فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب يلبس أحسن ما يجد

باب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ
هذا ( باب) بالتنوين ( يلبس) من أراد المجيء إلى صلاة الجمعة ( أحسن ما يجد) من الثياب الجائز لبسها.


[ قــ :860 ... غــ : 886 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ.
ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا.
فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا".
[الحديث 886 - أطرافه في: 948، 2104، 2612، 2619، 3054، 5841، 5981، 6081] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) ولأبي ذر في نسخة: عن مالك ( عن نافع عن عبد الله بن عمر، أن) أباه ( عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ( رأى حلة سيراء عند باب المسجد) بكسر السين المهملة وفتح المثناة التحتية ثم راء ممدودة، أي: حرير بحت، وأهل العربية على إضافة حلة لتاليه، كثوب خز.

وذكر ابن قرقول ضبطه كذلك عن المتقنين، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: حلة سيراء، بالتنوين على الصفة، أو البدل، وعليه أكثر المحدثين.

لكن قال سيبويه: لم يأت فعلاء وصفًا، والحلة لا تكون إلا من ثوبين، وسميت: سيراء لما فيها من الخطوط التي تشبه السيور، كما يقال: ناقة عشراء إذا كمل لحملها عشرة أشهر.

( فقال) عمر: ( يا رسول الله، لو اشتريت هذه) الحلة ( فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك) لكان حسنًا، أو: لو: للتمني لا للشرط، فلا تحتاج للجزاء.
وفي رواية البخاري أيضًا: فلبستها للعيد وللوفد، ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إنما يلبس هذه) أي: الحلة الحرير ( من لا خلاق له) أي: من لا حظ له ولا نصيب له من الخير ( في الآخرة) .
كلمة من تدل على العموم، فيشمل الذكور والإناث.
لكن الحديث مخصوص بالرجال لقيام دلائل أُخر على إباحة الحرير للنساء.


( ثم جاءت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها) أي من جنس الحلة السيراء ( حلل، فأعطى عمر بن الخطاب
رضي الله عنه منها)
أي من الحلل ( حلة) ولأبي ذر: فأعطى منها عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلة، ( فقال عمر: يا رسول الله) وللأصيلي: فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ( كسوتنيها) أي الحلة ( وقد قلت في حلة عطارد) بضم المهملة وكسر الراء، وهو ابن حاجب بن زرارة التميمي، قدم في وفد بني تميم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأسلم له صحبة ( ما قلت) من أنه: "إنما يلبسها من لا خلاق له "؟ ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
( إني لم أكسكها لتلبسها) بل لتنتفع بها في غير ذلك.
وفيه دليل على أنه يقال: كساه إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا، ولمسلم: أعطيتكها تبيعها وتصيب بها حاجتك، ولأحمد: أعطيتكه تبيعه، فباعه بألفي درهم.

لكنه يشكل بما هنا من قوله: ( فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخًا له) من أمه: عثمان بن حكيم، قاله المنذري، أو هو أخو أخيه زيد بن الخطاب لأمه أسماء بنت وهب، قاله الدمياطي، أو كان أخاه من الرضاعة.

وانتصاب أخًا على أنه مفعول ثان لكسا، يقال: كسوته جبة، فيتعدى إلى مفعولين وقوله: له في محل نصب صفة لقوله: أخًا تقديره أخًا كائنًا له.
وكذا قوله: ( بمكة مشوكًا) نصب صفة بعد صفة.
واختلف في إسلامه، فإن قلت: الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومقتضى تحريم لبس الحرير عليهم، فكيف كساها عمر أخاه المشرك؟
أجيب: بأنه يقال كساه إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا، كما مر.
فهو إنما أهداها له لينتفع بها، ولا يلزم لبسها.

ومطابقة الحديث للترجمة من جهة دلالته على استحباب التجمل يوم الجمعة، والتجمل يكون بأحسن الثياب، وإنكاره عليه الصلاة والسلام على عمر، لم يكن لأجل التجمل، بل لكون تلك الحلة كانت حريرًا.

تنبيه:
أفضل ألوان الثياب البياض، لحديث: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم" ... رواه الترمذي وغيره، وصححوه.
ثم ما صبغ غزله قبل نسجه: كالبرد، لا ما صبغ منسوجًا، بل يكره لبسه كما صرح به البندنيجي وغيره، ولم يلبسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولبس البرود.

ففي البيهقي عن جابر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان له برد يلبسه في العيدين والجمعة، وهذا في غير المزعفر والمعصفر.


والسُّنّة أن يزيد الإمام في حُسْن الهيئة والعمّة والارتداء للاتباع، ويترك السواد لأنه أولى.
إلاَّ إن خشي مفسدة تترتب على تركه من سلطان أو غيره.

وقد أخرج المؤلّف الحديث في الهبة، ومسلم في اللباس وأبو داود والنسائي في الصلاة.