط الباب لأبي ذر وثبوت يزفون النسلان في المشي للحموي والكشميهني وثبوت كل لابن عساكر، وقال ابن حجر سقط ذلك من رواية النسفيّ، وثبت في رواية المستملي باب بغير ترجمة، ووهم من وقع عنده باب يزفون النسلان في المشي فإنه كلام لا معنى له، والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي لأن باب بغير ترجمة كالفصل من السابق وتعلقه بما قبله واضح.


[ قــ :3208 ... غــ : 3361 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بِلَحْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ - فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ -فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنَ الأَرْضِ, اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: -فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ- نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى».
تَابَعَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر) السعدي المروزي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب الكوفي ( عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: أتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الفوقية مبنيًا للمفعول ( يومًا بلحم فقال) :
( إن الله يجمع يوم القيامة الأوّلين والآخرين) في باب قول الله تعالى { إنّا أرسلنا نوحًا} قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال: أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون بم يجمع الله الأولين والآخرين ( في صعيد واحد) أرض مستوية واسعة ( فيسمعهم الداعي) بضم الياء من الإسماع ( وينفذهم البصر) بضم الياء والذال المعجمة في الفرع وبعضهم فيما حكاه الكرماني فتح الياء، والمعنى أنه يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض، وذكر أبو حاتم أنه إنما هو بالدال المهملة وإن المحدثين يروونه بالمعجمة والمعنى يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم ( وتدنو الشمس منهم فذكر حديث الشفاعة) إلى أن قال: ( فيأتون إبراهيم فيقولون) له ( أنت نبي الله وخليله من الأرض) هذا موضع الترجمة وزاد إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة قد سمع بخلتك أهل السماوات والأرض ( اشفع لنا إلى ربك فيقول) بالفاء ولأبي ذر ويقول أي لست هنا كم ( فذكر كذباته) بفتح الذال المعجمة التي هي من باب المعاريض وليست من الكذب الحقيقي المذموم بل كانت في ذات الله تعالى وإنما أشفق منها في هذا الحل لعلو مقامه كما مر قريبًا فراجعه ( نفسي نفسي) مرتين وزاد أبو ذر ثالثة ( اذهبوا إلى موسى) الحديث الخ وسبق في باب قول الله تعالى: { إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه} [نوح: 1] قريبًا
( تابعه) أي تابع أبا هريرة على رواية هذ الحديث ( أنس) -رضي الله عنه- ( عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
فيما وصله المؤلّف في التوحيد.




[ قــ :309 ... غــ : 336 ]
- حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا».

وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن سعيد أبو عبد الله) الرباطي بضم الراء وتخفيف الموحدة المروزي الأشقر قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم (عن أبيه) جرير بن حازم بن زيد الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه) سعيد بن جبير الأزدي الفقيه الورع (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال):
(يرحم الله أم إسماعيل) هاجر (لولا أنها عجلت) بكسر الجيم لما عطش إسماعيل وجاء جبريل عليه السلام فبحث بعقبه حتى ظهر الماء فجعلت تخوّضه وتغرف من الماء في سقائها (لكان زمزم) بغير تاء تأنيث بعد النون (عينًا معينا) بفتح الميم أي سائلاً على وجه الأرض، والقياس أن
يقول معينة فالتذكير حملاً على اللفظ ووزنه مفعل من عانه إذا رآه بعينه وأصله معيون فبقي كمبيع أو فعيل من أمعنت في الشيء إذا بالغت فيه، قال ابن الجوزي: ظهور زمزم نعمة من الله محضة من غير عمل عامل، فلما خالطها تحويض هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك.




[ قــ :309 ... غــ : 3363 ]
- قَالَ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ: "إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ -وَهْيَ تُرْضِعُهُ- مَعَهَا شَنَّةٌ لَمْ يَرْفَعْهُ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ".

( قال) ولأبي ذر وقال ( الأنصاري) محمد بن عبد الله بن مثنى بن عبد الله بن أنس مما وصله أبو نعيم في مستخرجه ( حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( أما) ولأبي ذر قال أما ( كثير بن كثير) بالمثلثة فيهما السهمي ( فحدّثني) بالإفراد ( قال: إني) إن واسمها ( وعثمان بن أبي سليمان) عطف على المنصوب ابن جبير بن مطعم القرشي ( جلوس) أي جالسان ( مع سعيد بن جبير) زاد الأزرقي من طريق مسلم بن خالد الزنجي والفاكهي من طريق محمد بن جعشم كلاهما عن ابن جريج عن كثير بن كثير بأعلى المسجد ليلاً فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن تروني فسأله القوم فأكثروا فكان مما سئل عنه أن قال له رجل: أحق ما سمعنا في المقام مقام إبراهيم أن إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته أن لا ينزل بمكة حتى يرجع فقربت إليه امرأة إسماعيل المقام فوضع رجله عليه حتى لا ينزل.
( فقال) سعيد بن جبير ( ما هكذا حدثني) بالإفراد ( ابن عباس.
قال)
: ولأبي ذر وابن عساكر: ولكنه قال ( أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه) هاجر ( عليهم السلام) مكة ( وهي ترضعه) بضم الفوقية وكسر الضاد المعجمة والواو للحال ( معها شنَّة) بفتح المعجمة وتشديد النون قربة يابسة ( لم يرفعه) أي الحديث.
( ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل) وسقط قوله ثم جاء بها الخ لأبي ذر وابن عساكر.




