فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة: 34]

باب قَوْلِهِ: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
( باب قوله) عز وجل ( { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله} ) والذين بالواو استئنافية مبتدأ ضمن معنى الشرط ودخلت الفاء في خبره وهو قوله: ( { فبشرهم بعذاب أليم} ) [التوبة: 34] لذلك ووحد الضمير والسابق شيئان الذهب والفضة لأنه يعود على المكنوزات وهي أعم من النقدين أو عودًا إلى الفضة لأنها أقرب مذكور، واكتفى ببيان حال صاحبها عن بيان حال صاحب الذهب، أو لأن الفضة أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذهب وتخصيصهما بالذكر مع أن غيرهما إن لم تؤد زكاته كأموال التجارة يعذب صاحبه لكونهما ثمنًا له في الغالب، وأصل الكنز الجمع وكل شيء جمع بعضه إلى بعض فهو مكنوز، وأكثر علماء الصحابة على أن الكنز المذموم هو المال الذي لا تؤدى زكاته.

وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونًا في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض، وقيل: المال الكثير إذا جمع فهو الكنز المذموم وإن أديت زكاته، واستدلّ له بعموم اللفظ، وقوله عليه الصلاة والسلام المروي في حديث علي عند عبد الرزاق ولفظه عن عليّ في قوله تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تبًّا للذهب تبًّا للفضة" يقولها ثلاثًا.
قال: فشق ذلك على أصحابه وقالوا: فأي مال نتخذ؟ فقال عمر -رضي الله عنه-: أنا أعلم لكم ذلك فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم ذلك وقالوا: فأي المال نتخذ؟ قال: "لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وزوجة تعين أحدكم على دينه" ويمكن أن يجاب بحمل ذلك على ترك الأولى لا أنه يعذب الإنسان على مال جمعه من حل وأخرج عنه حق الله تعالى، وقد قال عليه الصلاة والسلام "نعم المال الصالح للرجل الصالح" وسقط باب قوله لغير أبي ذر.


[ قــ :4405 ... غــ : 4659 ]
- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ».

وبه قال: ( حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان الحمصي قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( أن عبد الرحمن) بن هرمز ( الأعرج حدثه أنه قال: حدّثني) بالإفراد ( أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( يكون كنز أحدكم) بالكاف كذا في الفرع كأصله وغيرهما وفي نسخة مكنز أحدهم ( يوم القيامة شجاعًا أقرع) أي حيّة تمعط جلد رأسها لكثرة السم وطول العمر وزاد أبو نعيم في مستخرجه يفر منه صاحبه ويطلبه أنا كنزك فلا يزال به حتى يلقمه أصبعه.

وقد سبق الحديث في الزكاة بتمامه من وجه آخر وقد أورده هنا مختصرًا.




[ قــ :4406 ... غــ : 4660 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الأَرْضِ قَالَ: كُنَّا بِالشَّأْمِ فَقَرَأْتُ: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا مَا هَذِهِ إِلاَّ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ:.

قُلْتُ إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني الهمداني الكوفي أنه (قال: مررت على أبي ذر) جندب بن جنادة على الأصح (بالربذة) بالراء والموحدة والمعجمة المفتوحات موضع قريب من المدينة (فقلت) له: (ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنا بالشام فقرأت) قوله تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} قال معاوية) بن أبي سفيان حين كان أميرًا على الشام: (ما هذه) الآية (فينا) نزلت (ما هذه إلا في أهل الكتاب).
نظرًا إلى سياق الآية لأنها نزلت في الأحبار والرهبان الذين لا يؤتون الزكاة (قال) أبو ذر: (قلت) لمعاوية: (إنها لفينا وفيهم) نزلت نظرًا إلى عموم الآية، وزاد في الزكاة فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان -رضي الله عنه- يشكوني فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها فكثر عليّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا فذاك الذي أنزلني هذا المنزل.


باب قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}
( باب قوله عز وجل { يوم يحمى عليها} ) أي المكنوزات أو الدراهم ( { في نار جهنم} ) يجوز كون يحمي من حميته أو أحميته ثلاثيًا أو رباعيًا يقال: حميت الحديدة وأحميتها أي أوقدت عليها
لتحمي والفاعل المحذوف هو النار تقديره يوم تحمى النار عليها فلما حذف الفاعل ذهبت علامة التأنيث لذهابه كقولك: رفعت القصة إلى الأمير ثم تقول رفع إلى الأمير ( { فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} ) تخصيص هذه الأعضاء لأن جمع المال والبخل به كان لطلب الوجاهة فوقع العذاب بنقيض المطلوب والظهر لأن البخيل يولي ظهره عن السائل أو لأنها أشرف الأعضاء لاشتمالها على الدماغ والقلب والكبد ( { هذا ما كنزتم لأنفسكم} ) معمول لقول محذوف أي يقال لهم هذا ما كنزتم لمنفعة أنفسكم فصار مضرة لها وسبب تعذيبها ( { فذوفوا ما كنتم تكنزون} ) [التوبة: 35] أي: جزاء الذين كنتم تكنزونه لأن المكنوز لا يذاق.

وثبت باب قوله عز وجل لأبي ذر وسقط له جباههم الخ وقال بعد قوله فتكوى بها الآية.


[ قــ :4406 ... غــ : 4661 ]
- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ.

وبه قال: ( وقال أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى فيما وصله أبو داود في الناسخ والمنسوخ ووقع في رواية الكشميهني في باب ما أدى زكاته فليس بكنز حدّثنا أحمد بن شبيب قال: ( حدّثنا أبي) شبيب بن سعيد البصري ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن خالد بن أسلم) أخي زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه ( قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- زاد في الزكاة فقال أعرابي أخبرني قول الله { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله} ( فقال هذا قبل أن تنزل الزكاة) إذ كانت الصدقة فرضًا بما فضل عن الكفاية لقوله تعالى: { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 19] قاله ابن بطال: ( فلما أنزلت) آية الزكاة ( جعلها الله) أي الزكاة ( طُهرًا للأموال) ولمخرجها عن رذائل الأخلاق.