فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب تمني المريض الموت

باب تَمَنِّى الْمَرِيضِ الْمَوْتَ
( باب) منع ( تمني) ولأبي ذر عن الكشميهني باب نهي تمني ( المريض الموت) لشدّة مرضه.


[ قــ :5371 ... غــ : 5671 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِى وَتَوَفَّنِى إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِى».
[الحديث 5671 - طرفاه في: 6351، 7233] .

وبه قال ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال ( حدّثنا ثابت البناني)
بضم الموحدة ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخاطب الصحابة والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عمومًا:
( لا يتمنين أحدكم الموت من ضر) مرض أو غيره ( أصابه) وفي رواية أبي هريرة: لا يتمنى بياء ثابتة خطأ في كتب الحديث فلعله نهي ورد على صيغة الخبر والمراد منه لا يتمنّ فأُجرِيَ مجرى الصحيح، وقال البيضاوي: هو نهي أخرج في صورة النفي للتأكيد، انتهى.

قال في شرح المشكاة: وهذا أولى لقوله تعالى: { الزاني لا ينكح إلا زانية} [النور: 3] قال في الكشاف عن عمرو بن عبيد: لا ينكح بالجزم على النهي والمرفوع أيضًا فيه معنى النهي، ولكن أبلغ وآكد كما أن رحمك الله ويرحمك الله أبلغ من ليرحمك الله.
قال الطيبي: وإنما كان أبلغ لأنه قدّر أن المنهي حين ورود النهي عليه انتهى عن المنهي عنه وهو يخبر عن انتهائه، ولو ترك على النهي المحض ما كان أبلغ كأنه يقول لا ينبغي للمؤمن المتزوّد للآخرة والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح أن يتمنى ما يمنعه عن السلوك بطريق الله وعليه قوله: خياركم مَن طال عمره وحسن عمله لأن من شأنه الازدياد والترقي من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب كيف يطلب القطع عن محبوبه انتهى.

ولابن حبان: لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍّ نزل به في الدنيا الحديث فلو كان الضرر للأخرى بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي وقد قال عمر بن الخطاب كما في الموطأ: اللهم كبرت سني وضعفت قوّتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفتون.

( فإن كان) المريض ( لا بدّ فاعلاً) ما ذكر من تمني الموت ( فليقل: اللهم أحيني) بهمزة قطع ( ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا) ولأبي ذر عن الكشميهني ما ( كانت الوفاة خيرًا لي) وهذا نوع تفويض وتسليم للقضاء بخلاف الأوّل المطلق فإن فيه نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم والأمر في قوله فليقل لمطلق الإذن لا للوجوب أو الاستحباب لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات.




[ قــ :537 ... غــ : 567 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلاَّ التُّرَابَ وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهْوَ يَبْنِى حَائِطًا لَهُ فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيُوجَرُ فِى كُلِّ شَىْءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ فِى شَىْءٍ يَجْعَلُهُ فِى هَذَا التُّرَابِ.
[الحديث 567 - أطرافه في: 6349، 6350، 6430، 6431، 734] .

وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي
خالد) اسمه سعيد وقيل هرمز الأحمسي مولاهم العجلي (عن قيس بن أبي) حازم) البجلي الكوفي المخضرم أنه (قال: دخلنا على خباب) بفتح الخاء المعجمة والموحدة الأولى المشدّدة ابن الأرت (نعوده وقد اكتوى) في بطنه (سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا) أي ماتوا في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مضوا) ماتوا (ولم تنقصهم الدنيا) من أجورهم شيئًا فلم يستعجلوا ما فيها بل صارت مدخرة لهم في الآخرة، وقال الكرماني: أي لم تجعلهم الدنيا من أهل النقصان بسبب اشتغالهم بها أي لم يطلبوا الدنيا ولم يحصلوها حتى يلزم بسببه فيهم نقصان إذ الاشتغال بها اشتغال عن الآخرة قال الشاعر:
ما استكمل المؤمن أطرافه طرفًا ... إلا تخرّمه النقصان من طرف
(وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا) نصرفه فيه (إلا التراب) يعني البنيان وعند أحمد في هذا الحديث بعد قوله إلا التراب وكان يبني حائطًا له (ولولا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) أي على نفسي قال ذلك لأنه ابتلي في جسده ابتلاء شديدًا وهو أخص من تمنيه فكل دعاء تمن من غير عكس ومن ثم أدخله في الترجمة، قال قيس (ثم أتيناه) أي أتينا خبابًا (مرة أخرى وهو يبني حائطًا له فقال: إن المسلم يؤجر) ولأبي ذر ليؤجر (في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب) أي في البنيان الزائد على الحاجة وتكرار المجيء ثبت في رواية شعبة وهو أحفظ فزيادته مقبولة والظاهر أن قصة بناء الحائط كانت سببًا لقوله: وإنا أصبنا من الدنيا، إلخ.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدعوات والرقاق ومسلم في الدعوات والنسائي في الجنائز.