[ قــ :310 ... غــ : 3364 ]
- حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ.
وَهْيَ تُرْضِعُهُ -حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا.
فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَتْ: إِذَن لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ.
فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا
بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} -حَتَّى بَلَغَ- { يَشْكُرُونَ} .
وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى -أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؛ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا.
فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ -تُرِيدَ نَفْسَهَا- ثُمَّ تَسَمَّعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا.
قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ.
وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ في جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ- مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا -قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ- فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ.
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُحِبُّ الإِنْسَ، فَنَزَلُوا، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ.
وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ.
فَشَكَتْ إِلَيْهِ.
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ.
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ.
قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَىْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ.
قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ.
فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى.
فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ،
فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.
قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ.
فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ.
قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ.
قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ , قَالَ: فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ.
قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ.
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ - وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ - فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ.
قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَىْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ.
قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ.
ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ.
قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ.
قَالَ، وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ.
قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا -وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا- قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي.
حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ: فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 17] ".
[الحديث 3364 - أطرافه في: 368، 336، 3363، 3365] .

قال المؤلّف بالسند: ( وحدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن أيوب السختياني) بفتح السين وكسر الفوقية ( وكثير بن كثير المطلب) بتشديد الطاء وكسر اللام ( ابن أبي وداعة) بفتح الواو وتخفيف الدال ( يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير) سقط ابن جبير لأبي ذر أنه ( قال ابن عباس: أول ما اتخذ النساء المنطق) بكسر الميم وفتح الطاء بينهما نون ساكنة ما تشده المرأة على وسطها عند الشغل لئلا تعثر في ذيلها ( من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة من جهة ( أم إسماعيل اتخذت منطقًا) وذلك أن سارة وهبتها للخليل عليه السلام فحملت منه بإسماعيل فلما وضعته غارت فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقًا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها ( لتعفي) بضم الفوقية وفتح العين المهملة وتشديد الفاء المكسورة لتخفي ( أثرها) وتمحوه ( على سارة) .
وقال الكرماني: معناه أنها تزيت بزي الخدم إشعارًا بأنها خادمتها لتستميل خاطرها وتصلح ما فسد يقال: عفى على ما كان منه إذا أصلح بعد الفساد اهـ وقيل إن الخليل شفع فيها وقال حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها فكانت أول من فعل ذلك، وعند الإسماعيلي من رواية ابن علية أول ما اتخذت العرب جر الذيول عن أم إسماعيل.

( ثم جاء بها) بهاجر ( إبراهيم وبابنها إسماعيل) على البراق ( وهي ترضعه) الواو للحال ( حتى وضعهما) ولأبي ذر عن الكشميهني: فوضعهما ( عند) موضع ( البيت) الحرام قبل أن يبنيه ( عند دوحة) بدال وحاء مفتوحتين مهملتين بينهما واو ساكنة شجرة عظيمة ( فوق زمزم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فوق الزمزم ( في أعلى) مكان ( المسجد وليس بمكة يومئذٍ أحد) ولا بناء ( وليس بها ماء فوضعهما هنا لك ووضع عندهما جرابًا) بكسر الجيم من جلد ( فيه تمر وسقاء فيه ماء) بكسر السين قربة صغيرة ( ثم قفى إبراهيم) بفتح القاف والفاء المشددة ولّى راجعًا حال كونه ( منطلقًا) إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند موضع البيت، ( فتبعته أم إسماعيل فقالت) له ( يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا) ولأبي ذر في هذا ( الوادي الذي ليس فيه أنس) بكسر الهمزة ضد الجن ولأبي ذر وابن عساكر أنيس ( ولا شيء؟ فقالت: له ذلك مرارًا.
وجعل)
إبراهيم ( لا يلتفت إليها فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا) ؟ بمدّ همزة الله وسقط لأبي ذر الذي ( قال) إبراهيم: ( نعم) .
وفي رواية عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها نادته ثلاثًا فأجابها في الثالثة فقالت له من أمرك بهذا قال الله ( قالت: إذًا لا يضيعنا) وفي رواية ابن جريج فقالت حسبي ( ثم رجعت) إلى موضع الكعبة ( فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية) بالمثلثة وكسر النون وتشديد التحتية بأعلى مكة حيث دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة ( حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت) أي موضعه ( ثم دعا بهؤلاء الكلمات) ولأبي ذر بهؤلاء الدعوات ( ورفع يديه فقال رب) ولأبي ذر عن الكشميهني: ربنا وهو الموافق للتنزيل ( إني أسكنت) ذرية ( من ذرّيتي) فالجار: صفة لمفعول محذوف أو من مزيدة عند الأخفش والمراد بالذرية إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم ( بوادٍ) أي في واد هو مكة ( غير ذي زرع) قال في الكشاف: لا يكون فيه شيء من زرع قط كقوله: قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج بمعنى لا يوجد فيه اعوجاج ما فيه إلا الاستقامة لا غير اهـ.

قال الطيبي: هذه المبالغة يفيدها معنى الكناية لأن نفي الزرع يستلزم كون الوادي غير صالح للزرع ولأنه نكرة في سياق النفي.
( عند بيتك المحرم) الذي يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره أو حرمت التعرض له والتهاون به أو لم يزل معظمًا يهابه كل جبارًا وحرم من الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقًا لأنه أعتق من الطوفان أو لأنه موضع البيت حرم يوم خلق السماوات والأرض وحف بسبعة من الملائكة ( حتى بلغ يشكرون) أي تلك النعمة.

قال في الكشاف: فأجاب الله دعوة خليله فجعله حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثمارًا وفي أي بلد من بلاد الشرق والمغرب ترى الأعجوبة التي يريكها الله بواد غير ذي زرع وهي اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد وليس ذلك من آياته بعجب أعادنا الله إلى حرمه بمنّه وكرمه ووفقنا لشكر نعمه وثبت قوله عند بيتك المحرم في رواية أبي ذر.

( وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد) بكسر الفاء أي فرغ ( ما في السقاء عطشت وعطش ابنها) إسماعيل بكسر الطاء فيهما، وزاد الفاكهي من حديث أبي جهم فانقطع لبنها، وكان إسماعيل حينئذٍ ابن سنتين ( وجعلت) هاجر ( تنظر إليه يتلوى) يتقلب ظهرًا لبطن ( أو قال يتلبط) بالموحدة المشددة بعد اللام آخره طاء مهملة أي يتمرغ ويضرب بنفسه على الأرض من لبط به إذا صرع.
وقال الداودي: يحرك لسانه وشفتيه كأنه يموت، وللكشميهني: يتلمظ بميم وظاء معجمة بدل الموحدة والمهملة.
( فانطلقت) هاجر حال كون انطلاقها ( كراهية أن تنظر إليه) في هذه الحالة الصعبة ( فوجدت الصفا) بالقصر ( أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي) حال كونها ( تنظر هل ترى أحدًا فلم ترَ فهبطت من الصفا) بفتح الموحدة من هبطت.
وعند الفاكهي من حديث أبي جهم تستغيث ربها وتدعوه ( حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها) بفتح الطاء والراء ودرعها بكسر الدال وسكون الراء أي قميصها لئلا تعثر في ذيله ( ثم سعت سعي الإنسان المجهود) أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر الشاق ( حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت) ولأبي ذر فنظرت بالفاء بدل الواو ( هل ترى أحدًا فلم ترَ أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات) .

( قال ابن عباس قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلذلك سعي الناس) بسكون العين وجر الناس ولأبي ذر وابن عساكر فلذلك سعي الناس ( بينهما) بين الصفا والمروة.

( فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه) بفتح الصاد وكسر الهاء منونة في الفرع وفي بعض الأصول بسكونها أي اسكتي ( تريد نفسها) لتسمع ما فيه فرج لها ( ثم تسمعت) أي تكلفت السماع واجتهدت فيه ( فسمعت أيضًا فقالت قد أسمعت) بفتح التاء ( إن كان عندك غواث) أي فأغثني فجزاء الشرط محذوف.
وغواث بكسر الغين المعجمة وفتح الواو مخففة وبعد الألف مثلث كذا في الفرع وأصله وفيه لأبي ذر غواث بضم الغين.
وقال الحافظ ابن حجر: غواث بفتحها للأكثر، وقال في المصابيح: وبذلك قيده ابن الخشاب وغيره من أئمة اللغة.
وقال في الصحاح: غوّث الرجل إذا قال واغوثاه والاسم الغوث والغواث والغواث.
قال الفراء يقال أجاب الله دعاءه وغوائه.
قال: ولم يأت في الأصوات شيء بالفتح غيره، وإنما يأتي بالضم مثل البكاء والدعاء وبالكسر مثل النداء والصياح قال الشاعر:
بعثتك مائرًا فلبثت حولاً ... متى يأتي غواثك من تغيث
وقال في القاموس: والاسم الغوث والغواث بالضم وفتحه شاذ واستغاثني فأغثته إغاثة ومغوثة والاسم الغياث بالكسر، ( فإذا هي بالملك) جبريل ( عند موضع زمزم فبحث) بالمثلثة ( بعقبه) أي حفر بمؤخر رجله.
قال السهيلي في تفجيره إياها دون أن يفجرها باليد أو غيرها إشارة إلى أنها لعقب إسماعيل وراثة وهو محمد وأمته كما قال تعالى { وجعلها كلمة باقية} [الزخرف: 8] في عقبه أي في أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أو قال بجناحه) شك من الراوي ( حتى ظهر الماء فجعلت) هاجر
( تحوّضه) بالحاء المهملة المفتوحة والواو المشدّدة المكسورة وبالضاد المعجمة أي تصيره كالحوض لئلا يذهب الماء ( وتقول بيدها هكذا) هو حكاية فعلها وهو من إطلاق القول على الفعل ( وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف) أي ينبع كقوله تعالى: { وفار التنور} [هود: 40] .

( قال ابن عباس) بالسند السابق ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء) شك من الراوي ( لكانت زمزم عينًا معينًا) بفتح الميم جاريًا على وجه الأرض لأنها لما داخلها كسب هاجر قصرت على ذلك ( قال: فشربت) هاجر ( وأرضعت ولدها فقال لها الملك) جبريل ( لا تخافوا الضيعة) بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية الهلاك وعبر بالجمع على القول بأن أقل الجمع اثنان أو هما وذرية إسماعيل أو أعم.
وفي حديث أبي جهم لا تخافي أن ينفد الماء وعند الفاكهي من رواية عليّ بن الوازع عن أيوب لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله ( فإن هاهنا بيت الله) بنصب بيت اسم إن ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هذا بيت الله ( يبني هذا الغلام وأبوه) بحذف ضمير المفعول وعند الإسماعيلي يبنيه بإثباته ( وإن الله لا يضيع أهله) بضم التحتية الأولى وكسر الثانية مشددة بينهما معجمة مفتوحة ( وكان البيت) الحرام ( مرتفعًا من الأرض كالرابية) بالراء وبعد الألف موحدة ثم تحتية ما ارتفع من الأرض.
وعند ابن إسحاق أنه كان مدرة حمراء ( تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت) هاجر ( كذلك) تشرب وترضع ولدها، ولعلها كانت تغتذي بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب ( حتى مرت بهم رفقة) بضم الراء جماعة مختلطون ( من جرهم) بضم الجيم والهاء بينهما راء ساكنة غير منصرف حيّ من اليمن وكانت جرهم يومئذٍ قريبًا من مكة ( أو أهل بيت من جرهم) حال كونهم ( مقبلين) متوجهين ( من طريق كداء) بفتح الكاف ممدودًا.
قال في الفتح: وهو في جميع الروايات كذلك وهو أعلى مكة.
نعم في رواية ابن عساكر كما في اليونينية كدى بضم الكاف والقصر، ولعل الحافظ ابن حجر لم يقف عليها.
( فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرًا عائفًا) بالعين المهملة والفاء وهو الذي يتردّد على الماء ويحوم حوله ولا يمضي عنه ( فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا) بلام مفتوحة للتأكيد ( بهذا الوادي) ظرف مستقر لا لغو ( وما فيه ماء) الواو للحال ( فأرسلوا جريًّا) بجيم مفتوحة وراء مكسورة فتحتية مشدّدة رسولاً واحدًا لينظر هل هناك ماء أم لا ( أو جريين) رسولين اثنين وسمى الرسول جريًّا لأنه يجري مجرى مرسله أو يجري مسرعًا في حاجته والشك من الراوي ( فإذا هم) الجريّ أو الجريان ومن تبعهما ( بالماء فرجعوا) إلى جرهم ( فأخبروهم بالماء فأقبلوا) إلى جهة الماء ( قال: وأم إسماعيل) كائنة ( عند الماء فقالوا) لها: ( أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت) : ولأبي ذر قالت ( نعم) أذنت لكم في النزول ( ولكن لا حق لكم في الماء.
فقالوا: نعم)
.
لا حق لنا فيه.

( قال ابن عباس) بالسند السابق: ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فألفى) بهمزة مفتوحة وسكون اللام وفتح الفاء أي وجد ( ذلك) الحي الجرهمي ( أم إسماعيل) بنصب أم مفعول الحي كما قرره في
الكواكب.
وقال في العمدة فاعل فألفى قوله ذلك وأم إسماعيل مفعوله وذلك إشارة إلى استئذان جرهم، والمعنى فألفى استئذان جرهم بالنزول أم إسماعيل ( وهي) أي والحال أنها ( تحب الأنس) بضم الهمزة ضدّ الوحشة ويجوز كسرها وهو الذي في الفرع كأصله أي تحب جنسها ( فنزلوا) عندها ( وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم) بمكة ( حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام) إسماعيل بين والدان جرهم ( وتعلم العربية منهم) ظاهره يعارض حديث ابن عباس المروي في مستدرك الحاكم أوّل من نطق بالعربية إسماعيل.
وأجيب: بأن المعنى أوّل من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم إسماعيل، وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن: أوّل من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل.
قال في الفتح: وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوّليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأوّلية المطلقة، فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها قال: ويشهد لهذا ما حكى ابن هشام عن الشرقي بن قطامي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم ( وأنفسهم) بفتح الفاء والسين عطف على تعلم أي رغبهم فيه وفي مصاهرته.
يقال: أنفسني فلان في كذا أي رغبني فيه.
وقال في المصابيح: أي صار نفيسًا فيهم رفيعًا يتنافس في الوصول إليه ويرغبون فيه وفي مصاهرته.

وقوله في الفتح: وأنفسهم بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة تعقبه في العمدة فقال إنه غلط وليس هو إلاّ فعلاً ماضيًا من الإنفاس والفاعل فيه إسماعيل.
( وأعجبهم حين شب فلما أدرك) الحل ( زوّجوه امرأة منهم) اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة فيما قاله ابن إسحاق أو هي الجداء بنت سعد فيما قاله السهيلي والمسعودي أو حيي بنت أسعد بن عملق فيما قاله عمر بن شبة ( وماتت أم إسماعيل) قيل ولها من العمر تسعون سنة ودفنها بالحجر ( فجاء إبراهيم) عليه الصلاة والسلام ( بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته) بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك، واستدل بعضهم بهذا على أن الذبيح إسحاق محتجًا بأن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعًا وعاد إليه وقد تزوج لأن الذبح كان في الصغر في حياة أمه قبل تزوجه فلو كان إسماعيل الذبيح لذكره بين زمان الرضاع والتزويج.
وأجيب: بأنه ليس في الحديث نفي مجيئه بين الزمانين، وفي حديث أبي جهم أن إبراهيم كان يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشأم.
( فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا) أي يطلب لنا الرزق ( ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت) له ( نحن بشرّ نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال) إبراهيم عليه السلام لها: ( إذا جاء زوجك) إسماعيل ( فاقرئي) بفتح الراء ( عليه السلام) ولأبي ذر اقرئي بحذف الفاء ( وقولي له: يغير بابه) بفتح الغين المهملة والفوقية والموحدة كناية عن المرأة.
( فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا) بفتح الهمزة الممدودة والنون وفي رواية فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه ( فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا) وفي رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة كالمستخفة بشأنه ( فسألنا عنك) بفتح اللام ( فأخبرته) أنك خرجت تبتغي لنا
( وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد) بفتح الجيم ( وشدة قال) إسماعيل: ( فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم.
أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك.
قال: ذاك)
بكسر الكاف ( أبي) إبراهيم ( وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك) بفتح الحاء المهملة ( فطلقها وتزوج منهم) أي من جرهم ( أخرى) اسمها أسامة بنت مهلهل فيما قاله المسعودي تبعًا للواقدي أو بشامة بموحدة فمعجمة مخففة بنت مهلهل بن سعد بن عوف أو عاتكة وعن ابن إسحاق فيما حكاه ابن سعد رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية وقيل غير ذلك ( فلبث) بكسر الموحدة ( عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده) أي لم يجد إسماعيل ( فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا) الرزق ( قال: كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة) بفتح المهملة ( وأثنت على الله) عز وجل خيرًا بما هو أهله ( فقال) لها: ( ما طعامكم؟ قالت: اللحم.
قال فما شرابكم؟ قالت: الماء)
وزاد في حديث أبي الجهم اللبن ( قال) إبراهيم: ( اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ولم يكن لهم يومئذٍ حب) حنطة أو نحوها ( ولو كان لهم دعا لهم فيه قال: فهما) أي اللحم والماء ( لا يخلو عليهما) بالخاء المعجمة وللكشميهني كما في الفتح لا يخلوان بالتثنية وقال ابن القطوية: خلوت بالشيء واختليت به إذا لم أخلط به غيره، ويقال خلى الرجل اللبن إذا شرب غيره.
وقال الكرماني أي لا يعتمدهما ( أحد) ويداوم عليهما ( بغير مكة إلا لم يوافقاه) لما ينشأ عنهما من انحراف المزاج إلا في مكة فإنهما يوافقانه وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء الخليل عليه السلام.