[ قــ :5373 ... غــ : 5673 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو عبيد) بضم العين وفتح الموحدة من غير إضافة لشيء اسمه سعد بن عبيد الزهري ( مولى عبد الرحمن) بن أزهر ( بن عوف) ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري ( أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لن يدخل أحدًا عمله الجنة) .
واستشكل بقوله تعالى: { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 7] وأجيب: بأن محمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال لأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأن محمل الحديث على أصل دخول الجنة.

فإن قلت: إن قوله تعالى: { سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 3] صريح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال، أجيب: بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، فليس المراد أصل الدخول أو المراد ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخولها ألهم العاملين ما نالوا به بذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله لا إله إلا هو له الحمد ( قالوا: ولا أنت يا رسول الله) لا ينجيك عملك مع عظم قدره ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة) وللمستملي بفضل رحمته بإضافة بفضل للاحقها أي يلبسنيها ويسترني بها مأخوذ من غمد السيف وأغمدته ألبسته غمده وغشيته به وفي رواية سهيل إلا أن يتداركني الله برحمته وفي رواية ابن عون عند مسلم بمغفرة ورحمة وقال ابن عون بيده هكذا وأشار على رأسه.
قال في الفتح: وكأنه أراد تفسير معنى يتغمدني وعند مسلم من حديث جابر لا يدخل أحدًا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا إلا برحمة من الله ( فسددوا) بالسين المهملة أي اقصدوا السداد أي الصواب ( وقاربوا) أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعنى الاستدراك أنه قد يفهم من نفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فاندة وهي أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السُّنّة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة وللحموي والمستملي وقربوا بتشديد الراء من غير ألف ( ولا يتمنين) بتحتية بعد النون آخره نون توكيد لفظ نفي بمعنى النهي وللكشميهني ولا يتمنّ التحتية والنون بلفظ النهي ( أحدكم الموت) زاد في رواية همام عن أبي هريرة ولا يدع به من قبل أن يأتيه وهي قيد في الصورتين ومفهومه أنه إذا دخل به لا يمنع من تمنيه رضا بقضاء الله ولا من طلبه لذلك ( إما) أن يكون ( محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا وإما) أن يكون ( مسيئًا فلعله أن يستعتب) يطلب العتبى وهو الإرضاء أي يطلب رضا الله بالتوبة وردّ المظالم وتدارك الفائت ولعل في الموضعين للرجاء المجرد من التعليل وأكئر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل نحو: { واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189] .

وهذا الحديث أخرجه مسلم إلى قوله فسدّدوا بطرق مختلفة ومقصود البخاري منه هنا قوله ولا يتمنين إلى آخره وما قبله ذكره استطرادًا لا قصدًا.




[ قــ :5374 ... غــ : 5674 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَىَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى وَأَلْحِقْنِى بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى».

وبه قال ( حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الحافظ أبو بكر
العبسي مولاهم الكوفي صاحب التصانيف قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام) هو ابن عروة ( عن عباد بن عبد الله) بفتح العين الموحدة المشدّدة ( ابن الزبير) بن العوّام أنه ( قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في مرض موته ( وهو مستند إليّ) بتشديد التحتية والجملة حالية ( يقول: اللهم اغفر لي وارحمني) بهمزتي وصل فيهما ( وألحقني) بهمزة قطع ( بالرفيق) زاد في رواية الأعلى والمراد الملائكة الملأ الأعلى، وهذا قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن تحقق الوفاة حينئذ لما رأى من الملائكة المبشرة له بكمال الدرجة الرفيعة وغير ذلك وليس نبي يقبض حتى يخير والنهي مختص بالحالة التي قبل الموت كما سبق في رواية همام عن أبي هريرة.
قال في الفتح: ولهذه النكتة عقب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة -رضي الله عنها-: اللهم اغفر لي وارحمني إلى آخره.
قال: فلله البخاري ما أكثر استحضاره وإيثاره الأخفى على الأجلى تشحيذ الأذهان قال وقد خفي صنيعه هذا على من جعل حديث عائشة في الباب معارضًا لأحاديث الباب أو ناسخًا لها والله الموفق والمعين على ما بقي في عافية بلا محنة.

وهذا الحديث مضى في المغازي في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.