وفي حديث أبي جهم: ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه، وزاد في حديثه فقالت له: انزل رحمك الله فاطعم واشرب.
قال: إني لا أستطيع النزول.
قالت: فإني أراك شعثًا أفلا أغسل رأسك وأدهنه؟ قال: بلى إن شئت فجاءته بالمقام وهو يومئذٍ أبيض مثل المهاة وكان في بيت إسماعيل ملقى فوضع قدمه اليمنى وقدم إليها شق رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيمن، فلما فرغ حوّلت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى وقدم إليها برأسه فغسلت شق رأسه الأيسر، فالأثر الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب والإصبع.

( قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه) ثم مضى إبراهيم ( فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه) خيرًا ( فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير) وسعة ( قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم.
هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك)
زاد أبو جهم في حديثه فإنها صلاح المنزل ( قال) إسماعيل لها ( ذاك أبي) بكسر الكاف ( وأنت العتبة أمرني أن أمسكك) زاد أبو جهم ولقد كنت عليّ كريمة ولقد ازددت عليّ كرامة فولدت لإسماعيل عشرة ذكور ( ثم لبث عنهم) إبراهيم ( ما شاء الله ثم جاء) إليهم ( بعد ذلك وإسماعيل يبري) بفتح التحتية وسكون الموحدة وكسر الراء من غير همز ( نبلاً له) بفتح النون وسكون الموحدة أي سهمًا قبل أن يركب فيه نصله وريشه وهو السهم العربي ( تحت دوحة) بفتح الدال والحاء المهملتين بينهما واو ساكنة شجرة وهي
التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أوّل ما قدما مكة كما مرّ ( قريبًا من زمزم فلما رآه) إسماعيل ( قام إليه صنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد) من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك.
وفي رواية معمر قال: سمعت رجلاً يقول بكيا حتى أجابهما الطير ( ثم قال) إبراهيم عليه السلام ( يا إسماعيل إن الله) عز وجل ( أمرني بأمر.
قال)
إسماعيل ( فاصنع ما أمرك) به ( ربك.
قال: وتعينني)
؟ عليه ( قال: وأعينك) ولأبي ذر عن الكشميهني فأعينك ( قال) إبراهيم: ( فإن الله أمرني أن ابني هاهنا بيتًا وأشار إلى أكمة) بفتح الهمزة والكاف والميم إلى رابية ( مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا) إبراهيم وإسماعيل ولأبي ذر رفع بالإفراد أي إبراهيم ( القواعد من البيت) جمع قاعدة وهي الأساس صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات ورفعها البناء عليها فإنه ينقلها عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع ( فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء) زاد أبو جهم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعًاً كان ذلك بذراعهم ( جاء) أي إسماعيل ( بهذا الحجر) حجر المقام ( فوضعه له) للخليل ( فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع} ) لدعائنا ( { العليم} ) ببنائنا ( قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} ) وقد قيل: ليس في العالم بناء أشرف من الكعبة لأن الآمر بمعمارته رب العالمين، والمبلغ والمهندس جبريل الأمين، والباني هو الخليل والتلميذ المعين إسماعيل.




[ قــ :311 ... غــ : 3365 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ.
قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللَّهِ.
قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا.
قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا.
فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ -تَعْنِي الصَّبِيَّ- فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَإِذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: فَانْبَثَقَ الْمَاءُ، فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِرُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا، قَالَ: فَجَعَلَتْ
تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا.
قَالَ فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ، كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلاَّ عَلَى مَاءٍ، فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَتَوْا إِلَيْهَا فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ، أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمُ امْرَأَةً.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي.
قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ.
قَالَ: قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ.
فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ، فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي.
قَالَ فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلاَ تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ، وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ -قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ.
قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلاً لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا.
قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ.
قَالَ: إِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ -أَوْ كَمَا قَالَ.
قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولاَنِ: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 17] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم العقدي ( قال: حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي ( عن كثير بن كثير) بالمثلثة فيهما ابن المطلب بن أبي وداعة ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه ( قال: لما كان بين إبراهيم) الخليل ( وبين أهله) سارة، وسقط وبين لابن عساكر ( ما كان) من جنس الخصومة لما داخل سارة من الغيرة بسبب ولادة هاجر إسماعيل ( خرج) إبراهيم ( بإسماعيل وأم إسماعيل) إلى مكة ( ومعهم شنة) بفتح الشين المعجمة والنون المشددة قربة يابسة ( فيها ماء فجعلت أم إسماعيل) هاجر ( تشرب من الشنة فيدرّ لبنها) بفتح الياء وكسر الدال المهملة ( على صبيها حتى قدم مكة فوضعها) هي وإسماعيل ( تحت دوحة) شجرة زاد في الرواية السابقة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذٍ أحد وليس بها ماء ( ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته) بتشديد الفوقية ( أم إسماعيل) ومعها إسماعيل ( حتى لما بلغوا كداء) بفتح الكاف والدال المهملة ممدودًا أعلى مكة ولأبي ذر وابن عساكر كدى بضم الكاف وتنوين الدال مفتوحة من غير همز والذي في اليونينية كدى من غير تنوين ( نادته) هاجر ( من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله) .
عز وجل ( قالت: رضيت بالله.
قال: فرجعت)
إلى موضعها الأوّل ( فجعلت تشرب من الشنة ويدرّ لبنها على صبيها) أي إسماعيل ( حتى لما فني الماء) وانقطع لبنها ( قالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحس أحدًا) أي أشعر به أو أراه ( قال: فذهبت) ولأبي ذر إسقاط لفظ قال ( فصعدت الصفا) بكسر العين ( فنظرت ونظرت هل تحس أحدًا فلم تحس أحدًا) فهبطت من الصفا ( فلما بلغت الوادي
سعت)
سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ( وأتت) بالواو ولأبي ذر أتت ( المروة) فقامت عليها ونظرت هل تحس أحدًا فلم تحس أحدًا ( ففعلت) ولأبي ذر وفعلت ( ذلك أشواطًا) سبعة ( ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل تعني الصبي) إسماعيل ( فذهبت فنظرت) إليه ( فإذا هو على حاله كأنه ينشغ) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فشين مفتوحة فغين معجمتين يشهق من صدره ( للموت) من شدة ما يرد عليه ( فلم تقرها نفسها) بضم المثناة الفوقية وكسر القاف وتشديد الراء ونفسها رفع على الفاعلية أي لم تتركها نفسها مستقرّة فتشاهده في حال الموت ( فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحس أحدًا، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدًا حتى أتمت سبعًا ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل) تعني ولدها ( فإذا هي بصوت فقالت: أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل) عند موضع زمزم، وفي حديث علّي عند الطبري بإسناد حسن: فناداها جبريل، فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم.
قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله.
قال: وكلكما إلى كافٍ.
( قال فقال بعقبه) أشار بها ( هكذا وغمز) بغين وزاي معجمتين ( عقبه على الأرض قال فانبثق) بهمزة وصل فنون ساكنة فموحدة فمثلثة مفتوحتين فقاف فانخرق ( الماء) وتفجر ( فدهشت أم إسماعيل) بفتح الدال والهاء، ولأبي ذر: فدهشت بكسر الهاء ( فجعلت تحفر) بكسر الفاء آخره راء وللكشميهني تحفن بنون بدل الراء أي تملأ كفيها من الماء والأولى أوجه، ففي رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة فعلت تفحص الأرض بيديها ( قال فقال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لو تركته كان الماء ظاهرًا) على وجه الأرض ( قال: فجعلت تشرب من الماء ويدرّ لبنها على صبيها) بفتح الياء وكسر الدال ( قال: فمرّ ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير) عائف ( كأنهم أنكروا ذاك وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء) ولم يعهد هنا ماء ( فبعثوا رسولهم فنظر) هو ومن معه من أتباعه ( فإذا هم بالماء) ولأبي ذر فنظروا فإذا هو بواو الجمع وميمه ولأبي ذر أيضًا فنظر فإذا هو بالإفراد فيهما ( فأتاهم فأخبرهم) بوجود الماء ( فأتوا إليها فقالوا: يا أم إسماعيل أتأذنين لنا أن نكون معك أو نسكن معك) ؟ شك من الراوي، وزاد في الرواية السابقة فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء.
قالوا: نعم فنزلوا وأرسلوا إلى أهليم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ ( فبلغ ابنها) الفاء فصيحة أي فأذنت فكان كذا فبلغ كما مرّ ( فنكح فيهم امرأة) تسمى عمارة بنت سعد أو غيرها كما مر قريبًا ( قال: ثم إنه بدا) ظهر ( لإبراهيم) التوجه إليهما ( فقال لأهله) : سارة ( إني مطلع) بضم الميم وتشديد الطاء ( تركتي) أي ما تركته بمكة وهو إسماعيل وأمه، وعند الفاكهي من وجه آخر عن ابن جريج عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن سارة داخلتها غيرة فقال لها إبراهيم لا أنزل حتى أرجع إليك ( قال فجاء) بعدما تزوّج إسماعيل فلم يجده ( فسلم فقال) لامرأته: ( أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد) وفي رواية ابن جريج وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد وزاد المؤلّف في الرواية السابقة، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه ( قال) إبراهيم ( قولي له) لإسماعيل ( إذا جاء
غيِّر عتبة بابك)
ولأبي ذر وابن عساكر بيتك بدل بابك ( فلما جاء) إسماعيل ( أخبرته) بذلك ( قال) ولأبي ذر فقال ( أنت ذاك) المراد بالعتبة أمرني بطلاقك ( فاذهبي إلى أهلك) زاد في الرواية السابقة فطلقها وتزوج منهم أخرى ( قال: ثم إنه بدا لإبراهيم) التوجه إلى إسماعيل بمكة ( فقال لأهله) زوجته ( إني مطلع تركتي قال فجاء) منزل إسماعيل ( فقال أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد فقالت ألا) بالتخفيف ( تنزل فتطعم وتشرب فقال) لها: ( وما طعامكم وما شرابكم؟ قالت) له: ( طعامنا اللحم وشرابنا الماء.
قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال فقال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بركة)
أي في طعام مكة وشرابها بركة ففيه حذف ( بدعوة إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضمير التثنية أي نبينا وإبراهيم وثبتت التصلية لأبي ذر ( قال ثم إنه بدا لإبراهيم) التوجه لمكة ( فقال لأهله: إني مطلع تركتي فجاء) لمكة ( فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلاً له) بفتح النون وسكون الموحدة سهامًا عربية بغير نصل ولا ريش ( فقال يا إسماعيل إن ربك أمرني أن أبني له بيتًا) هاهنا ( قال) إسماعيل: ( أطع ربك.
قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه.
قال)
إسماعيل: ( إذن أفعل) نصب ( أو كما قال قال فقاما فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان: { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 17] قال حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ) إبراهيم عليه السلام ( على) ولأبي ذر عن الكشميهني: عن ( نقل الحجارة فقام على حجر المقام فجعل) إسماعيل ( يناوله الحجارة ويقولان: { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} ) وفي حديث عثمان ونزل عليه الركن والمقام، فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه إسماعيل، فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذٍ موضعه وأخذ المقام فجعله لاصقًا بالبيت فلما فرغ إبراهيم من بناء الكعبة جاءه جبريل فأراه المناسك كلها، ثم قام إبراهيم على المقام فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم فوقف إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف وحجه إبراهيم وسارة من بيت المقدس ثم رجع إبراهيم إلى الشام فمات بالشام زاد في نسخة الصغاني هنا لفظ باب وسقط لغيره.


باب

[ قــ :31 ... غــ : 3366 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ.
قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.
ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".
[الحديث 3366 - طرفه في: 345] .

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدّثنا إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي أنه ( قال: سمعت أبا ذر -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في
الأرض أوّل)
؟ بفتح اللام غير منصرف ولأبي ذر أوّل بضمها ضمة بناء لقطعها عن الإضافة كما بنيت قبل وبعد قال أبو البقاء وهو الوجه والتقدير أوّل كل شيء ويجوز النصب منصرفًا أي أي مسجد وضع أوّلاً للصلاة ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( المسجد الحرام قال) أبو ذر: ( قلت) يا رسول الله: ( ثم أيّ) ؟ بالتنوين مشدّدًا أي ثم أي مسجد وضع بعد المسجد الحرام ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( المسجد الأقصى) مسجد بيت المقدس بني بعده وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة أو لأنه لم يكن وراءه مسجد أو لبعده عن الأقذار والخبائث ( قلت) يا رسول الله: ( كم كان بينهما) ؟ أي كم بين بناءي المسجدين ( قال) عليه الصلاة والسلام: بينهما ( أربعون سنة) استشكل بأن الخليل بنى الكعبة وسليمان بنى الأقصى وبينهما أكثر من أربعين سنة.
وأجيب: بأنه لا دلالة في الحديث على أن الخليل وسليمان ابتدآ وضعهما لهما بل إنما جددا ما كان أسسه غيرهما، فليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى الأقصى وبناء آدم للكعبة مشهور، فجائز أن يكون لما فرغ آدم من بناء الكعبة وانتشر ولده في الأرض بنى بعضهم المسجد الأقصى، وفي كتاب التيجان لابن هشام: أن آدم بنى الكعبة أمره الله تعالى بالمسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه.

( ثم أينما أدركتك الصلاة بعد) أي بعد إدراك وقتها ( فصلّه) بهاء السكت وللكشميهني: فصلِّ ( فإن الفضل فيه) أي في فعل الصلاة إذا حضر وقتها زاد من وجه آخر عن الأعمش والأرض لك مسجدًا.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في ... ومسلم في الصلاة والنسائي فيه وفي التفسير وابن ماجه في الصلاة.




[ قــ :313 ... غــ : 3367 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا».
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام القعنبي ( عن مالك) الإمام الأعظم ( عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما واسمه ميسرة ( مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلع) ظهر ( له أُحد) بضم الهمزة والحاء المهملة جبل معروف بالمدينة ( فقال) :
( هذا جبل يحبنا) حقيقة أو مجازًا أو هو من باب الإضمار أي يحبنا أهله ( ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة) إسناد التحريم إليه لأنه مبلغه وإلاّ فهي حرام بحرمة الله يوم خلق السماوات
والأرض كما ثبت في حديث آخر عند المؤلّف ( وإني أحرم ما بين لابتيها) .
بتخفيف الموحدة تثنية لابة وهي الحرة الأرض ذات الحجارة السود.

وهذا الحديث مرّ في كتاب الجهاد في باب فضل الخدمة في الغزو ( ورواه) أي الحديث المذكور وثبتت الواو لأبي ذر ( عبد الله بن زيد) الأنصاري فيما وصله في البيوع في باب بركة صاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

هذا آخر المجلدة الأولى من اليونينية كما رأيته بهامش الفرع بخط الشيخ شمس الدين المزي الحريري.




[ قــ :314 ... غــ : 3368 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنهم- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ».
.

     وَقَالَ  إِسْمَاعِيلُ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: أخبرنا مالك الإمام ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر ( أن ابن أبي بكر) هو عبد الله بن أبي بكر الصدّيق ( أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة -رضي الله عنهم- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لها:
( ألم تري أن قومك) قريشًا ( بنوا الكعبة) ولأبي ذر عن الكشميهني: لما بنوا الكعبة ( اقتصروا عن قواعد إبراهيم) جمع قاعدة وهي الأساس ( فقلت يا رسول الله ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ فقال) عليه الصلاة والسلام ( لولا حدثان قومك) قريش بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين وفتح المثلثة مبتدأ خبره محذوف وجوبًا أي موجود أي قرب عهدهم ( بالكفر) زاد في الحج: لفعلت: ( فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة) -رضي الله عنها- ( سمعت هذا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الترديد للتقرير لا للشك والتضعيف ( ما أرى) بضم الهمزة ما أظن ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لغير الحموي والمستملي لفظ أن ( ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر) بكسر المهملة وسكون الجيم ( إلا أن البيت لم يتمم) ما نقص منه وهو الركن الذي كان في الأصل ( على قواعد إبراهيم) عليه السلام فالموجود الآن فى جهة الحجر بعض الجدار الذي بنته قريش.

( وقال إسماعيل) بن أبي أويس في روايته لهذا الحديث ( عبد الله بن أبي بكر) فبين أن ابن
أبي بكر المذكور في الرواية السابقة هو عبد الله، وقد أورد المؤلّف حديث إسماعيل هذا في التفسير، وقوله وقال إسماعيل الخ ثابت لأبي ذر عن المستملي والكشميهني.




[ قــ :315 ... غــ : 3369 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ -رضي الله عنه-: «أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
[الحديث 3369 - طرفه في: 6360] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك بن أنس) الإمام الأعظم وسقط ابن أنس لأبي ذر ( عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ( عن أبيه) أبي بكر ( عن عمرو بن سليم) بفتح العين كالسابق وسليم بضم السين مصغرًا ( الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء بعدها قاف مكسورة أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو حميد) عبد الرَّحمن ( الساعدي -رضي الله عنه- أنهم) أي الصحابة -رضي الله عنهم- ( قالوا) ولأبي الوقت وابن عساكر أنه أي أبا حميد الساعدي قال: ( يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( قولوا اللهم صلّ على محمد) صلاة تليق به ( وأزواجه وذريته) نسله أولاد بنته فاطمة -رضي الله عنها- صلاة تليق بهم ( كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) .

وعند ابن ماجه: كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، ولفظ الآل مقحم: والمعنى كما سبقت منك الصلاة على إبراهيم نسألك الصلاة على سيدنا محمد بطريق الأولى، وبهذا التقرير يندفع الإيراد المشهور وهو أن من شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى، والحاصل من الجواب أن التشبيه هنا ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل بل من باب التهييج ونحوه، والمراد بالبركة النموّ والزيادة من الخير والكرامة أو التطهير من العيوب والتزكية، أو المراد ثبات ذلك ودوامه واستمراره من قولهم: بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه جزم أبو اليمن ابن عساكر فيما حكاه شيخنا فقال: وبارك أي فأثبت وأدم لهم ما أعطيتهم من الشرف والكرامة.
قال شيخنا: ولم يصرح أحد بوجوب قوله وبارك على محمد فيما عثرنا عليه غير أن ابن حزم ذكر ما يفهم وجوبها في الجملة فقال: على المرء أن يبارك عليه ولو مرة في العمر، وأن يقولها بلفظ خبر ابن مسعود أو حميد أو كعب.
وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة وجوبها في الصلاة فإنه قال: وصفة الصلاة كما ذكرها الخرقي والخرقي إنما ذكر ما اشتمل عليه حديث كعب ثم قال: وإلى هنا انتهى الوجوب.

والظاهر أن أحدًا من الفقهاء لا يوافق على ذلك قاله المجد الشيرازي.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّعوات ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه.




[ قــ :316 ... غــ : 3370 ]
- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: «لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقُلْتُ: بَلَى فَاهْدِهَا لِي، فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ.
قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
[الحديث 3370 - طرفاه في: 4797، 6357] .

وبه قال: ( حدّثنا قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي مولاهم البصري ( وموسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري ( قالا: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري قال: ( حدّثنا أبو فروة) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة بعدها واو ( مسلم بن سالم الهمداني) بفتح الهاء وسكون الميم بالدال المهملة ونقل الكرماني عن الغساني أنه قال: يروى عن أحمد أن اسم أبي فروة عروة لا مسلم اهـ.

وفي تقريب التهذيب عروة بن الحرث الكوفي أبو فروة الأكبر ومسلم بن سالم النهدي أبو فروة الأصغر الكوفي ويقال له الجهني لنزوله فيهم فهما اثنان لكن الموافق للهمداني عروة فليتأمل.
( قال: حدثني) بالإفراد ( عبد الله بن عيسى) بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى أنه ( سمع) جده ( عبد الرَّحمن بن أبي ليلى) بفتح اللامين الأنصاري المدني ثم الكوفي ( قال: لقيني كعب بن عجرة) بضم العين وفتح الراء المهملتين بينهما جيم ساكنة البلوي حليف الأنصار، وعند الطبري وهو يطوف بالبيت ( فقال: ألا أهدي) بضم الهمزة ( لك هدية سمعتها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له ( بلى فأهدها لي) بقطع الهمزة ( فقال: سألنا) بسكون اللام ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة) أي كيف لفظ الصلاة عليكم أهل البيت بنصب أهل علي الاختصاص ( فإن الله قد علمنا كيف نسلم) زاد الكشميهني عليكم يعني في التشهد وهو قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، والمعنى علمنا الله كيفية السلام عليك على لسانك وبواسطة بيانك ( قال) :
( قولوا اللهم) أي يا الله ( صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إِبراهيم إنك حميد مجيد) والأمر للوجوب ( اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) ولغير أبي ذر وعلى آل إبراهيم ( إنك حميد مجيد) والمرجح أن المراد بآل
محمد هنا من حرمت عليهم الصدقة، وقيل أهل بيته، وقيل أزواجه وذريته لأن أكثر طرق الحديث جاء بلفظ آل محمد.
وفي حديث أبي حميد السابق موضعه وأزواجه وذريته فدلّ على أن المراد بالآل الأزواج والذرية.
وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود فلعل بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره، والمراد بالآل في التشهد الأزواج ومن حرمت عليهم الصدقة وتدخل فيهم الذرية فبذلك يجمع بين الأحاديث.
وقد أطلق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أزواجه آل محمد كما في حديث عائشة ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام.
وقيل: الآل ذرية فاطمة خاصة حكاه النووي في المجموع، وقيل جميع قريش حكاه ابن الرفعة في الكفاية، وقيل جميع أمة الإجابة، ورجحه النووي في شرح مسلم وقيد القاضي حسين بالأتقياء منهم.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات والتفسير في الصلاة وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.